fbpx

‎إيران ومصالحها.. وعود كاذبة بمساندة غزّة ومحاولةٌ في استثمار دماء أبنائها

0 653

‎إيران التي ادعت أن إسرائيل عدوة ويجب أن تزول من الخارطة العالمية، حاولت بذلك أن تُظهر نفسها فلسطينية أكثر من الفلسطينيين، كانت تبتغي الإمساك بورقة الصراع الفلسطيني مع إسرائيل، لتوظيفها في شرعنة وجودها في الدول العربية في الشرق الأوسط، فهي تريد أن تكون لاعباً رئيسياً في شؤون هذه المنطقة وسياساتها.

‎إيران التي سرق الخميني ثورتها الديمقراطية ضد حكومة الشاه عام 1979، طرحت منذ البدء أهدافها السياسية الإقليمية، وتمثّلت آنذاك بشعارها الرئيسي “تصدير الثورة” إلى البلدان العربية، معتمدة على الطائفة الشيعية فيها، ما خلق صراعات في مجتمعات هذه البلدان، تصبّ نتائجها لصالح الهدف الإيراني الأهم (دولة إيران الكبرى).

‎هذه السياسة منذ ذلك التاريخ لم تتغير، فإيران تدرك أن عدم قدرتها على فرض نفوذها إقليمياً سيجعل مشروعها غير قابل للتنفيذ، وهذا ما دفعها عبر شخصية قاسم سليماني مؤسس فيلق القدس، إلى الانخراط بالقضية الفلسطينية، والبحث عن مواقع ارتكاز لها في هذا المجال، ولذلك أنشأت ما سُمي بـ “حزب الله” بحجة طرد إسرائيل من الجنوب اللبناني، ثم تحرير فلسطين وبيت المقدس.

‎الملاحظ في الأمر أن إيران لعبت دوراً خطيراً ضد استقرار البلدان العربية التي تشكل الطائفة الشيعية فيها أحد مكوناتها، هذا ما جرى في العراق، حيث استخدمت الطائفية في محاربة وإضعاف حكومة صدّام حسين آنذاك، والذي كان في حربٍ مع مشروعها “تصدير الثورة”، حيث دعمت قوى عراقية شيعية خدمة لهذا الهدف مثل جماعة باقر الحكيم، وجماعة مقتدى الصدر، وتشكيل حزب موالٍ لها أسمته (حزب الدعوة).

‎في اليمن دعمت إيران الجماعة “الزيدية”، وهم ليسوا شيعة فعلياً، ولكن زعيمهم عبد الملك الحوثي انحاز لصالح مشروع إيران ليقوي نفوذه السياسي في بلاده، رغم أن ذلك أضرّ بوحدة اليمن الوطنية، وفتح حرباً دمّرت اليمن وانتقلت شراراتها إلى السعودية، والتي يعتبرها حكام طهران الهدف الأساس، لأنها تشرف على رمز الإسلام الرئيسي “الكعبة” وقبر النبي محمد صلى الله عليه وسلّم.

‎ في سورية كان الأمر أسهل من ذلك بكثير، إذ ارتكز نفوذ الإيرانيين على نظام حافظ الأسد، انطلاقاً من علويته، التي ادعى أنها تنتمي للشيعة الجعفرية، وقد انحاز النظام الأسدي آنذاك لصالح إيران ضد العراق.

‎هذه الأوضاع، ومع وجود تناقضات في سياسات الدول العربية، التي كانت ذات أبعاد إقليمية، أكثر منها عربية، سمحت لإيران بمدّ نفوذها في العالم العربي، إذ إن العقلية الإقليمية منعت العرب من وضع برنامجٍ تكاملي يخصّ التنمية الاقتصادية العربية أولاً، ثم التنمية العربية الشاملة.

‎وعلى هذه القاعدة، وما تشكّله (الحركة الإسلامية حماس وحركة الجهاد الإسلامية) من دور تجاوز حركة فتح، التي كان يتزعمها الرئيس الفلسطيني السابق ياسر عرفات، وتخوف الأنظمة العربية من الإسلام السياسي العربي عموماً، ومن الإسلام السياسي الفلسطيني الذي تمثله هاتان الحركتان، فإن دول الخليج العربية وقفت ضد أن يحلّ الإسلام السياسي الفلسطيني محل قيادة فتح، ويقف خلف ذلك خوف هذه البلدان من الراديكالية الفلسطينية، التي ستحرجهم أمام شعوبهم وتظهرهم بمظهر المفرّط بقضية الأمة الرئيسية (القضية الفلسطينية).

‎من هذا التناقض والخطأ العربي، تسللت إيران إلى هاتين الحركتين، المحتاجتين للمساعدة والدعم، للاستمرار ببرنامجها التحرري والسياسي، وهو أمر خطير، إذ وضعت هاتان الحركتان الورقة الفلسطينية بيد إيران، والتي ستستخدمها بما يخدم مشروع هيمنتها الكبير في السيطرة على البلدان العربية والمنطقة.

‎الحركتان (حماس والجهاد) أرادتا بعملية طوفان الأقصى أن تُجبر إسرائيل على تقديم تنازلات سياسية بخصوص قضية الأسرى في معتقلاتها، وبشأن رفع الحصار عن قطاع غزّة، ما يزيد من رصيدهما فلسطينياً في ظل ترهل حكومة العجوز محمود عباس، الذي يردد أن كفاح الفلسطينيين لاستعادة أرضهم سيكون بالكفاح السلمي فقط.

‎حركة حماس وعبر ممثلها في لبنان قالت بالحرف الواحد: إيران وحزب الله اللبناني خططا معنا وقررا دعمنا ومشاركتنا في عملية طوفان الأقصى وجبهات أخرى يفتحانها، ولكن خُذلنا منهما، فهما نأتا بنفسيهما عن مواجهة إسرائيل، وهو ما جعل الأخيرة تستفرد بغزّة لتدميرها، وتنفيذ مخططها بترحيل الغزاويين من أرضهم إلى سيناء في مصر، أو إلى صحراء النقب.

‎إيران وحزب الله لم يشاركا عسكرياً في طوفان الأقصى، والسبب في ذلك هي رغبة إيران في حصد نتائج هذه الحرب لصالح نفوذها الإقليمي، ولصالح لعبهم الدور الرئيس في إدارة الحلول السياسية لصراعات المنطقة.

‎إيران تريد عرقلة التطبيع بين السعودية وإسرائيل، فهي تخاف من هذا التطبيع، الذي ترى فيه استهدافاً لقوتها المتنامية ولمشروعها في الهيمنة على منطقة الشرق العربي، للفوز بأمرين اثنين، الأول وضع السعودية تحت جناحها، وإخضاع سياستها بما يخدم نسبياً المصالح الإيرانية، والثاني، يتعلق بتحقيق حلمها بطريق الحرير الجديد، الذي استثمرت فيه في حرب سورية الداخلية ضد نظام أسد، وكذلك في دعم كبير جداً لحزب الله اللبناني من أجل السيطرة على السواحل اللبنانية خدمة لذلك المشروع.

‎إيران تناور مع الغرب على أنها الأكفأ بإدارة شؤون المنطقة وحماية مصالح الغرب، حكومة بايدن التي تلهث وراء إنجاز الاتفاق النووي، تعتقد أن إيران يمكن أن تقبل وفق سياسات الضغوط الاقتصادية والحصار الاقتصادي بإنجاز هذا الاتفاق، وهذا وهم، إذ إن إيران تحتاج للوقت لإنجاز قنبلتها النووية الأولى من خلال كسب الوقت ووضع العراقيل والتسويف.

‎السياسة الإيرانية المراوغة والكاذبة، تريد أن تكون الرابح الأكبر في تشابك الصراعات في فلسطين أو المنطقة العربية، والغرب هو الآخر يحاول كبح جماح إيران التوسعي والنووي من خلال سياسات الضغوط التي لا تخدم أهدافهم.

‎العرب، الذين لم يستيقظوا بعد على وضع برنامج التنمية الاقتصادية العربية الفعّالة موضع التنفيذ، سيخسرون كثيراً نتيجة غياب هذا البرنامج الهام، وبالتالي سيصيرون تُبّعاً لإيران الكبرى.

‎الرابح الوحيد في هذه الصراعات المتشابكة هم الإيرانيون الذين يجيدون استخدام كل أوراق قوتهم من أجل تحقيق حلمهم بإيران الكبرى.

‎فهل سيستيقظ العرب وتحديداً السعوديون والمصريون على هذه الحقيقة، وهل سينهون بذلك خطر إيران على وجودهم ومستقبلهم، من خلال مشروع تنمية بلادهم، وتذويب تناقضاتهم، وخلافاتهم الجانبية.

‎أسئلة برسم بلدان العرب في الشرق الأوسط.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني