fbpx

استراتيجيات وآليات عمل منظمات حقوق الإنسان في سياق سياسات متغيرة

0 141

نظَّم برنامج ماجستير حقوق الإنسان في معهد الدوحة للدراسات العليا، يوم الثلاثاء 15 آذار 2022، ندوة بعنوان “استراتيجيات وآليات عمل منظمات حقوق الإنسان في سياق سياسات متغيرة”، وناقشت الندوة دور الشبكات العابرة للحدود، على اعتبار العمل الحقوقي يتجاوز الحدود الوطنية، وقدَّمت الشبكة السورية لحقوق الإنسان ومنظمة هيومان رايتس ووتش أنموذجاً.

أدار الندوة الدكتور معتز الفجيري، أستاذ مساعد ورئيس برنامج حقوق الإنسان في معهد الدوحة للدراسات العليا، الذي أكد أن المنظمات الحقوقية الوطنية والدولية فاعلة في تشكيل خطاب حقوق الإنسان، ولها تأثير مباشر في صناعة القانون الدولي وتطوره.

تناولت الندوة التحديات الثقافية التي تواجهها هذه المنظمات عندما تتحدث عن القانون الدولي وتطبيقه في سياقات مختلفة، إضافة إلى عدة محاور أخرى، وحاضر فيها الباحث عمرو مجدي، باحث أول في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة هيومن رايتس ووتش، والأستاذ فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، بحضور بعض أساتذة المعهد، والعديد من طلاب درجة الماجستير.

قدَّم الأستاذ فضل عبد الغني مداخلته بعنوان “توثيق الانتهاكات في الشبكة السورية لحقوق الإنسان رحلة شاقة عبر أكثر من عقد من الزمن”، وأشار في بداية كلمته إلى أهمية تطبيق القانون الدولي بشكل عملي، والتحديات التي تواجه المنظمات الحقوقية لدى توثيقها انتهاكات جميع أطراف النزاع بما فيها النظام الحاكم.

وذكر السيد عبد الغني أنَّ 15 آذار يصادف الذكرى الحادية عشرة لانطلاق الحراك الشعبي في سوريا، الذي واجهه النظام السوري بالرصاص الحي وعمليات الاعتقال منذ الأيام الأولى، وتوسَّعت حتى بلغت حدَّ الجرائم ضدَّ الإنسانية بحسب التقرير الأول للمفوضية السامية لحقوق الإنسان الصادر في أيلول 2011، مشيراً إلى أنَّ الشبكة السورية لحقوق الإنسان خرجت من رحم هذا الحراك، بهدف المساهمة في حفظ حقوق الضحايا والدفاع عنهم.

تحدث السيد فضل عبد الغني عن أهم المحاور الأساسية للعمل الحقوقي والتي تعتمد على أولويات الوضع وسياق الأحداث، مشيراً إلى أهمية بناء قاعدة بيانات احترافية وذات مصداقية عالية عن الانتهاكات، موضحاً أنه في النزاع السوري لم يقم أحد بجمع بيانات ومعلومات الضحايا سوى منظمات المجتمع المدني، كما أكد على دور هذا التوثيق في مرحلة العدالة الانتقالية وتحقيق المحاسبة في المستقبل.

استطرد السيد عبد الغني في الحديث عن أبرز المراحل الأولية لعمليات التوثيق بالحديث عن بناء شبكة العلاقات مع الأهالي والنشطاء المحليين وشهود العيان، وقال “نحن نعمل لأجل الضحايا، وفي الوقت ذاته فإن الضحايا وأقربائهم هم أهم المصادر للحقوقيين، ومن دون تعاونهم لا يمكن أن ينجح العمل”، كما أشار إلى أهمية الاهتمام بالحالة النفسية للضحايا ومراعاتها مع التأكيد على أهمية التوازن وتجنب التهويل.

تحدث السيد فضل عبد الغني عن أهمية المطالبة بجميع الحقوق التي تنصُّ عليها العهود والمواثيق الدولية والتزام جميع أطراف النزاع بقواعد القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان، وذلك عبر عكس البيانات التي تمَّ توثيقها في تقارير حقوقية ثم توظيف هذه التقارير، لافتاً إلى أنَّ مشاركة البيانات والتقارير مع الجهات والمنظمات الدولية أمر جوهري، لأن الهدف من عمليات التوثيق بناء أرشيف متراكم، لحفظ الذاكرة التاريخية، وللضغط على المعنيين وصناع القرار من أجل وقف الانتهاكات، ثم محاسبة المجرمين.

وتابع السيد فضل الحديث عن التحديات التي تواجه منظمات المجتمع المدني واختلافها باختلاف الدولة مشيراً إلى أن العامل الأمني هو أبرزها في حالة النزاع السوري لأن الفرد قد يفقد حياته وهو يقوم بتوثيق انتهاك أو محاولة الحصول على معلومة، وقد يتم اعتقاله وتعذيبه أو تغييبه قسرياً، مذكراً بأن هناك ثلاثة من أعضاء الشبكة السورية لحقوق الإنسان لا يزالون قيد الاختفاء القسري حتى الآن.

أشار السيد عبد الغني إلى تغير مناطق سيطرة أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا، والتي يجب عليها تطبيق القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان، وعن أهمية أخذ واقع السيطرة بنظر الاعتبار في أثناء عمليات التحقيق، إضافة إلى أهمية إسناد المسؤولية في كل حادثة انتهاك، لإظهار مدى الإجرام، بالإضافة إلى الحرص على أنسنة إحصائيات الضحايا كي لا يتحولوا إلى مجرد أرقام.

وأكَّد السيد فضل عبد الغني أن مواكبة الحوادث بشكل مستمر على مدار الـ 24 ساعة تقريباً، ثم بناء منهجية توثيق جيدة، وتطويرها باستمرار لتتناسب مع مستجدات النزاع، واعتماد معايير عالية في توثيق الانتهاكات، ثم تحري الدقة في أثناء العمل على قواعد البيانات وإخضاعها لعمليات تدقيق مستمرة، ومن ثم عكسها في مخرجات، جميع ما سبق أدى إلى بناء مصداقية عالية للشبكة السورية لحقوق الإنسان لدى المنظمات الدولية والإقليمية وغيرها من المهتمين بالشأن السوري.

وأضاف السيد عبد الغني أن الشبكة السورية لحقوق الإنسان أحد أبرز المصادر الأساسية للمعلومات في العديد من تقارير وزارات الخارجية وتقارير الحالة لدول العالم منذ عام 2012، كما أنها أصبحت بفضل ذلك مصدراً لعدد واسع من وكالات الأنباء العربية والعالمية ضمن تغطياتها وتقاريرها عن سوريا.

ونوَّه السيد فضل عبد الغني إلى أن عمل المنظمة التوثيقي يصبُّ بشكل عام ضمن إطار المحاسبة الجنائية وغير الجنائية مثل فرض العقوبات الاقتصادية واتخاذ قرارات سياسية لبذل جهود لوقف الجرائم ضد الإنسانية وتحقيق الانتقال السياسي نحو الديمقراطية وحقوق الإنسان.

 وأوضح السيد عبد الغني إلى أن الشبكة السورية لحقوق الإنسان وقَّعت مذكرات تفاهم واتفاقات عديدة لمشاركة البيانات مع هيئات أممية ودولية، إضافة إلى حكومات العديد من الدول ومراكز الأبحاث.

كما أشارَ إلى مشاركة الشبكة السورية لحقوق الإنسان في بعض الدعاوى المقامة بالاستناد إلى مبدأ الولاية القضائية العالمية، والتي من بينها قضية أنور رسلان الذي أدانته المحكمة الإقليمية العليا في كوبلنز بارتكابه بجرائم ضد الإنسانية، وهي تعني بحسب ميثاق روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، أنها جرائم ذات طبيعة منهجية أو واسعة النطاق، وبالتالي لا يمكن أن تنفذ من قبل أفراد في النظام السوري دون أن تكون سياسة مركزية لدى النظام السوري، ومتورط فيها على أعلى المستويات؛ ويشكل هذا الحكم صفعة قوية لكل من يفكر في إعادة أي شكل من أشكال العلاقات مع النظام السوري، وكل من يقدم دعماً له وفي مقدمتهم روسيا، والصين، وإيران.

اختتم السيد عبد الغني مداخلته بالتأكيد على أهمية تنظيم فعاليات مناصرة والمشاركة فيها، مشيراً إلى مشاركة الشبكة السورية لحقوق الإنسان بشكل دوري مستمر في فعاليات دولية وأُممية، بالإضافة إلى تنظيم أحداث جانبية على هامش أحداث دولية.

وفي إطار سعيها لنقل الخبرات الطويلة التي اكتسبتها، تقدم الشبكة السورية لحقوق الإنسان تدريبات لأعداد كبيرة من النشطاء الإعلاميين السوريين، وكذلك لنشطاء حقوق الإنسان في سوريا وفي دول أخرى، كما قدَّمت تدريبات عن القانون الدولي الإنساني للمكاتب السياسية لفصائل في المعارضة المسلحة.

والجدير بالذكر أن الشبكة السورية لحقوق الإنسان تبذل جهود جبارة لنشر وتعزيز ثقافة حقوق الإنسان، ودعم جهود توثيق الانتهاكات والتقارير المرتكزة إليها، وزيادة الوعي بأهمية ومركزية دور الضحايا وضرورة تعاون المجتمع السوري من أجل فضح المتورطين، ومحاسبة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية ومحاربة ثقافة الإفلات من العقاب.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني