أربعة عوامل ستُجهِض أي مُصالحة تركية مع نظام الأسد
السياسة كالطقس، فالعوامل المؤثرة في أحداث الغد يُمكن رصدها من اليوم ومتابعة حركتها المتجهة إلينا ومدى تأثيرها علينا، دون أن يكون ذلك بالضرورة تطاولاً على الغيب، وتبقى التغيرات المفاجئة أو غير المُتوقعة واردة الحدوث.
بعضهم يرى أن الاستدارة التركية تتويج لمسار بدأ عملياً منذ التفاهمات التركية – الروسية العميقة بعد إسقاط الطائرة الحربية في السماء السورية بواسطة الجيش التركي. وقد كانت تلك اللحظة بالفعل هي لحظة تاريخية للبلدين مهدت لعلاقة غير مسبوقة بينهما والتي يُخبرنا الماضي عنها بأنها صراع تاريخي تخللته خمسة حروب كبرى. وصولاً لانضمام تركيا إلى حلف الناتو المعادي للاتحاد السوفييتي، بل كانت تركيا رأس حربة للحلف في الحرب الباردة حيث كانت الدولة الوحيدة من دول حلف شمال الأطلسي التي تملك حدوداً برية مع الغريم السوفييتي.
وقد يرى بعضهم أن الانعطاف التركي تأسيس لمسار جديد مع النظام السوري ويذهبون في ذلك إلى اعتبار الغاية منها بناء علاقة طبيعية بين أنقرة ودمشق بغض النظر عمن يحكم فيهما.
وفي حين يراه آخرون دهاء سياسياً تركياً من حزب العدالة والتنمية والرئيس أردوغان لتحقيق منافع داخلية انتخابية ظرفية، وسرعان ما ستعود عقارب الساعة للوراء. نظراً لأن الملفات العالقة بين البلدين معقُدة وعصية على الحل كون نظام الأسد من افتعلها وكان سبباً للمشكلة ولن يكون جزءاً من الحل.. أي حل.
أياً كان هو السبب فإن خسارة سريعة قد أصابت الثورة السورية من تلك السياسة التركية الأخيرة:
- القضية السورية، قضية شعب انتفض على نظام مجرم قدم مليون شهيد وتم تهجير أكثر من نِصف عدد السكان وشتى أصناف الكوارث المادية والنفسية، وأصبحت ورقة انتخابية في التنافس الداخلي التركي تتبارى مختلف الأطراف على محاولة كسبها. متجاوزين كل المعاني الأخلاقية والمعنوية لمد اليد للمُجرم الذي قام بكل تلك الجرائم.
- سبقت الاستدارة التركية محاولات جادة مِن بعض الدول العربية لفتح صفحة جديدة مع النظام. باءت المحاولات تلك بالفشل والذي تجلى بعدم القدرة على حضور بشار أسد للقمة العربية الأخيرة. بمعنى أن تلك الدول لا تملك من المقومات ما تملكه الدولة التركية والتي تملك من تاريخ العداء للنظام ودعم للثورة الكثير. بل إنها الجدار الأخير الخارجي الذي تستند عليه قوى الثورة.
وقد تكون الانعطافة التركية سُنة سيئة سنتها تركيا لتكون ذريعة لغيرها من الدول على مبدأ هذه تركيا قد صالحت نظام الأسد فلم لانفعل نحن ذلك.
وبسبب كون القضية السورية لها أبعادها الإقليمية والدولية وارتباطها الوثيق بالأزمات واماكن الصراع الساخنة في العالم. وكون الرابح أو الخاسر في سورية قد تؤثر سلبا او إيجابا على موقفه بمناطق الصراع الأخرى. فإنه لا يجوز النظر إليها بمنظار ضيق أو اعتبارها شأناً سيادياً لدولة ما تتخذ قرارها وفق مصالحها الخاصة ضاربة عرض الحائط بمصالح الأطراف الأخرى.
ما أود قوله أن قرار المصالحة التركية مع نظام الاسد ليس شانا خاصا بهما فقط إنما مصالح الفواعل المحلية والإقليمية والدولية يجب أخذها بعين الاعتبار. إن كان من ناحية تشجيع أو تعطيل ذلك المسار وسأتناول هنا أهم عوامل تعطيل ذلك المسار
- العامل الداخلي الثوري الشعبي السوري:
عبرت الحاضنة الشعبية في الشمال السوري وفي المهاجر عن معارضتها لأي مُقترح أو مسعى أو خطة أو مسار يهدف لإجراء مصالحة بين جمهور الثورة والنظام برعاية أو رغبة أو ضغط تركي. وقد وصلت الرسالة الشعبية للقادة الأتراك بأننا لا نتدخل بخياراتكم السياسية فلتتصالحوا مع من ترون فيه مصلحتكم ولكن لا تتدخلوا بخياراتنا المبدئية والتي نسميها ثوابت الثورة التي لا يمكن المساومة عليها ولا تمييعها ولا يملك أحد حرية القفز عليهما (كائناً ما كان).
وقد برزت قوة التيار المدني الشعبي بمظاهراته المليونية في الشمال كُله والتي عمت معظم المدن والبلدات وبشعار واحد وواضح لن نصالح.
وأظن لا يمكن لأحد تجاوز الحاضنة الشعبية وإملاء إرادته عليها. ولن يكون بعيدا إفراز الحراك المدني لقيادة تُمثله تكون نتيجة طبيعية وضرورية له. لتمثيله او رفع البطاقة الحمراء بوجه القيادات الحالية (مدنية وعسكرية) والتي قد يخطر ببالها التماهي مع السياسة التركية
- العامل الأمريكي والغربي عموماً:
مِن الواضح أن الاستدارة التركية نحو النظام برعاية أو ضغط روسي وعدم ممانعة إيرانية (وقد يظن بعضهم أن إيران غير موافقة على مُجمل العملية لغيابها عن مشهد لقاء موسكو في 28 الشهر الماضي. وأعتقد أن ذلك ليس دقيقا طالما أن طهران تُمسك في مناطق النظام بالأرض ومفاصل الأمن والميليشيات وموسكو تُمسك بالسماء والغطاء السياسي فلن تعترض على النافذة التركية الناعمة التي تُنعش النظام اقتصادياً وتخفف جزءاً من العزلة السياسية المفروضة عليه. وطالما أن محور التوافقات الجديدة يصب في خانة واحدة وهي إخراج القوات الأمريكية من سورية أو خلق المتاعب لها. وزيادة الشقاق بين تركيا والولايات المتحدة).
وتملك الولايات المتحدة أوراقا قوية ليس بسبب تواجدها العسكري فقط. وإنما بسبب مُمانعتها لتعويم النظام السوري وتقريع الحلفاء على فعل ذلك. أو عدم الرضى لأي فعل من ذلك القبيل.
وتملك الولايات المتحدة قانوناً أمريكياً تستعمله حينما تشاء وهو قانون قيصر ذلك السيف المسلط على رِقاب من يرغب في إعادة تدوير النظام وهو ناجح لحد الآن بدليل فشل الروس والإيرانيون في تحويل تقدمهم العسكري على الأرض إلى منجزات سياسية أو اقتصادية.
وإذا كان لقيصر أهداف ومفاعيل تتعلق بالملف السوري تحديداً. فإن قانون كبتاغون الأسد لم يجف بعد حبر الرئيس الامريكي بالمصادقة عليه وهو قد يكون أقوى من سلفه قيصر. إذ إن له أبعاداً دولية تمس حتى جوهر الأمن القومي الأمريكي وأمن الحلفاء في المنطقة. التي وصفت بشار الأسد بملك المخدرات الذي يعمل على نشر السموم في العالم أجمع ومسألة وصول تلك السموم للأراضي الأمريكية مسألة وقت حيث وصلت للقارة الأوروبية. كما أنه بالطبع يقصد إلى تجفيف الموارد المالية التي يعتاش منها النظام.
إن الخطط الجاري وضعها الآن بين الأجهزة الامريكية التنفيذية المختصة بالتعاون مع أجهزة عالمية وإقليمية للتصدي لتلك التجارة. لا تُتيح إجراء أي تطبيع مع نظام الأسد وسيكون التعرض للعقوبات لمن يخرقها حائلاً دون خطوات جدية بالتقارب مع نظام المخدرات.
وقد أفادني مصدر سوري – أمريكي مطلع على حيثيات السياسة الأمريكية وآليات صُنعها خاصة في سورية بأن تحضيرات جدية تجري بعيداً عن الأضواء حالياً و تهدف لعقد مؤتمر دولي برعاية الولايات المتحدة لمناهضة التطبيع مع الأسد تتضمن تذكيراً بالعقوبات الأمريكية الواردة بقانون قيصر والعقوبات المتوقع إدراجها بقانون كبتاغون الأسد. في خطوة لمحاصرة التطبيع والمُطبعين مع الأسد.
تتمسك الولايات المتحدة بالقرار الدولي 2254 للحل في سورية وتُمانع أي حلول أخرى تتجاوز أو تكون بديلاً عن ذلك القرار. وهي والاتحاد الأوربي مُتمسكون باللاءات الثلاثة. لا للتطبيع. لا لإعادة الإعمار. لا لرفع العقوبات. قبل الشروع بالحل السياسي.
3- العامل التركي:
قد يكون الرأي القائل بأن الاستدارة التركية نحو النظام هي تلبية لرغبات شعبية داخلية في سنة انتخابية حصيفاً. وسيتبين ذلك بعد أشهر قليلة. حيث يرى بعضهم أن الخطوة التركية لم تكن مُبيتة أو استراتيجية بمعنى أنها أتت من الأسفل للأعلى، فمن الطبيعي أن يسير الحزب الحاكم مع الرغبات الشعبية والتي هي بالنهاية من يُقرر هل يبقى في السلطة أم يُغادرها.
4- عامل النظام السوري:
ليس من السُهولة التعامل مع نظام أقلوي ميليشياوي أمني. تتجاذبه ووتتقاذفه عوامل عديدة كلها بعيدة عن منطق العلاقة بين الدول.
فمثلاً عندما حاول الملك الأردني فتح صفحة جديدة مع نظام الأسد. لم تمضِ إلا أشهر معدودات على فتح معبر نصيب حتى بدأ الأردن يشكو من عصابات تهريب الكبتاغون والسلاح (بجعله ممراً ومقراً) ولم تمنع كل المُناشدات والتوسلات الأردنية من الحد من ذلك.
إن نظام الأسد هو حلقة من حلقات نظام إقليمي متكامل يقوده الحرس الثوري الإيراني ومُلتزم بسياساته العامة وهي السياسة التي لا تلتزم بالحدود الوطنية ومصالح الدول وعلاقات حُسن الجوار.
لقد قام نظام الأسد مُؤخراً بإصدار قرار ذو رمزية عالية وهي تكليف الفرقة الرابعة (المتهمة بالإشراف على صناعة وتهريب المخدرات) بالإشراف على الحدود البرية التي تربط مناطق سيطرة النظام بالدول المجاورة كلها.
وفي النهاية ليس صعباً مُشاهدة المتابع للضجيج السياسي والإعلامي التركي وبالمقابل برودة واضحة من النظام السوري. وينبع ذلك من حسابات النظام بأن المعارضة التركية لحزب العدالة والرئيس أردوغان علاقتها جيدة ولم تنقطع مع دمشق وهي صاحبة مشروع إعادة العلاقات معه وتصويبها. وبالتالي ليس نظام الأسد مُتحمساً لإعطاء تلك الورقة لغريمه التركي على حساب أصدقائه من المعارضة. ولا بأس من إطالة المسار وتبريد الخطوات أملاً بالحصول على اتفاق أفضل بينه وبين المعارضة فيما لو فازت بالانتخابات وهو ما يُفسر جانباً من تصريحات وزير خارجية النظام عن تأجيل موعد لقائه مع وزير الخارجية التركي وأيضاً ما نقِل عن رئيس النظام من شروط تعجيزية تشترط إنهاء الاحتلال التركي لأراضٍ سورية كشرط مسبق وتعجيزي لتفعيل خطوات مسار التقارب. وإن لم يحصل ذلك وفاز العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية والرئاسية فلا ضير من ذلك يُتابع النظام المفاوضات التي بدأها قبل أشهر مع الحكومة والرئيس التركي. خاصة في ظل تراخي القبضة الروسية عن عنقه والتي ترغب بتسريع الخطوات لإعطاء تلك الورقة لصديقها الرئيس التركي وحزبه.