أمريكا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا… “يجب محاسبة النظام السوري ومنع عودته إلى الساحة الدولية”
بمناسبة الذكرى الحادية عشرة لانطلاق الحراك الشعبي في سوريا، نظَّمت الشبكة السورية لحقوق الإنسان يوم الخميس 17 آذار 2022، فعالية تحت عنوان “البحث عن الأمان: التشريد القسري في النزاع السوري”، بمشاركة منظمات وشخصيات حقوقية وسياسية دولية، وذلك عبر منصة زوم وصفحات التواصل الاجتماعي.
ملايين السوريين المشردين بانتظار العودة إلى منازلهم
بدأت السيدة نعومي كيكولر، مديرة مركز سيمون سكجوت لمنع الإبادة الجماعية التابع لـمتحف الولايات المتحدة لإحياء ذكرى المحرقة، إدارة الجلسة بالتذكير باستمرار معاناة الملايين من الشعب السوري من الجرائم ضد الإنسانية على يد النظام السوري، وبدعم من حليفيه الروسي والإيراني.
وأشارت السيدة كيكولر إلى وجود أكثر من سبعة ملايين نازح داخلياً وأكثر من سبعة ملايين نازح خارج الحدود، بالإضافة إلى الكثير من المدنيين الذين لا يزالون يقبعون في السجون والمعتقلات، مؤكدة أن هذه الجرائم التي تقع أمام أعين وأسماع المجتمع الدولي، تشعرنا بالخجل والعار للإخفاق في إيقاف هذه الجرائم حتى الآن، وهذا أحد أهم أسباب عدم عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم”.
يجب محاسبة النظام السوري على جرائمه
تحدث السيد إيثان جولدريتش، نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى في وزارة الخارجية الأمريكية، في كلمته عن أهمية عمل منظمات المجتمع المدني، وخصوصاً الشبكة السورية لحقوق الإنسان في توثيق الانتهاكات المرتكبة في سوريا من أجل محاسبتهم جميعاً وأبرزهم النظام السوري.
وأشار السيد جولدريتش، إلى مرور 11 عاماً منذ خروج الشعب السوري في مظاهرات سلمية ضد نظام بشار الأسد للمطالبة بالحرية والإصلاح السياسي وإنهاء الانتهاكات لحقوق الإنسان، وكان الرد من قبل نظام الأسد بارتكاب جرائم فظيعة بعضها يرقى إلى جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب”.
وأكد السيد جولدريتش أنه يجب على النظام السوري وحليفيه الإيراني والروسي إيقاف العمليات العدائية ضد الشعب السوري التي تضمنَّت استهداف أماكن تجمع المدنيين والمدارس والمشافي التي كان بعضها مدرج ضمن الآلية الإنسانية لتجنب النزاع”.
وأضاف السيد جولدريتش: ” أن من أولويات إدارة بايدن تحقيق العدالة والمساءلة عن الجرائم المرتكبة ضد جميع السوريين، ويجب محاسبة مرتكبي هذه الانتهاكات”، مؤكداً أن الولايات المتحدة الأمريكية ستواصل استخدام العقوبات بما في ذلك قانون قيصر للضغط من أجل محاسبة بشار الأسد ونظامه والجناة الآخرين.
لا تزال سوريا غير آمنة للعودة الطوعية للاجئين
ذكَّر السيد راس شيبل، مساعد نائب وزير الخارجية بالنيابة لمكتب السكان واللاجئين والهجرة في وزارة الخارجية الأمريكية، في كلمته أن الشعب السوري انتفض سلمياً للمطالبة باحترام حقوقه، وكابد السوريون لحماية مجتمعاتهم من وحشية نظام الأسد.
وأشار السيد شيبل إلى كارثية الوضع الإنساني وتراجع المستوى المعيشي في سوريا مؤكداً أن سوريا بلد هاجر نصف سكانه قسرياً، وأصبحت الحاجة إلى المساعدة الإنسانية أكبر من أي وقت مضى حيث لا يستطيع أكثر من نصف السكان إطعام أسرهم، وثلثهم نازحون داخلياً، معظمهم نزحوا أكثر من مرة”.
وأضاف السيد شيبل: “أن نصف مرافق الرعاية الصحية في جميع أنحاء سوريا تعمل بشكل جزئي”، مشيراً إلى أن أكثر من 6.6 مليون سوري لجؤوا إلى خارج سوريا في أكبر أزمة نزوح قسري منذ الحرب العالمية الثانية”.
وذكر السيد شيبل في كلمته “أن في لبنان، تعيش 9 من كل 10 أسر سورية لاجئة في فقر مدقع، ويعتمد 83% من اللاجئين في الأردن على مساعدات برنامج الغذاء العالمي لتلبية احتياجاتهم الأساسية”.
وختم السيد شيبل بالتأكيد على أن العودة الآمنة والطوعية هي الحل الوحيد لأزمة أي لاجئ، ولكن سوريا لا تزال غير آمنة للعودة الطوعية للاجئين.
النظام السوري يسعى لخلق بيئة قانونية تمنع عودة اللاجئين إلى منازلهم
جاء في كلمة السفيرة بريجيت كورمي، مبعوثة فرنسا الخاصة بشأن سوريا، أنَّ “النظام السوري يمارس ضغوطاً شديدة على النازحين في المناطق الخارجة عن سيطرته من خلال منع إيصال المساعدات الإنسانية إليهم، حيث جرت عمليتان فقط عبر خطوط التماس من مناطق النظام باتجاه الشمال الغربي، ومن الواضح أن المساعدات الإنسانية بالكاد تصل إلى الشمال الشرقي.
وأكدت السفيرة كورمي في كلمتها ” بأن المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية يجب أن تظل في حالة استنفار كبير من خلال الدعوة لحماية هذا الشخص النازح واحترام حقوق الإنسان الأساسية الخاصة به، ومن المهم إبقاء هذه القضية على رأس جدول الأعمال، والتأكد من أن أي تقدم نحو حلٍّ سياسي يشمل على النحو الواجب مستقبل سبعة ملايين نازح”.
وأشارت السفيرة إلى أن النظام السوري بمساعدة حليفيه الروسي والإيراني يسعى لحرمان السوريين من حقوقهم عبر سياسة التغيير الديمغرافي، بالإضافة إلى مصادرة الأراضي والمساكن والممتلكات، وشرعنة قوانين لذلك، والتي تؤسس لعملية عدم عودة المشردين إلى أراضيهم.
وختمت السفيرة كلمتها بالتأكيد على ضرورة حماية حقوق الضحايا، وذلك من خلال محاسبة النظام السوري على جرائمه، والعمل بجدية على تغير الظروف الأمنية في سوريا حتى يتمكن السوريون المهجرون قسرياً من العودة إلى منازلهم، وذلك وفق خطة سياسية مرجعيتها قرار مجلس الأمن 2254، والقرارات الدولية الأخرى.
محاسبة النظام السوري مسألة غير قابلة للتفاوض ولا يمكن أن تكون جزءاً من المفاوضات
أوضح السفير روبرت رودي، سفير المفاوضات حول سوريا ورئيس قسم سوريا والعراق ولبنان واستراتيجية مكافحة داعش في وزارة الخارجية الاتحادية الألمانية الذي تقود بلاده قاطرة محاسبة النظام السوري، ” بأن جهود السلام في سوريا يجب أن تسير جنباً إلى جنب مع المحاسبة، مؤكداً بأن محاسبة المجرمين في سوريا هي قضية ذات أولوية بالنسبة للحكومة الألمانية”، كما شجع السفير الدول العظمى بأن تقتدي بألمانيا، وتتخذ خطوات مماثلة مستفيدة من صلاحيات الولاية القضائية كما حدث في محاكمة كوبلنز، ومحاكمة فرانكفورت.
وأشار السفير الألماني إلى أن موضوع المحاسبة لا يقتصر على المحاكمات والأمور الجنائية، بل يتعدى ذلك إلى فضح المجرمين، وعدم تطبيع العلاقات معهم، وجاء في كلمته “إننا ما زلنا قلقون للغاية بشأن مظاهر التطبيع المبكرة، ويبدو جلياً أن الوقت لم يحن بعد لإعادة تأهيل الأسد دون أي مقابل”، مؤكداً بوحدة موقف الاتحاد الأوروبي بهذا الشأن.
وأضاف بضرورة الاستمرار بفرض عقوبات أكثر على النظام السوري ومن يتعاون معه، قائلاً ” اسمحوا لي أن أؤكد بشكل واضح بأن محاسبة نظام الأسد عن جرائمه مسألة غير قابلة للتفاوض ولا يمكن أن تكون جزءاً من المفاوضات”.
وختم السفير رودي بالتأكيد بأن النظام السوري مسؤول عن الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، ولا يزال السكان المدنيون عرضةً لهجمات عشوائية واسعة النطاق ومنهجية قد ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
ممارسات نظام الأسد تحرم المشردين السوريين من العودة إلى منازلهم
تضمنَّت الفعالية مشاركة للسيدة بتول حذيفة، وهي ناجية من مجزرة البيضا ومهجرة قسرياً، والتي تحدثت عن بعض ما تعرضت له أو شهدته من انتهاكات، تقول السيدة بتول “في 2 أيار 2013 شهدت مدينتي بانياس وقرية البيضا مجزرة مروعة، بلغت حصيلة ضحاياها نحو 800 شهيد، لم توثق الإحصائيات إلا قرابة 456 منهم؛ لأن النظام السوري حاول إخفاء هويات الضحايا، عبر حرق الجثث وتشويهها والتمثيل بها.”
أضافت السيدة بتول بأنها انتقلت مع ابنها إلى مدينة أنطاكيا في تركيا وفي تلك الفترة وصَلها خبر موت أخوَيها رشاد وبشير تحت التعذيب في سجون النظام السوري”، واستطردت قائلةً: “بعد مدة انتقلت مع زوجي إلى إسطنبول، وفي ذلك الوقت وصلنا خبر غريب عن أن بيتنا في دمشق تم بيعه بأوراق مزورة من قبل محامين تابعين للنظام السوري، وقبل أشهر قليلة وصلتنا أخبار عن بيع بيتنا في بانياس بالطريقة ذاتها”.
أوضحت السيدة بتول أنها ما زالت تعاني في بلد اللجوء من انتهاكات النظام السوري، وقالت: “أردت أن أتقدم هنا للدراسة بهدف الحصول على درجة الماجستير، لكني لم أتمكن من الحصول على الأوراق الرسمية التي تخصني من جامعة دمشق، فقد كان رد المسؤولين هناك على من ذهب وطلب أوراقي، أنه لا يمكن استخراج أوراق لهذا الاسم من دون موافقة أمنية”، وأضافت أن الأسوأ من ذلك أنني لا أستطيع التواصل مع أقربائي في سوريا، لأنَّ مجرد الحديث معي يشكل خطراً على حياتهم”.
وختمت السيدة بتول كلمتها بالتأكيد إلى أن قصتها مشابهة لقصص كثيرين من السوريين، وقالت أخيراً “جميعنا نرغب بالعودة إلى وطننا وإلى منازلنا، لكنَّ هذا محالٌ مع وجود نظام يقتل ويشرد ويعذب ويحرمنا من أبسط الحقوق الأساسية، بل ويسرق ممتلكاتنا”.
المملكة المتحدة تقف وراء التزاماتها فيما يخص المساعدات الإنسانية
تحدث السيد جوناثان هارجريفز مبعوث المملكة المتحدة إلى سوريا، في كلمته عن أهمية الاستماع إلى قصص الناجين والضحايا، وتلبية مطالبهم ودعمهم، حيث أكد أنَّ المملكة المتحدة تقف وراء التزاماتها فيما يخص المساعدات الإنسانية، مشيراً إلى أن الأمم المتحدة مستمرة بالدعم الإنساني عبر الحدود إلى شمال غرب سوريا، حيث يعيش الكثير من النازحين داخلياً.
وأشار السيد هارجريفز في كلمته لدعم بلاده بالتعاون مع الشركاء الدوليين والإقليميين في مجلس الأمن ودول الجوار، وعدم إيقاف المساعدات بالفيتو الروسي، وقال:” سنواصل بذل كل ما في وسعنا للتأكد من تمرير قرار من هذا النوع، ويمكننا مواصلة العمل عبر الحدود وكذلك عبر خطوط التماس قدر الإمكان في المستقبل.”
لا يجبر الناس على العودة إلى بلد لا يضمن لهم حياة كريمة
قالت السيدة نادية هاردمان الباحثة في قسم حقوق اللاجئين والمهاجرين في منظمة هيومن رايتس ووتش إنه لا ينبغي إجبار الناس على العودة إلى بلد لا تضمن لهم حياة كريمة مشيرة إلى أنَّ ما تم توثيقه في تقرير المنظمة الصادر تحت عنوان “حياة أشبه الموت”، يؤكد على أنَّ اللاجئين لا يرغبون في العودة، مؤكدة على أن السلامة والأمن لا يزالان السببين الرئيسين لعدم رغبة السوريين في العودة إلى سوريا.
وأوضحت السيدة نادية: “النتائج الرئيسية التي توصلنا إليها هي أن من عاد من اللاجئين إلى سوريا اتخذَ قرار العودة على أساس معلومات خاطئة أو معلومات لا تعكس الواقع على الأرض. كل من تحدثنا إليهم عادوا إلى مناطق سيطرة الحكومة، قررنا عدم التوزيع في تقاريرنا، لنقول إن هذا ما يحدث إذا عدت إلى حمص، أو هذا ما يحدث إذا عدت إلى دمشق، لأن ذلك يلعب دوراً في تقسيم أجزاء من سوريا للإعلان عن سلامتها، وهذا ما نريد حقاً الابتعاد عنه”.
المساعدات الإنسانية هي مسألة حيادية، ورفض النظام السوري لإدخالها هو رفض تعسفي
واختتم السيد فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان الفعالية بالتأكيد على أن الانتهاكات والفظائع ما زالت ترتكب في سوريا حتى هذه اللحظة، وهي في تزايد وليس نقصان، مما يعني توليد مزيد من المشردين قسرياً، وأوضح بأن هذه الانتهاكات المستمرة منذ أحد عشر عاماً وبشكل خاص انتهاكات النظام السوري وحليفيه الإيراني والروسي وراء تشريد قرابة 14 مليون شخص.
وشدَّد السيد عبد الغني على أهمية أن يكون هناك تحرك لمنع تدخل روسيا واستخدامها الفيتو في مجلس الأمن ضد مشاريع القرارات المتعلقة بالمساعدات الإنسانية، لأن هذا الأمر لا يحتاج إذن من مجلس الأمن، فالمساعدات الإنسانية هي مسألة حيادية، ورفض النظام السوري لإدخالها هو رفض تعسفي.
وأكد السيد عبد الغني بأن المشردين داخلياً هم أكثر فئات المجتمع هشاشة، وأشدها فقراً، حيث قال: “يجب زيارة دعم النازحين قسراً داخل سوريا وخاصة النساء والأطفال في المخيمات، بسبب استمرار نزوح المزيد من السوريين من مناطق سيطرة النظام السوري، والعمل على إدخال مساعدات الأمم المتحدة عبر الحدود”
وأضاف السيد عبد الغني: “يجب بذل جهود جدية لتحقيق انتقال سياسي نحو الديمقراطية، لأنه عندها فقط سوف يتمكن ملايين النازحين واللاجئين من العودة بكرامة وحرية إلى منازلهم”.
والجدير بالذكر أن هذه الفعالية هي الفعالية الدولية الخامسة التي تنظمها الشبكة السورية لحقوق الإنسان، وتشرف بشكل كامل على إعداد محاورها، وتأتي أهمية استضافت وزراء خارجية وممثلين لدول عظمى، كالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، لكي يسمع السوريون ما تقوله دولهم بشكل مباشر، وليس ما يفهمه المحللون والباحثون من كلامهم.