fbpx

إذا تهدد الهلال الشيعي يظهر داعش، لماذا ظهر داعش في الحسكة الآن؟

0 484

لا أريد الخوض في قضية جدلية من صنع داعش ومن يوجهه، ومن يستفيد منه، بل سأنطلق من كون داعش منظمة إرهابية تعمل بوحي استخبارات إقليمية أو دولية لتنفيذ مخططات قذرة تخدم مصالح تلك الجهات،

وأنا أرى أن المستفيد الأول من شرور داعش هو نظام الملالي في طهران، استناداً إلى خبرتنا ومتابعتنا لظاهرة داعش،

بالتأكيد سعى الحرس الثوري الإيراني إلى استغلال ظواهر التطرف السنية، وعمل على تحويل عداوة الخطاب الجهادي السني إلى أعمال ملموسة، وساهم أو استفاد من ضربات الحادي عشر من أيلول 2001 التي قامت بها القاعدة (التي كانت ولا زالت تتمتع بأفضل العلاقات مع نظام الملالي)،

استفاد نظام الملالي بتقديم الجهاد السني العالمي كعدو أول لأمريكا والغرب عموماً، وتقديم نفسه على أنه العدو النوعي لذلك التطرف بضرورة الاعتماد على تطرفه الجهادي الشيعي لقتال التطرف السني، وهذا ما حصل على الأرض حيث حصل تلاق غير معلن، ولكنه واقعي وعلى الأرض، تجسد هذا التلاقي أو التخادم الأمريكي/الإيراني بإزاحة عدوين مهمين للنظام الإيراني بحجة رعاية الارهاب السني العالمي، وتم احتلال أفغانستان وتحطيم طالبان شرق إيران ثم الإجهاز على العدو الأول لنظام الملالي نظام حكم الرئيس الراحل صدام حسين وتحطيم العراق،

وخوفا من امتداد المشروع الأمريكي بتغيير الأنظمة الحاضنة للإرهاب، وخشية أن يأتي الدور على إيران نفسها ونظام الأسد في سورية، سعى قاسم سليماني الذي تولى قيادة فيلق القدس (الذراع الخارجية الضاربة للحرس الثوري) عام 1999، الى التضييق ومحاربة كل اشكال المقاومة العراقية للاحتلال العراقي ودعم تنظيم القاعدة للتغول على كل المقاومات السنية الأخرى واستئثاره بالصدارة، كان التمويل والدعم اللوجستي يقدم للقاعدة في العراق ويقوم النظام السوري باستجلاب الارهابيين العالميين وتسهيل دخولهم للعراق، الى ان فشل الغزو الأمريكي للعراق فشلا ذريعا ونجى النظامان السوري والإيراني من العقاب وتم تجسيد أن الارهاب السني العالمي منظمة القاعدة (وهي أم تنظيم داعش) هي العدو الأول للغرب الصليبي.

وليس ببعيد، في عام 2012 وعام 2013 حصلت الاعتصامات السنية الكبرى، تلك الاعتصامات المدنية المطالبة بتغيير نهج النظام الطائفي في بغداد الموالي لإيران، قام نوري المالكي بإطلاق سراح المئات من قيادات تنظيم داعش بعملية هروب مريبة من سجني أبو غريب وبوكا، ولم يلبث أولئك القادة أن أعادوا تنظيم أنفسهم وتمت عملية تسليم الموصل والوسط العراقي السني كاملاً لهم، وانهيار أربعة فرق للجيش العراقي واغتنام أسلحتها من قبل مئات فقط من أفراد ما أصبح يعرف بداعش.

هنا كان نوري المالكي قد جهز آلاف المقاتلين الشيعة، وهم الآن الحشد الشعبي، وتم مأسسة الحشد واعتباره أحد مؤسسات الدولة العراقية الأمنية والعسكرية، وجرى التحالف الشهير بين الولايات المتحدة وما تيسر لها من الدول، الذي لازال قائماً حتى الآن تحت مسمى التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، المؤلف من أكثر من 60 دولة بقيادة أمريكية، فكان هو القوة الجوية والاستخبارية واللوجستية وكان الحشد الشيعي العراقي القوة الأرضية، فتم تدمير مدن السنة المنتفضة في وجه الحكم الطائفي في بغداد واحتلالها، وتم تحويل العرب السنة في العراق إلى هنود حمر، وتم احتلال كامل العراق من قوات موالية للحرس الثوري الإيراني (عدا إقليم كردستان طبعاً)، وبالتالي تسنى لإيران ربط العراق بمحور إيران الإقليمي الممتد للبحر الأبيض المتوسط.

حدث نفس الأمر في سورية، فعندما أدرك النظام السوري وحليفه الإيراني أن الثورة الشعبية المدنية وبعض إفرازاتها العسكرية الثورية على الارض تشكل خطراً حقيقياً على النظام، وازدياد التعاطف أو التأييد الدولي لقضية الشعب السوري المطالب بالحرية والكرامة، لجأ النظام السوري إلى أوراقه الاستراتيجية التي يحتفظ بها لتلك الملمات، فأصدر عدة قوانين للإفراج عن المعتقلين.

لم يخرج منهم فعلياً إلا المعتقلين بقضايا جهادية، الذين سرعان ما شكل بعضهم تنظيماتهم العسكرية بعد شهر من الإفراج عنهم، وقدم لهم كل سبل الدعم، فأضحى المشهد المهيمن على الثورة السورية مظهراً جهادياً أسود لا علاقة له بالشعب السوري أو مطالبه التي انتفض لأجلها، وحصلت الواقعة التي لا مجال لبحثها هنا، ولكن للتأكيد على أن الإرهاب الذي نراه الآن وما يمكن أن نراه مستقبلاً هو صنيعة أو بتحريض من نظام الملالي الإيراني أو أحد أذرعه كنظام الأسد.

لماذا ظهر داعش الآن في الحسكة؟

لو كان التنظيم ظهر في إحدى خلاياه النائمة، لاغتيال مسؤول من قسد أو تفجير مفخخة أو السيطرة على مركز أمني ناء لساعات ثم الانسحاب، لكان ذلك أمراً مبرراً بل عادياً، نظراً لحالة الضعف والفساد والاختراق التي تميز تنظيم قسد، أما أن يقوم التنظيم بعملية عسكرية معقدة تحتاج لقوات كبيرة نسبياً على الأرض، وأسلحة وتجهيزات ويهاجم أهم سجن لعناصر التنظيم ويحتله ويقتل كل حراس السجن، ويتحصن به ويطلق سراح المحتجزين ويبقى محتفظاً بمواقعه في قلب مدينة الحسكة لليوم السادس على التوالي، رغم تدخل الطيران الأمريكي المروحي والحربي، فإنه لأمر يدعو للتساؤل، من هو صاحب المصلحة الحقيقية بهذا؟.

تعاني مناطق النفوذ الإيرانية في الدول الأربعة من مشاكل حقيقية تهدد بنسف التجربة الإيرانية كلها، التي تحققت بشكل شبه كامل بعد توقيع الاتفاق النووي العام 2015.

من المرجح التوصل لاتفاق نووي مؤقت أو دائم مع المجموعة الغربية في فيينا حسب ما يقال قبل عيد رأس السنة الفارسية في 21 آذار القادم.

لكن يبدو وهو ما ظهر جلياً على الأرض، إدراك القوى الإقليمية لخطورة الرغبة الأمريكية بإنجاز الاتفاق، بأهمية أخذ زمام المبادرة دون الرجوع أو الاتكال على القوة الأمريكية لمجابهة الهلال الشيعي الإيراني، فذابت كل الخلافات خلال العام الأول من عمر الإدارة الأمريكية وحدثت مصالحات تاريخية عربية – عربية وعربية – تركية، والتئم شمل مجلس التعاون الخليجي، ورص صفوفه وبدأت علائم الانهيار تظهر في المشروع الإيراني، وتمثلت بـ:

1- في العراق، خسرت الواجهات السياسية للميليشيا العراقية الانتخابات البرلمانية خسارة مدوية، بشكل يمثل رفضاً شيعيا شعبياً للمشروع الإيراني، وتهديداً خطيراً بشق ما يسمى البيت الشيعي، عبر إصرار التيار الصدري على استبعاد الميليشيات التابعة لإيران من الحكم والحكومة والتحالف مع ممثلي الأكراد والسنة (الذي ساهمت الجهود التركية والسعودية والإماراتية بإنضاج التحالف بينهم).

2- في اليمن، منيت ميليشيات الحوثي بهزائم كبيرة على جبهة شبوة ومأرب وتم قتل قائد العمليات حسن إيرلو الإيراني، ويشن التحالف العربي هجوماً معاكساً على مختلف الجبهات اليمنية، والميليشيا الحوثية في حالة من التدهور والضياع بسبب الخسائر البشرية والمادية الكبيرة التي خلفها فشلها في احتلال مأرب.

3- في لبنان يحمّل كل الشعب اللبناني حزب الله الممسك بالقرار السياسي والأمني والاقتصادي ما آلت اليه حال البلد، وهو مرشح لخسارة الانتخابات المقبلة المزمع إجراؤها في منتصف أيار القادم كتكرار للسيناريو العراقي.

4- في سورية، أوقفت المملكة العربية السعودية وقطر كل محاولات التطبيع مع النظام السوري، إضافة للمواقف الأوربية والأمريكية الأخيرة غير الراغبة بأي شكل من أشكال التطبيع، وبالتالي انهيار النظام السوري مالياً واقتصادياً وانتفاض حواصن النظام الصلبة عليه بات أمراً وشيكاً، وعدم قدرة إيران وروسيا على إنقاذ النظام من ضائقته أو التخفيف منها.

إزاء هذا المشهد المربك للقيادة الإيرانية، التي تعاني من مشاكل داخلية جمة، اقتصادية وعرقية ومعيشية، التي زادت مؤخراً بفعل الحرب السيبرانية الإسرائيلية التي إنجزت العديد من الحرائق والانفجارات والأضرار، بشكل تم تقديره إن كان عدد وشدة ونوعية الهجمات الاسرائيلية (سيبرانياً أم عادياً) زادت في النصف الأول من الشهر الحالي عما تم تسجيله خلال عامي 2020 و2021.

قصف الحرس الثوري قاعدة بعشيقة التركية ومطار أبو ظبي كاعتراض على الجهد الإقليمي المعادي لهم وعلى المساس بالعملية السياسية الجارية بالعراق منذ 2003.

بدأت خلايا داعش بالظهور في العراق بعيد خسارة الحشد الشعبي للانتخابات حيث تم عمل مجازر متنقلة من نهر الإمام، لجبلة، وكانت آخرها في العظيم على أبواب بغداد الشمالية، التي تزامنت مع ظهور داعش في الحسكة، في مشهد يهدد بإشعال المنطقة كلها والدخول في مفاوضات إقليمية 5+1 تحت عنوان تفضله إيران هو فوضى+ تفاوض للوصول لغاياتها.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني