fbpx

أهمية تركيا في إعاقة طريق الحرير الصيني البري من آسيا الوسطى إلى سورية

0 403

الشعوب التركية هي شعوب أوروآسيوية تقيم في شمال ووسط وغرب آسيا، وتتحدث مجموعة لغات تنتمي لعائلة اللغة التركية، وتشترك فيما بينها بسمات ثقافية وتاريخية ودينية، وتوجد بأغلبيتها في ستة دول، هي تركيا وكازاخستان وقيرغيزستان وتركمانستان وأوزبكستان وأذربيجان. بالإضافة إلى تشكيها أقليات مهمة في كل من إيران وروسيا وشبه جزيرة القرم وتركستان الشرقية ضمن الصين بما يعرف بإقليم شينجيانغ.

ويقدر عدد أفراد الشعوب التركية بـ 200 مليون نسمة يوجد أكثر من 60 مليون في تركيا.

تمارس الدولة التركية دوراً ريادياً وأحياناً كثيرة، قيادياً، فبالإضافة إلى الروابط الثقافية والإثنية والدينية، تمارس أنقرة نشاطات عديدة، فهناك الاستثمارات التجارية العملاقة ومشروعات الطاقة الى جانب الجامعات والمدارس الدينية والمؤسسات الثقافية والخدمية.

أصبحت مظاهر القوة الناعمة التركية واضحة في تلك الدول، مع رغبة مشتركة من أنقرة وبقية العواصم واضحة في تعزيز ذلك الحضور التركي ببصمات سياسية ودبلوماسية وعسكرية في المستقبل.

تطمح أنقرة أن تكون لاعباً مؤثراً في تلك المنطقة (وقد بدأت بالفعل)، حيث تملك المنطقة ناتج محلي مشترك يقرب من تريليوني دولار ويقودها زعماء وطنيون راغبون في الانعتاق من الجلد السوفييتي العتيق، والهيمنة الروسية التي تعيق أي تقدم نحو انتهاج سياسات اقتصادية حديثة متحررة، إضافة إلى الرغبة بإنشاء هويات وطنية مستقلة ضمن الفضاء التركي الواسع.

لم يقتصر الدور التركي على الروابط الاقتصادية والثقافية، بل تعدى ذلك إلى أدوار عسكرية وأمنية وسياسية، حيث تدرب تركيا مئات الأفراد العسكريين من جمهوريات آسيا الوسطى عبر برامج دفاعية ثنائية، وتقدم التدريب الأمني والمساعدات العسكرية وتنشط بفاعلية ضمن خطط العديد من دول المنطقة في تحديث جيوشها.

وكانت الترجمة العملية الأخيرة لكل تلك الجهود تتمثل بدور أنقرة الواضح في الدعم العسكري المباشر الذي تلقته جمهورية أذربيجان في حربها مع أرمينيا، والتي استطاعت بفضل المساعدة التركية من تحرير معظم أراضيها المحتلة في إقليم ناغورني كاراباخ.

الاستراتيجية الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية

 خرجت أوربة من الحربين العالميتين بمائة مليون قتيل، وكان من نتائج الحرب العالمية الثانية خروج كل من شارك فيها مدمراً باستثناء الولايات المتحدة. وعشية تحطيم النازية بالشراكة مع الاتحاد السوفييتي ساد ارتباك مع العدو!.

لم يتأخر الرئيس السوفييتي جوزيف ستالين في تبديد الارتباك الأمريكي فقد أعلن في عيد العمال 1946 أن التحالف ضد النازية قد انتهى وأن العصر المقبل هو عصر الشيوعية العالمية للقضاء على الرأسمالية التي كانت السبب المباشر للمآسي العالمية الكبرى بنشوب حروب السيطرة الاستعمارية على العالم.

ساد العالم نوع جديد من الحروب عرف باسم الحرب الباردة انتهت بسقوط الاتحاد السوفييتي وتفكيكه وسقوط جدار برلين الذي كان يرمز لتلك الحرب.

ساد ارتباك أمريكي آخر من عام 1991 لغاية عام 2001، من العدو الآن؟؟، ودخلت الولايات المتحدة في غفوة استراتيجية لعقد كامل.

حدثت هجمات 11 أيلول الشهيرة، وأجابت تلك الهجمات على التساؤلات الامريكية حيث تم اعتماد الجهاد السني العالمي هو العدو الاستراتيجي.

تم شن حربين على العدو الشبحي المفترض كانت نتيجته احتلال افغانستان وإسقاط حركة طالبان، واحتلال العراق وإسقاط نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين.

استغل عدوان تقليديان للولايات المتحدة انشغالها، حتى نهاية الفترة الثانية من ولاية الرئيس أوباما، فحققت الصين صعودها الأسطوري إلى قمة القوى العالمية، وباتت تشكل تهديداً حقيقياً وجدياً على الهيمنة الأمريكية ونظامها الدولي على العالم، في ذات الوقت كانت روسيا البوتينية تتعافى من أسقامها وأنجزت حربين ناجحتين في جورجيا وأوكرانيا.

مبادرة الحزام والطريق الصينية

أطلقت الصين رسمياً تلك المبادرة في خريف عام 2013 وضمنتها بدستورها بعام 2017، وأصبحت خطة الدولة الصينية وليس اجتهاداً سياسياً كان وليد ظروف مرحلية ممكن أن تتبدل.

تسعى المبادرة لإطلاق الطرق التجارية من بكين إلى العالم وبالعكس من العالم لبكين.

يرى غالبية المتابعين للمبادرة الصينية أنها نتيجة طبيعية للنمو الاقتصادي الهائل الذي حققته الصين وسعيها للسيطرة على العالم اقتصادياً ومن ثم سياسياً وعسكرياً ومحاولة إزاحتها للولايات المتحدة التي تتربع على عرش النظام الدولي بعد وراثة بريطانية العظمى نهاية الحرب العالمية الثانية.

يمتد الطريق البري من الصين إلى آسيا الوسطى والشرق الأوسط وصولاً إلى أوربة (وهو طريق الحرير القديم)، ويشمل الطريق البحري ربط موانئ الصين مع القارات الثلاث آسيا وأفريقيا وأوربة.

وتعتمد الصين لإنجاح مبادرتها على القوة الناعمة، حيث تركز على مشاريع البنية التحتية اللازمة لسهولة بلوغ البضائع الصينية إلى غاياتها، لذلك تعتمد على الاستثمار في الطرق والجسور والأنفاق والموانئ البحرية.

أصبحت الدول التي أبدت رغبتها أن تكون جزءاً من المبادرة 72 دولة، 56 دولة في القارات الثلاث تنفذ مشاريع تخدم المبادرة الصينية تقدر بـ 27 ألف مشروع.

تقوم البنوك الحكومية الصينية بإقراض الدول للمال اللازم وفق شروط تضمن تلك الأموال، يرى خبراء ماليون أنها أقسى بكثير من شروط صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي. وقد فاق حجم القروض الصينية للدول المستفيدة من مبادرة الحزام والطريق حجم قروض تلك المؤسسات المالية الدولية مجتمعة.

تعمل الصين على تنفيذ تلك المشروعات بشركاتها وخبرائها وعمالة الدول المستفيدة، وتحرص على استرداد الديون وفوائدها بمواعيدها وبكل صرامة، وإن عجزت تلك الدول عن السداد فتعمل الصين على شراء تلك الأصول أو استئجارها لـ 99 سنة، (حدث ذلك في سيريلانكا وأنغولا وكينيا وجيبوتي).

تعثّر الدول بسداد ديونها أو عدم الاستفادة من تلك المشاريع بالصورة التي تم تسويقها، يعزى إلى الفساد المالي الذي تنتهجه وتتبناه الدول المستفيدة في آسيا وأفريقيا، وتشجع الصين عمليات الفساد تلك للحصول على شروط عقدية أفضل مع تلك الدول.

تلقى المبادرة الصينية في الدول النامية قبولاً من القيادات السياسية والبنى التقليدية الحاكمة، لأنها تدخل بمشاريع اقتصادية تؤمن فرص عمل ومردوداً مادياً جيداً، ولا تتدخل كما تفعل أمريكا والغرب بقضايا داخلية كحقوق الإنسان والمرأة ومعايير التعبير بحرية الرأي أو ضرورة التحول نحو الديمقراطية.

وفي تصريح لصحيفة صينية عقب زيارة وزير الخارجية الصيني إلى دمشق مؤخراً، قال رئيس النظام السوري: إن حكومته قدمت ستة مشاريع لتطوير البنية التحتية السورية وعلى الصين اختيار ما يناسبها منها، وأعرب عن قبوله أن تكون سورية الواقعة على طريق الحرير القديم جزءاً من المبادرة الجديدة.

ما هي غاية الصين الحقيقية من مبادرة الحزام والطريق؟

تسعى الصين بمبادرتها إلى دفع الولايات المتحدة إلى ما قبل عام 1914، بمعنى إرجاعها إلى داخل حدودها وتحويل العالم إلى جزئين من اليابسة، قارة أوروآسيوية أفريقية تدار من بكين وتهيمن بها الصين على قارات العالم القديم والقارة الأمريكية (العالم الجديد) بقيادة الولايات المتحدة ويفصل الجزيرتين العالميتين المحيط الأطلسي والمحيط الهادي.

بذلك تكون الصين زعيمة النظام الدولي الجديد الذي تصوغه وتضع قواعده وفق إرادتها ورؤيتها، كل ذلك على أنقاض النظام الدولي الحالي الذي تقوده أمريكا وأوربة.

معضلة الصين أنها محاطة بدول جوار معادية لها، كالهند واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا وفيتنام والفليبين بالإضافة إلى تايوان.

أيضاً من الطريق البري روسيا عدوة تقليدية للهيمنة الصينية على العالم، لكن روسيا لا تملك أكثر من إعاقة الحركة الصينية وإن بدت معالم تعاون عسكري وطاقوي ضروري لاقتصاد البلدان.

ممر ملقة، هو مدخل بحر الصين الجنوبي والذي يبلغ طوله حوالي 1000 كم وهو الممر الذي تمر منه 80% من احتياجات الصين من النفط والأغذية وتخرج منه نفس النسبة من صادراتها.

هذا الممر الحيوي تسيطر عليه الولايات المتحدة مع مجموعة حلفائها المعادين للهيمنة الصينية، وتم انشاء تحالف “إيكوس” البحري مؤخراً بين أمريكا وأستراليا وبريطانيا، كنواة لحلف بحري سيتوسع قريباً بحيث يشكل تهديداً جدياً بخنق الصين. لذلك تسعى الصين قدر المستطاع للتقليل من فعاليته، بتفعيل الطرق البرية سواء من ناحية حركة شحن البضائع أو استيراد الطاقة من روسيا وآسيا الوسطى عبر الأنابيب.

طريق الحرير البري يمر حتماً من الجمهوريات الآسيوية الإسلامية التركية عبر الطرق السريعة أو طرق السكك الحديدية، مثلاً بتطوير أجزاء من هذا الطريق، أصبحت الرحلة البرية للقطار من الصين إلى إسبانيا (أبعد نقطة به) تستغرق 21 يوماً بعد أن كانت ضعف هذه المدة.

تملك تركيا أوراقا مهمة بوجه الصين في هذا المجال، وتسعى الولايات المتحدة للاستفادة منها بإعاقة الأحلام الصينية، أو لرغبة تركيا بلعب دور الصين نفسها ضمن محيطها الحيوي البالغ 200 مليون تركي وناتج 2 تريليون دولار، وتصدير مختلف البضائع والسلع إليها، خاصة أنه كما يرى بعضهم أن اتفاقيات التعاون والشراكة ذات البعد الاقتصادي ستتحول حتماً لما يشبه الحلف القوي بإنشاء جامعة الدول الناطقة بالتركية قريباً، والتي ستكون أنقرة مقرها وقائدتها.

تملك أنقرة ورقة مهمة في الضغط على الصين وهي ورقة مسلمي الإيغور في تركستان الشرقية والبالغ عددهم حوالي الـ 20 مليون ضمن مقاطعة حكم ذاتي بمحاذاة أفغانستان (الثقب الأسود الذي تركه الأمريكان بعد انسحابهم الهوليوودي منه).

طريق الحرير السورية ومدى أهميتها

يرى بعضهم أن مخططي الاستراتيجية التركية حريصون جداً على الوجود في شمالي العراق وسورية لأسباب جيوسياسة عدا الأسباب الأمنية، إذ إن أنابيب النفط والغاز المُخطط لها أن تنطلق من المنتجين ببحر قزوين إلى شواطئ المتوسط للتصدير، قد يتم استبعاد ميناء جيهان التركي منها وهذه الأنابيب طريقها الوحيد للبحر الأبيض المتوسط شمالي العراق وسورية.

أيضاً يرى بعضهم أن طريق الحرير الصيني الجنوبي الذي يصل إلى شواطئ المتوسط يدخل العراق قادماً من إيران ويتفرع ضمن العراق لطريقين، طريق شمالي يصل للموصل ويدخل الى سورية ويصبح هو طريق M4 الذي يعبر شرق الفرات وصولاً إلى سراقب ومنه الـ M4 الذي يعبر مناطق محافظة إدلب حتى اللاذقية والبحر المتوسط. طول طريق M4 الذي يعبر المناطق الخاضعة لفصائل الثورة السورية المتحالفة مع تركيا حوالي 100كم.

لذلك يرى بعضهم أن الصراع الحقيقي بين الروس والأتراك في سورية ليس على قرية هنا وتلة هناك، إنه صراع استراتيجي على طريق الـ M4 والطرق المستقبلية لأنابيب النفط والغاز الآسيوي.

ولاحظ أغلب المتابعين نشر تركيا لقوات عسكرية في جبل الزاوية ومحيطه، تشي بأنها لن تفرط بالسيطرة على هذا الممر.

ويرى بعضهم أن العملية العسكرية التركية، وإن تأخرت بفعل التجاذبات السياسية، فإنها قادمة ومن ضمن أهدافها السيطرة على أجزاء واسعة من الطريق السريع M4 شرقي الفرات.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني