fbpx

ابتسم أيها الجنرال.. إعادة تعريف “رأس المال” درامياً

0 33

يلازم الحديث عن “رأس المال” الدراما التلفزيونية وصناعتها لا سيما بعد اقتحام التمويل الخاص المشهد الإنتاجي بشكل رفع متوسط عدد الأعمال المنتجة خلال العقد الأخير إلى نحو 100 عملٍ كلَّ عام، ويُحصر تناول رأس المال الدرامي عادة بالجانب المالي وأثره من دون الأخذ بعين الاعتبار مسائل مهمة أخرى أوضحتها تجربة “ابتسم أيها الجنرال”.

يمكن تعيين مصر بوصفها نقطة انطلاق الدراما العربية بعد بدء البث التلفزيوني المصري عام 1960، حيث نشأت خارج النظام السياسي وبالاشتباك معه، وتسود روايات شعبية كثيرة هناك عن مسلسل “هارب من الأيام” الذي حقّق شهرة واسعة، حيث كان مجلس الوزراء يجتمع بعد كل حلقة للبحث في دلالاتها وإسقاطاتها الراهنة على الرَّغم من أنَّ أحداث المسلسل تعود إلى زمن الحكم الملكي، وقد تعرَّض مؤلفه “فيصل ندا” للاعتقال واتُهم بالإشارة الضمنية إلى الرئيس جمال عبد الناصر، وذلك قبل إطلاق سراحه بفترة وجيزة.
لن يكون غريباً إذاً أن تكون نشأة الدراما العربية سياسية، وأن يكون هامش الحرية الذي عادةً ما يُقاس درامياً بالنص، رأس مالها الرئيس، وحاملها للنجاح في غياب صناعة احترافية، ومنذ ذلك الحين، شهدت الدراما العربية بنسخها الوطنية والقومية المختلفة طفرة كبيرة على مستوى الوعي والإيمان بأهميتها وقدرتها السحرية على ملامسة الشرائح المجتمعية المختلفة مقارنة بأدوات التأثير الاتصالي الأخرى.

ضمن هذا السياق، استثمرت الأنظمة العربية عبر مؤسساتها الحكومية أو الشركات الخاصة القريبة في هذه الصنعة الواعدة ووظّفتها بطرائق مباشرة وغير مباشرة في خدمة الترسيخ السلطوي، فهي إما أداة إشغال وترفيه بأشكال مختلفة كوميدية، تراجيدية، فنتازية، تاريخية وغيرها، أو أداة تبرير وتنفيس تلامس بسقوف مرتفعة مشكلات اجتماعية وسياسية تحمِّل الأنظمة القائمة مسؤولية وجودها واستمرارها من دون الإشارة بالبنان إلى النخبة الضيّقة أو ما يُعرف بالطغمة الحاكمة.

أكثر من ذلك، دخلت الدراما العربية في تشابكات العلاقات الدولية والصراعات الإقليمية حيث استثمرت في إعادة كتابة التاريخ وبناء السرديات والتأطير الإيديولوجي بما يتماشى مع التقلبات السياسية الكثيرة في المنطقة ومحاولات الهيمنة الناعمة على المجال العام العربي، باختصار شديد، لامست الدراما العربية في تمثلاتها المختلفة عدة جوانب من حياة المواطن العربي، وساهمت في رفع ذائقته الفنية مع وجود نجوم ارتقوا بأدائهم لا سيما بعد التطور المضطرد في عناصر الرؤية المشهدية والإخراجية والإبهار البصري إلى مستويات عالمية.

يمكن الإشارة هذا العام إلى مسلسل “الزند.. ذئب العاصي” كنموذج شارح للإبهار على المستوى الفني والإنتاجي، لكنَّ السؤال الإشكالي، وخارج إعجابنا بالطراز الهوليودي للمؤثرات البصرية والموسيقا الملحمية، هو هل سيحجز العمل حيّزاً في وعينا كما فعل “لعنة الطين” و”تخت شرقي”؟ أم سنتعايش معه مؤقتاً كامتداد لهيبات خمس – مسلسل الهيبة – دارت حكاياتها ضمن حبكة صعلوكية وروبينهودية -من روبن هود- تطبع المشاهد مع السلوكيات العصابية وتعيد تدوير سرديات تاريخية لم يعد لمرارتها طعم أمام علقم الواقع؟

الجواب قطعاً لا، والسبب حتماً يتعلق في أنَّ القيمة الاستخدامية لما أُنتج، ونقتبس هنا تعريفاً، رأس المال أكبر بكثير من قيمته التبادلية بشرطيها الرئيسين: المنفعة والندرة، بتفصيل أكثر، نسأل هنا عن المنفعة والندرة التي تقدمها مثل هذه الأعمال خارج إشباعنا مرحلياً بأداءٍ ومستوىً فنيين جيدين مقابل نصٍ وحبكة لا تعدو عن كونها حدوته قديمة، لها مشابهاتها الكثيرة في مخيلتنا من أيام عكاش الثريا ونصار الخوالي وإخوة التراب وليالي الصالحية وغيرها.
المصدر: تلفزيون سوريا

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني