fbpx

الأجندة الوطنية المفقودة

0 857

لا يزال السوريون يجهلون مستقبل بلادهم، مصدر هذا الجهل، يعود إلى فقدانهم لاستقلالية القرار الوطني، الذي غدا رهينةً لقوى إقليمية ودولية منخرطة في الصراع السوري، لها أجندات تتعارض مع مصلحة الشعب السوري في وحدة واستقلال بلاده.
التدخلات الأجنبية بدأت مع تورط النظام السوري في استدعاء قوى إقليمية “إيران وميليشياتها الشيعية المتعددة الجنسيات” واستدعاء التدخل الدولي، المتمثّل بالاحتلال الروسي، للدفاع عن حكمه.
هذا الأمر حدث في صفوف قوى المعارضة، إذ استطاعت القاعدة أن تجد لها موطئ قدمٍ في سوريا، إضافة إلى ارتباط كثير من الفصائل المسلحة بأجندات إقليمية، مما جعل قرارها السياسي رهن هذه الأجندات.
في ظل هذا الوضع المتردي، يتساءل كثيرٌ من السوريين، كيف يمكنهم استعادة استقلالية قرارهم الوطني؟. ووضع مصلحتهم الوطنية المتمثلة بإزالة الاحتلالات الأجنبية، وإنهاء نظام الاستبداد موضع التنفيذ بموجب برنامج عمل وطني؟.
الإجابة على هذا التساؤل، تتطلب في البداية تغييراً في بنية ورؤى المعارضة السياسية والعسكرية الحالية، المرتبطة بالأجندات الإقليمية والدولية، هذا التغيير، يتمّ في إطار وطني مستقل بصورة حقيقية، بعيداً عن أي تدخلات في الشأن الوطني السوري.
لقد أثبتت قوى المعارضة الرسمية “ائتلاف _ هيئة مفاوضات _ حكومة مؤقتة” بأنها لا تملك القدرة على أخذ أي موقف وطني مستقل. فتصدّرُ ما يسمى “دول ضمان أستانا وسوتشي” يؤكد صحة ارتهان هذه المعارضة لأجندات لا تمثّل مصالح السوريين بصورة عامة، ومصالح ثورتهم الوطنية الديمقراطية.
ولإحداث مثل هذا التغيير في المعادلة السياسية السورية، ينبغي وضع إطار عمل وطني حقيقي، يشكّل مرجعية وطنية لكلّ السوريين. هذا الإطار يجب أن يكون تعبيراً عن تمثيلٍ وطني عن كل مكونات الشعب السوري، في عموم جغرافيته الوطنية.
لا ينبغي لهذا الإطار أن يأخذ دور منصة سياسية جديدة منافسة لمنصات موجودة، بل ينبغي عليه، أن يلعب دور مرجعية وطنية لكلّ السوريين الممثلين فيه.
هذه المرجعية، يجب أن تُحدد ثوابت عملها الوطني (طرد الاحتلالات، استقلال البلاد، بناء دولة المواطنة الديمقراطية). وهذا لن يتحقق في ظل بقاء القرار الوطني رهينةً بيد القوى الإقليمية والدولية المنخرطة في الصراع السوري.
إطار العمل الوطني، هو إطارٌ لكل السوريين خارج مضيّقات الحزبوية والإيديولوجية وكل التعبيرات السياسية ما قبل الوطنية. هذا الإطار الوطني مهمته الأولى رفض ما ترسمه الدول المنخرطة في الصراع لبلادنا، وهذا يمكن تحقيقه من خلال تأسيس هذه المرجعية خارج تضخم الذات لدى عديد من القيادات السياسية والنخب، وخارج الايديولوجيات، التي أساءت للثورة السورية، وربطت عربتها بجياد قوى خارجية.
الأصح في المرجعية، أن تكون تعبيراً عن السوريين كهوية وطنية ديمقراطية، وليس عبر محاصصات مذهبية أو دينية أو إثنية، وهذا يمكن توفيره واقعياً نتيجة وجود هذا الاتجاه الوطني لدى السوريين.
المرجعية الوطنية المنشودة هي من يمنح الجهات التنفيذية الثقة، وهي من يستطيع عزل هذه الجهات إذا خرجت عن برنامج ورؤى السوريين ووحدتهم.
هذه المرجعية ليست ذات لون ايديولوجي واحد، ولا يمكن السماح أن تلعب الايديولوجيا أي دور في تكوينها في مرحلتها الحالية.
هذا التكوين يختص بتحرير سوريا من احتلالاتها المتعددة والمختلفة، ويختص بفرض وحدة تراب البلاد، عبر نظام حكم وطني ديمقراطي، يتأسس على قاعدة دستور وطني يحقق العدالة والمساواة بين مكونات الشعب السوري.
فهل تقدر النخب الوطنية السورية المستقلة على توظيف جهودها من أجل سحب البساط من تحت أقدام كل القوى المعادية أو صاحبة الأجندات الخاصة، التي تعرقل استقلالية القرار الوطني السوري؟
الجواب، نعتقد أن ذلك ممكناً، ويحتاج لإرادة حقيقية في التغيير، ويحتاج لبرنامج عمل وطني ملموس الرؤية والأهداف والأدوات، يعبّر عن سوريا الواحدة الديمقراطية.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني