الأطفال والانتهاك الجنسي.. بمناسبة اليوم العالمي لمنع ممارسة الاستغلال والانتهاك والعنف الجنسي ضد الأطفال
الأطفال زهور الدنيا وربيعها النضر، ومستقبل البشرية المشرق، والشغل الشاغل للمنظمات الدولية التي تسعى لحمايتهم، وتعمل من أجل رفاههم؛ ليعيشوا في بيئة نظيفة متسامحة، وبعيدة عن عنف الاستغلال والاعتداء الجنسيين عليهم بجميع أشكالهما في أخطر مراحل حياتهم العمرية، اللذين يتركان آثارهما عليهم صحياً ونفسياً وجسدياً. وقد “اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً في 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2022 أعلنت بموجبه يوم 18 نوفمبر/تشرين الثاني يوماً عالمياً لمنع الاستغلال الجنسي للأطفال والاعتداء عليهم والعنف ضدهم والشفاء من ذلك”. وعملت الأمم المتحدة على حمايتهم من خلال منظمتي اليونسكو واليونيسيف وغيرهما من المنظمات الدولية الناشطة في مجال الطفولة في خطة التنمية المستدامة لعام 2030. ووضعت في أولوية عملها كرامة الأطفال وحقهم في العيش بمجتمع آمن يوفر لهم الرفاهية بعيداً عن العنف والاستغلال والإيذاء والتعذيب، والقضاء على جميع الممارسات الضارة التي يتعرضون لها كالزواج المبكر، والزواج القسري، وتشويه الأعضاء التناسلية للإناث، والاعتداء القسري/الاغتصاب عليهن. دعت رئيسة جمهورية سيراليون ” فاطمة مادا بيو” ـ في قاعة الجمعية العامة ـ الدول الأعضاء للحفاظ على كرامة الأطفال، وحماية طفولتهم من الإساءة والاستغلال والعنف خاصة الإناث: “أود أن أقول للعالم: ارفعوا أيديكم عن فتياتنا” وتضيف “أنا لست ضحية اغتصاب، لكنني ضحية زواج مبكر.. أقول إن الزواج المبكر هو شكل قانوني للاغتصاب”.
إن ظاهرة الاستغلال والاعتداء الجنسيين على الأطفال ظاهرة عامة في المجتمعات المختلفة وليست محصورة في منطقة معينة. تشير إحصائيات بعض المنظمات أن هناك أكثر من (250) مليون طفل، جلّهم من الإناث، تعرضوا للاستغلال والاعتداء أو العنف الجنسي في مرحلة الطفولة والمراهقة اللذين يعدّان انتهاكاً صارخاً لحقهم في حياة آمنة ومستقرة ـ كما أكدها الإعلان العالمي لحقوق الطفل 1959 ، واتفاقية حقوق الطفل 1989 والبرتوكولان الإضافيان لها ـ ويسببان لهم مشاكل اجتماعية، وصحية، ونفسية، وجسدية طويلة الأمد، تمتد على مراحل العمر كالإكتئاب، والقلق، والاضطرابات النفسية، والأمراض الجسدية، والمشاكل الجنسية التي تودي بهم إلى الانتحار أحياناً.
ومما يعقد ظاهرة الاستغلال والاعتداء الجنسيين على الأطفال التستر عليها خشية افتضاحها شعور الأطفال والأهل بالإهانة لكرامتهم الإنسانية، فتبقى مكبوتة في النفس، وهو ما عبّرت عنه “فاطمية مادا بيو” أمام أعضاء الجمعية العامة: “الناس لا يريدون الحديث عن الاغتصاب وهي قضية خطيرة جداً. لذا، إذا كان لديكم يوم مثل هذا، وكان هناك الكثير من الأشخاص المستعدين للإدلاء بشهاداتهم، فأعتقد أنه ينبغي السماح لهم بذلك. لماذا نحتفل بحرية التعبير إذا لم يسمح لي بأن أروي ما حدث لي؟”.
إن التستر على الاعتداءات الجنسية خشية وخوفاً يسبب آثاراً سيئة تظهر في تصرفات المعتدى عليهم كردة فعل على الآخرين والمجتمع، فيقومون بالتعدي وإيذاء الذين يعيشون معهم أو حولهم، وتخريب ما تطاله أيديهم من منشآت خاصة أو عامة انتقاماً وتفريغاً للشحن النفسي والحقد الذي يعانون منه على ما لحق بهم من إيذاء. لذلك تسعى المنظمات الدولية ـ وعلى رأسها اليونسكو واليونيسيف ـ لحماية الأطفال والمراهقين من الاستغلال والاعتداءات الجنسية، والمحافظة على حقهم بطفولة آمنة، والمساعدة في كبح جماح هذه الظاهرة والتقليل من آثارها بتشكيل مجموعات عديدة لرصدها ومعالجتها في دول العالم، ووضع خطط للحد من أسبابها، ومعالجة آثارها، والعمل على تشافي الأطفال والمراهقين الذين تعرضوا للاستغلال والاعتداء بتشجيعهم على المواجهة والإبلاغ عن حوادث الاستغلال والاعتداء الجنسيين عليهم من خلال تعزيز ثقافة البوح لفضح المعتدي ومحاسبته والاقتصاص منه، ومعالجتهم نفسياً وجسدياً ليمارسوا دورهم الطبيعي في حياة مستقرة.
ولكن كيف لهاتين المنظمتين أن تؤديا دورهما المنوط بهما في عالم يمور بالنزاعات المسلحة حيث يكثر استغلال الأطفال فيها، ويحرمون من بهجة الطفولة، عدا عن استغلالهم والاعتداء القسري عليهم جنسياً، وخاصة الفتيات المراهقات اللواتي يقضين بسبب الحمل المبكر الذي لا تتحمله أجسادهن الغضة غير المكتملة النمو.
وستبقى ظاهرة العنف، والاستغلال والاعتداء الجنسيين ضد الأطفال حتى الكبار مادامت الأمم المتحدة ألعوبة بيد الدول الكبرى التي تثير النزاعات في مناطق عديدة من عالمنا، وتحتفظ بحق العضوية الدائمة، وبحق الاعتراض/الفيتو في مجلس الأمن الدولي، وتتحكم بالقرارات الدولية.