fbpx

احتجاجات السويداء.. ترقّب حذر ومحاولات لشق الصف

0 167

في 17 أغسطس 2023، اندلعت مظاهرات شعبية في مدينة السويداء السورية احتجاجاً على تدهور الوضع الاقتصادي وغلاء المعيشة بمشاركة مئات المحتجين.

اتسعت رقعة المظاهرات خلال أيام معدودة ونادى آلاف المتظاهرين بإسقاط النظام.

اللافت في هذه الاحتجاجات، المشاركة النسائية الكبيرة، علوّ سقف المطالب منذ البداية ودرجة الوعي العالي التي يتمتع بها المحتجون، إضافة إلى التركيز على السلمية ومحاولة إيجاد قيادة وطنية للحراك.

مرت هذه الاحتجاجات بتطورات كثيرة بعد مرور أكثر من مئة يوم على انطلاقها، ومن أهمها سعي المحتجين لتشكيل كيان سياسي أو اجتماعي يكون جامعاً بالدرجة الأولى وممثلاً للحراك ويتبنى مطالبه كافةً.

وللوقوف على حقيقة الوضع وآخر التطورات الحاصلة في السويداء، نينار برس التقت بناشطين من السويداء، ممن شاركوا منذ البداية حتى الآن وكانوا موجودين بشكل دائم في ساحة الكرامة قلب الحدث.

تقول الناشطة “سلام نبواني” من المشاركات في الحراك منذ بدايته: “كان إتمام الحراك مئة يوم، مناسبة غالية جداً، وله أثر كبير في قلوبنا، خلال هذه الأيام المئة ظهرت الكثير من التكتلات والمجموعات، من مبدأ الحاجة إلى خلق جسم سياسي يتحدث باسم الحراك ويكون جامعاً وهي نقطة مهمة جداً – أن يكون جامعاً – وكانت الفكرة أن يكون هذا الكيان ممثِّلاً للجميع ولم نكن نرغب أن تتحرك هذه التكتلات والمجموعات بأسماء أحزابها وتياراتها، نحن مع التعددية الحزبية، ونفضّل أن يكون هذا الكيان مجموعة متوافقة مع التكتلات والمجموعات كافة وتتحدث باسم الجميع.

وتتابع الناشطة “نبواني”: “من ضمن هذه المجموعات “الكتلة الوطنية” وفكرة الكتلة الوطنية ليست جديدة ولكنها تجددت بأفكار الشباب.. حالياً يوجد تيار جديد، لم يتم الإعلان عنه بعد، وهو تيار جامع لكل المكونات المولودة في الحراك والتي تنمو ببطء شديد”.

من ناحية أخرى تضيف “نبواني”: “المدة التي مرّ بها الحراك ليست كافية لولادة هذا الجسم السياسي – وكان هذا رأي الأغلبية – النقطة الثانية، إن الشعب السوري عموماً لم يدخل معتركاً سياسياً حقيقياً منذ عام 1970، في ظل هذا النظام، الجميع مُحيّدٌ سياسياً، في ظل الحزب الواحد والحاكم الواحد، ولا يمكن لأحد أن يطرح رأياً مهما كان، سياسياً أم فكرياً أم حتى تنويرياً، وإن حصل يمكن أن يكون مصيره الاعتقال أو التصفية. هذه التيار الوليد (المدني) وأقصد بالمدني أنه لا ينتمي إلى حزب محدّد، مهمته التي تقع في صلب عمله جمع كل التيارات والأحزاب، أي مجموعة من الأحزاب ضمن دستور واحد، بالتأكيد فإنّ قادة هذا التيار سوف يتغيّرون ضمن تجربة ديمقراطية وانتخابات، والأهمّ من كل ذلك أن يكونوا من الشخصيات المقبولة اجتماعياً وليس لديهم أية خلفيات سياسية. هذا التيار سوف يعمل على توحيد الصفوف والتصدي لمحاولات النظام الدائمة لشقّ الصف”.

تقول الناشطة “حنان رضوان” وهي من المشاركات الأوائل عن أهم التطورات الحاصلة هناك:

“بعد مرور شهر على الحراك قرّر بعض السياسيين المشاركين فيه أن تكون هناك هيئة سياسية ممثَّلة ببعض النشطاء السياسيين، وقاموا بإعداد ورقة تمّ الإعلان عنها من خلال بيان صدر باسم “الهيئة السياسية” لم تلاقِ الورقة قبولاً من الجميع لأسباب عديدة منها، عدم مشاركة جميع القوى السياسية الناشطة على الأرض، ما دفعهم للتفكير بحلٍّ يكون مقبولاً من الجميع، وكانت فكرة تشكيل كتلة وطنية، وكانت وظيفتها التنسيق بين مدينة السويداء والقرى المشاركة في الحراك، ووضع آلية عمل لتنظيم الحراك، وبالفعل عملت الكتلة بهذا الشكل”.

وتضيف الناشطة “حنان رضوان”: “مؤخراً، اجتمع بعض الناشطين والناشطات وأطلقوا تياراً جديداً باسم “التغيير والحرية”، وهو في الحقيقة قد ضمّ العدد الأكبر من الموجودين في الساحة، حيث كان الانطلاق من هناك إلى الاجتماع العام، وتمّ في هذا الاجتماع تنظيم انتخاب مجلس إدارة التيار، طبعاً هناك لجان فرعية تتبع لهذا المجلس ولكلٍّ منها مهامها المختلفة، لكن لم يتم الإعلان عنها بعد، أيضاً، هناك قسم من المحامين والأطباء والمعلمين والصيادلة وغيرهم.. قرروا المشاركة بأنفسهم بأسماء تكوينات جديدة كون نقاباتهم لم تكن حاضرة كهيئات ممثِّلة لهم، فكان تجمُّع المحامين الأحرار، تجمُّع الأطباء، تجمُّع المعلمين، المهندسين الزراعيين، الاقتصاديين، المعتقلين السابقين، منظمة حقوق الإنسان.. ومازالت هذه التجمعات موجودة في الاحتجاجات وتحاول أن تعمل بشكل موحّد، وهي خطوة إيجابية ولها أثر جيد في الاحتجاجات وفي المحيط العام والسوري”.

الناشط “وحيد وافي” يتحدّث عن آخر التطورات الحاصلة في السويداء:

“أهم تطور في انتفاضة السويداء هو تشكيل المجموعات المدنية، فقد ارتأت القوى الواعية في السويداء أن تضفي الطابع المدني على هذا الحراك، وتبعده عن الطابع الديني أو الأهلي، رغم وجود كثير من التشكيلات في الساحة، لكن الحضور المدني كان واضحاً بشعاراته ولافتاته، وضم المعلمين، المهندسين، التجار، والقطاع الصحي الذي شارك بلباسه الأبيض”.

وعن محاولات شقّ صفّ الحراك في السويداء تقول الناشطة “حنان رضوان“:

“منذ البداية كانت السلطة السورية تحاول شقّ صفّ الحراك عن طريق تحييده عن سلميته، وكان هذا عصيّاً عليها، إحدى هذه المحاولات إطلاق الرصاص على المتظاهرين العزّل عند إغلاق فرع حزب البعث العربي الاشتراكي في السويداء، ولم يُقدم أحد من المتظاهرين على أي فعل عنفي، أمّا محاولات النظام جميعها فقد فشلت في التخريب سواء عن طريق اتّهام المتظاهرين بالحصول على أموال خارجية، أو جرهم إلى التسليح، وهذه الطرق في الحقيقة مكشوفة ومعروفة لدى الجميع، كما لجأ النظام إلى التشويه الإعلامي عن طريق مأجورين مثل “رفيق لطف” الذي وجّه الاتهامات لبعض الناشطين على قناته على “يوتيوب” وبث الأكاذيب حول الحراك ونزاهته، صحيح أن هذا ترك أثراً ولكنه لم يمنع أحداً من الاستمرار في التظاهر حتى من وُجهت لهم الاتهامات، وزاد إصرار الجميع على سلمية الحراك.

بالنسبة لأحداث غزّة، حاول النظام استغلالها وإظهار نفسه كنصير للشعب الفلسطيني، عن طريق تنظيم مسيرات احتجاجية ولكنه فشل بذلك، أحداث غزة بالنسبة لنا مؤلمة جداً وكانت حاضرة في احتجاجاتنا، وقد خصّصنا أياماً في الساحة للتضامن مع أهلنا في غزة، نحن صوت المظلومين في كلّ مكان”.

وعن محاولات شقّ الصفّ حدثتنا أيضاً الناشطة “سلام نبواني”:

“استخدم النظام وسيلة التعتيم الإعلامي في حراك السويداء، لأنه لا يرغب بأي صوت مخالف لصوته على كامل الجغرافيا السورية وليس في السويداء فقط، كان النظام وحشياً في ردّه على الاحتجاجات في بقية المحافظات السورية، لكنه لم يستطع اتّباع نفس الأسلوب في السويداء، لأنه سيكسر الأسطورة التي اخترعها ونسبها لنفسه، حماية الأقليات التي يتبجّح بها دائماً، هو ليس حامياً للأقليات مطلقاً، لا في السويداء ولا في غيرها من المحافظات السورية، وهناك أدلة كثيرة على ذلك منذ بداية الحراك السوري في 2011.

لقد عمل في السويداء على تغذية نيران العقلية العائلية، واتهام المتظاهرين بالانفصالية وتأليب الآخرين ضدهم، وحتى اليوم نحن نتصدّى لمحاولاته البائسة لتخريب الحراك.

يسعى النظام إلى تشويه الحراك عبر أبواقه التي تكيل تهم الانفصالية وإنشاء دولة للدروز وغيرها، والمعركة القادمة ستكون مع هؤلاء، كل قارئ للواقع يقول إذا تم فعلاً تنفيذ مشروع تقسيم أو انفصال، فإنه سيكون قراراً دولياً وليس قراراً من الحراك، قد لا نستطيع منع مثل هذا المشروع لكننا سنقاومه مهما كلّف الأمر.

ما يحدث في السويداء حراك مدني بامتياز، يرفض العسكرة، ويرفض أي إدارة ذاتية للمنطقة، يخدم مشروع سورية واحدة خالية من جميع الاحتلالات.

الناشط “وحيد وافي” أيضاً يتحدث عن محاولات شقّ الصفّ:

“نشأت مجموعة من التشكيلات المعبّرة عن الحراك، الكتلة الوطنية، الهيئة السياسية، وتيار جديد باسم الحرية والتغيير، وهو يضم مجموعة كبيرة ومهمة من شباب ساحة الكرامة.

رغم وجود خلافات بين هذه التشكيلات وهو أمر طبيعي في ظل تعقيدات الوضع السوري عموماً، إلا أن جميع التشكيلات حريصة على عدم ظهورها في الساحة والجميع حريصون على التواجد الدائم واليومي في الساحة وترك الخلافات جانباً في الوقت الحالي.

حاول النظام أن يستغل الخلافات الموجودة بين هذه التشكيلات كي يحدث شرخاً بينها، لكن جميع محاولاته حتى الآن باءت بالفشل، إضافة إلى المحاولات بإضافة طابع المحلية على هذا الحراك، علماً أنه حراك سوري بامتياز بشعاراته ومطالبه ولافتاته.

تضامن المتظاهرون مع أهلنا في غزة بعد العدوان الإسرائيلي، وخصّصوا يوماً للحداد إجلالاً لأرواح ضحايا هذا العدوان، حتى إن بعض السيدات ارتدين اللباس الشعبي الفلسطيني تضامناً مع أهلنا في غزة.

بعد أحداث غزة أصبحت التغطية الإعلامية لحراك السويداء معدومة، ما أثر على نقل التطورات الحاصلة هناك، كنا نتمنى أن يتوسّع الحراك وتشارك به بقية المحافظات السورية، ولدينا عتب صغير على ذلك.

الحراك مازال مستمراً رغم كل محاولات تشويهه وإضعافه، ورغم الظروف الجوية ودخول فصل الشتاء إلا أن الجميع يصرون على التواجد في الساحة وعدم التراجع”.

حتى الآن ورغم كل المصاعب والتحديات، يصرُ المحتجون في السويداء على مطالبهم، ويؤكدون على سلمية الحراك واستمراره.

تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR” صحفيون من أجل حقوق الإنسان

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني