تحبير وتلوين المأساة السورية جزء من جماليات أسعد فرزات التشكيلية
ليس الإبحار في خضم المأساة السورية فنّيّاً أمراً تقدُر عليه كل مخيّلة لأي فنان، فهذا الصخب الدموي لمأساة السوريين في محنتهم مع نظامٍ متوحشٍ، يحتاج بالضرورة إلى مخيلة عابرة لكلاسيكية الخطوط والألوان وفضاءات اللوحة، وهذا ما اجترحته مخيلة فنانٍ سوري منح الفن التشكيلي في بلاده والفن العربي والعالمي بعداً ليس يسيراً، فاكتظاظ الملامح البشرية في لوحات أسعد فرزات بسحنها المختلفة وتعابيرها المنحوتة من صلب قهر الناس وأوجاعهم وأحلامهم وآمالهم وانتظارهم جعلت من المأساة السورية وجهاً مبتكراً فضح العار والديكتاتور وطغمة الدم المسفوح في سورية.
لقد كتب العراقي فاروق يوسف وهو ناقد وكاتب معروف: “أسعد فرزات رسّام السوريين في مسيرة ألمهم، فصورة فرزات التي لا تخطئها حقيقة أنه يقف في مقدمة الفنانين السوريين الطليعيين، حيث يتأمل عالماً مهدوماً، ليركّب من مفرداته عالماً جميلاً، يكون فيه الألم العنصر الأساسي في التجربة الإنسانية وبطريقة غير مباشرة.
ويضيف الناقد فاروق يوسف فيقول في فن أسعد فرزات: “يرسم فرزات خارطة ألم انساني هي أجزاء مقتطعة من تجربة عيش على الهاوية، التي صنعتها حرب عبثية ستحتل مكاناً بارزاً في ذاكرة أجيال ستعيش الفقد باعتباره لازمة حياة”
هذه الشهادة النقدية في فن سوري جديد وُلدَ في مخاض الحرب، أنصفت مخيلة أسعد فرزات، والذي يبحث عبر ظلال ألوانه عن سحنات تكاد أن تبتلعها سوداوية المأساة السورية، لكن ناقداً آخر هو الناقد إسماعيل كرك فقد قال في فن فرزات: “استطاع أسعد تحبير وتلوين المأساة السورية من خلال العمل المشترك مع قصيدة نوري الجراح (الخروج من شرق المتوسط).
لكن إسماعيل كرك تحدث عن لوحات أسعد بطريقة مختلفة، حيث باح بالقول: “لوحة مليئة بالمفردات، تلخصها سبعة وجوه على هامشها السفلي، وجوه تريد الخروج من إطار اللوحة بعد أن خذلها الجميع”.
كرك استفاض أكثر وكأن في أعماقه نبعاً: “تُرى كيف تأكل الأمكنة أبناءها وتتوه في وجوههم؟ أم أن النقاء اللوني يعكس بارادوكس ما على أسفل اللوحة وما فوقها؟ أو أن ذاك الحلم المهشم في خارطة الأسود والرمادي وهالات النار الحمراء، وما من نقاطها الصغيرة وسط كل تلك اللاجدوى ما يزال ينتظر؟
ويختم كرك بوحه قائلاً: “أستطيع القول إنه بالرغم من صمت اللون في اللوحة، إلا أنه قادرٌ على إثارة العين، وتقديم عملٍ إبداعيٍ جديدٍ في كلّ شيء”.
لكن ناقداً وفنّاناً آخر هو أسعد عرابي فيقول عن فن أسعد فرزات: إنه يستلهم لآلئه التعبيرية المرسومة من ثنايا قصيدة الخروج من شرق المتوسط، والتي لامست ونكأت الجرح السوري العميق والنزوح العمودي حقيقة”.
الصحفي أحمد صلّال قال: يحظى أسعد فرزات بخطوة نقدية تشكيلية سورياً وعربياً وحتى أوربياً، حيث كان له دور استثنائي في تشكيل ما يمكن تسميته (الفن التشكيلي بعد الحرب)، فأثر فرزات في الفن السوري المعاصر بدا واضحاً من خلال تقنية رسم الوجوه التي تختصر آلام البشر في زمن الحرب”.
هذه الأصوات النقدية تكاد تنهل من عمق فظاعة المأساة السورية، التي حفرت سوادها في مخيّلة اسعد فرزات، فأنجبت فنّاً سورياً عظيماً، اقتحم جدر الفن التشكيلي العالمي باقتدار.