fbpx

إدلب وتحضيرات المعركة التركية-الروسية المنتظرة

0 131

فيما تتجه أنظار جميع المراقبين ووسائل الإعلام إلى الساحة الليبية، ترقباً للحظة بدء معركة عسكرية بين الجيشين المصري والتركي، يُحرض عليها بعضهم سياسياً، ويدفع إليها إعلام مأجور، تتم في هدوء تام، وبعيداً عن الأعين عملية إمدادات عسكرية تركية مكثفة، لكن ليس إلى حيث يتوقع الجميع نشوب الحرب في أية لحظة، وإنما إلى مناطق الشمال السوري، إذ شهد الخط الحدودي الفاصل بين الدولتين عبور أرتال عسكرية تضم دبابات وآليات ثقيلة ومدرعات وناقلات جنود، بالإضافة إلى شاحنات مُحمّلة بكتل خرسانية، تم الدفع بها إلى مناطق خفض التصعيد في إدلب شمال غرب سوريا خلال الأشهر الثلاثة الماضية.

ورغم أن بعضهم اعتبرها مجرد تعزيزات تركية روتينية لدعم نقاط مراقبتها وقواعدها العسكرية هناك كما جرت عليه العادة، إلا أن كثافة تلك الأرتال التي دفعت بها رئاسة الأركان التركية إلى مناطق خفض التصعيد في إدلب تحديداً، بداية الشهر الجاري، والتي وصلت أعدادها إلى 14 رتلاً، وسبقتها تعزيزات أخرى لنفس المنطقة خلال شهر يونيو/حزيران الماضي بلغت 21 رتلاً عسكرياً، فيما تم الدفع بـ 14 رتلاً عسكرياً خلال أيار/مايو الماضي، حيث تم نقل دبابات من طراز “أتيلجان” وعربات مدرعة، ومدافع ميدانية ثقيلة، ومنظومات مضادة للطائرات من طراز “ميم 23” وذلك بعد أيام قليلة من نشر منظومات مضادة للطائرات متوسطة المدى من طراز “هوك” في معسكر المسطومة ومطار تفتناز وتل النبي أيوب. 

إلى جانب إنشاء 9 نقاط عسكرية جديدة خلال شهر حزيران/يونيو، ليصل عدد نقاط المراقبة والقواعد العسكرية التركية في منطقة إدلب إلى 65 نقطة. 

كثافة التعزيزات العسكرية التركية في إدلب تشير إلى أن معركة تكسير العظام التركية/الروسية، لن تكون على الساحة الليبية، وإنما ستنطلق شرارتها من الأراضي السورية. معركة توقعها الكثيرون قياساً إلى حجم الخلافات التاريخية بين البلدين واختلاف طبيعة نظاميهما، وأرجأت وقوعها أكثر من مرة المصالح المشتركة التي أصبحت تحكم العلاقات بين أنقرة وموسكو. 

لكن اقتراب تغيير نظام الحكم في سوريا بعد أن أوشكت شمس نظام بشار الأسد على الغروب، وإعادة رسم خريطة الامتيازات الإقليمية فيها، وسعي كل طرف من أطراف النزاع لتثبيت أقدامه على الأرض، والتأكيد على مكتسباته، سيعجل كما هو واضح ببدء المعركة التي يرى كثير من المراقبين أنها تأخرت كثيراً.

يعضد هذا الاحتمال القصف المدفعي الذي شنته منذ أيام قليلة قوات الأسد وروسيا وإيران، وطال أكثر من 22 بلدة في محافظتي إدلب واللاذقية، ما أسفر عن مقتل عدد من الأشخاص وجرح وإصابة آخرين، وهو ما دعا الأمم المتحدة إلى حث جميع الأطراف الفاعلة في الملف السوري، ومن لهم تأثير على تلك الأطراف إلى ضمان حماية المدنيين والبنية التحتية للمدينة، والالتزام ببنود القانون الدولي والإنساني، معربة عن قلقها الشديد حيال أمن وسلامة أكثر من أربعة ملايين مدني يقيمون في شمال غرب سوريا. 

الهجمات الجديدة التي استهدفت مناطق خفض التصعيد، قامت بها مقاتلات روسية، مخالفة نصوص اتفاق وقف إطلاق النار في إدلب، الذي تم التوصل إليه في الخامس من آذار/مارس الماضي بين الرئيسين التركي والروسي. 

وللحقيقة فإن هذه ليست المرة الأولى التي تخالف فيها روسيا اتفاق وقف إطلاق النار المشار إليه، حيث رصد مركز إدلب الإعلامي قصفاً صاروخياً محملاً بقنابل عنقودية استهدف قرى وبلدات ريف إدلب الجنوبي، إلى جانب 13 غارة جوية تم خلالها إلقاء 17 صاروخاً من راجمات أرضية، وذلك في أعقاب إصابة ثلاثة جنود روس إثر انفجار استهدف دورية عسكرية/تركية قرب مدينة أريحا، تبنته كتائب “خطاب الشيشاني”!!. 

بينما وثق فريق “منسقو استجابة سوريا” أكثر من 23 خرقاً لوقف إطلاق النار من جانب الطيران الروسي مستهدفاً بالطائرات الحربية الأراضي التي يقطنها مدنيون، وذلك خلال 24 ساعة فقط.

تكثيف العمليات العسكرية الروسية على خلفية استهداف الدورية المشتركة الذي وقع مؤخراً، أثار الكثير من الشكوك حول الجهة الفعلية التي تقف وراء تلك العملية، خصوصاً وأن ذلك الاستهداف يصب فقط في مصلحة النظام والميلشيات الإيرانية، لضرب الاتفاق الروسي/التركي من جهة، ويفتح المجال رحباً أمام التحركات العسكرية الروسية التي كبّلها اتفاق وقف إطلاق النار من الجهة الأخرى. 

وهو ما يعضد بقوة ما ذهب إليه بعضهم من اتهام كل من الاستخبارات الإيرانية والروسية والنظام السوري بالوقوف خلف تلك العملية، لدعم محاولات النظام وإيران الانتقام من المعارضة، ولمنح روسيا تبريراً منطقيا لخرقها اتفاق وقف إطلاق النار، ولما تنوي القيام به من عمليات عسكرية مكثفة في المنطقة خلال الفترة المقبلة، مع ضمان حيادية القوات التركية الموجودة هناك، خصوصاً وأن روسيا دأبت مؤخراً على خلق حجج واهية وذرائع كاذبة لتبرير اعتداءاتها على الأراضي المحررة. 

التحركات العسكرية التركية، والدفع بعشرات الأرتال المحملة بالعديد من الأسلحة والصواريخ ومضادات الطائرات، والتي بلغ عددها حتى تاريخ كتابة هذا المقال 4705 آلية، و11.500 ألف جندي تم نشرهم في إدلب وحلب، و8040 شاحنة قامت بنقل دبابات وناقلات جند ومدرعات وكبائن متنقلة للحراسة مضادة للرصاص، ورادارات،  أكدت أن تركيا تدرك جيداً نوايا روسيا العسكرية تجاه إدلب، وأن اتفاق وقف إطلاق النار هو في نهاية المطاف اتفاق وقتي يستلزم منها الاستعداد للمرحلة اللاحقة له، كما أنها تدرك الأسباب الخفية للأكاذيب الروسية كافة التي تحاول تسويقها منذ فترة لتبرير ما تنوي القيام به، مثل مسألة الاستفزاز الكيماوي واستهداف قاعدة حميميم بالمسيرات، اللتين روج لهما الإعلام الروسي. 

جميع تلك التطورات تنبئ بوقوع معركة شرسة بين القوات التركية من جهة والقوات الروسية تساندها قوات الأسد من جهة أخرى، رغم التحذيرات التي صدرت من جانب الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية بشأن التداعيات السلبية لذلك على المدنيين، وما سيخلفه ذلك من موجات نزوح جديدة تزيد من حجم معاناة المدنيين في الشمال السوري، خصوصاً وأن المنطقة تفتقر إلى الإمكانيات الاقتصادية والخدمية التي تسمح لها باستيعاب لاجئين جدد، إلى جانب الصعوبة التي تواجهها والمتمثلة في الانتشار السريع لفيروس كورونا بين سكان المخيمات، مع الغياب شبه التام والنقص الحاد في الإمكانيات الطبية والعلاجية.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني