fbpx

أحكام المفقودين في القانون الدولي والقانون السوريّ

0 417

يُعتبر ملف المفقودين والمختفين قسريّاً من أخطر وأعقد ملفات الثورة السورية لما يترتب عليها من آثار قانونية تتعلق بكل مناحي حياة الأفراد من أحوالهم الشخصية من زواج وطلاق ونسب لميراث وأحوالهم المدنية من تسجيل وقائع الميلاد والوفاة والزواج والولادة وشؤونهم المالية وإدارة أموالهم المنقولة وغير المنقولة، ويعتبر امر الحفاظ على الأدلة اللازمة في المستقبل لتحديد هوية أصحاب الجثث لاستعادة الروابط العائلية أو لضرورات التحقيق الجنائي عن الجرائم التي تسببت بفقدان الأشخاص.

وقد تحوّلت ورقة المفقودين إلى ورقة سياسية حيث نجح النظام الروسي ونظام أسد المجرم بالتواطؤ مع المجتمع الدولي وعبر مسار أستانا من تحويل ملف المعتقلين والمفقودين إلى ملف تفاوضي وصفقات تبادل بينه وبين الفصائل العسكرية واستخدامها في أكبر عملية ابتزاز ممنهجة للاستيلاء على أموال وأملاك المفقودين وعائلاتهم واستخدامهم أيضا كرهائن لبث الذعر في قلوب الناس والتحكم بهم.

لأهميّة الموضوع كان لِزاماً علينا أن نُبيّن أحكام المفقود في القانون السوريّ والقانون الدوليّ وسنجزِّئ الموضوع إلى جزئين نتناول في الجزء الأول أحكام المفقود في القانون السوريّ والجزء الثاني سنتناول من خلاله أحكام المفقود في القانون الدولي حتى يتعرّف الجميع على مدى خطورة استمرار حالة الفقدان والاختفاء القسريّ والاعتقال التعسّفيّ وضرورة إنهاء هذه الأحوال ومعالجة آثارها القانونيّة بما يحقّق إعادة الاستقرار لحياة الأفراد والأسر والعائلات.

المفقود في القانون السوري:

المادتان”202 و203 “من قانون الأحوال الشخصية السوري الغائب المفقود:

المفقود: هو الشخص الذي لا تعرف حياته أو مماته.

الغائب: هو الشخص الذي تعرف حياته، ولكن ليس له محل إقامة ولا موطن معلوم أو الشخص الذي يكون له محل إقامة أو موطن معلوم في الخارج، إنما استحال عليه أن يتولى شؤونه بنفسه أو أن يشرف عمن أنابه في إدارتها.

أحكام المفقود في الشريعة والقانون:

في الفقه الإسلامي: عند الأحناف والشافعية: يبقى المفقود حياً في الحكم باستصحاب الحال في حق زوجته وتركته فلا تحل زوجته للزواج من سواه ولا توزع تركته ما لم تثبت وفاته بشهادة شاهدين عدلين يشهدان وفاته أو يُحكم بوفاته بعد انقراض أقرانه وهم من كان في سنه من أبناء حيه وقريته.

وذهب الشافعي إلى أنه يحق لزوجته طلب الحكم بوفاته بعد أربع سنين وهذا عند الأحناف والشافعية سواء أكان فقده في حال تغلب فيها السلامة كالغيبة لطلب العـلم أو الرزق أم في حال يغلب فيها الهلاك كحرب أو زلزال أو حريق.

في القانون: نصت المادة “205” من قانون الأحوال الشخصية على أن الفقد ينتهي بعودة المفقود أو بموته أو بالحكم باعتباره ميتاً عند بلوغه الثمانين من العمر هذا إذا لم يكن فقده بسبب عمليات حربية أو حالات مماثلة لها مما يغلب فيها الهلاك فإنه يجوز الحكم بموته بعد مرور أربع سنوات من تاريخ فقده. وبهذا فقد وافق القانون مذهب الأحناف في حالات الفقد التي تغلب فيها السلامة، ووافق الحنابلة في الأحوال التي يغلب فيها الهلاك.

آثار الحكم بوفاة المفقود: يترتب على الحكم بوفاة المفقود انقضاء شخصيته القانونية فتعتد زوجته عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرة أيام وتحل بعدها للزواج وتقسم تركته على ورثته الموجودين وقت الحكم بوفاته. أما من مات من ورثته قبل ذلك فلا يرثه لعدم تيقن وفاة المفقود قبل الحكم بوفاته وهو شرط الإرث ولكن لا يدخل في تركة المفقود الأموال التي أوقفت له من تركة أقربائه الذين ماتوا حال فقده إنما ترد إلى ورثة مورثه وذلك لعدم تيقن حياته حين ذاك وهو شرط الإرث بالنسبة له.

فإذا عاد المفقود حياً بعد الحكم بوفاته، أو ثبت بالبينة أنه كان حياً عند الحكم بوفاته فإنه ينفسخ الحكم بالوفاة وتعود زوجته إلى عصمته فإذا كانت زوجته قد تزوجت بعد عدتها من زوج آخر فإن زواجها ينفسخ إلا إذا كان الزوج في الزواج الثاني قد دخل بها ما لم يكن حين تزوجها يعلم بحياة زوجها الأول أو تزوجها وهي في العدة فإنها للزوج العائد لبطلان عقد الزواج من الثاني.

وأما بالنسبة لتركته فإنه يسترد ما بقي قائماً منها لم يوزع أو ما وزع ولا يزال موجوداً في يد ورثته أما ما هلك أو استهلك فلا يضمنونه لا بمثله ولا بقيمته لأنهم ملكوا التصرف فيه بحكم القضاء ما لم يكن المتصرف بهذه الأموال أو المتصرف إليه بها يعلم بحياة المفقود فإنه يضمن. وهذه الأحكام لم ينص عليها قانون الأحوال الشخصية السوري، ولكن يؤخذ بها قانوناً عملاً بالمادة “305” منه، باعتبار أن هذه الأحكام تمثل الراجح من مذهب الأحناف الذي أوجب هذا النص الرجوع إليه عند خلو نص في قانون الأحوال الشخصية.

الوكالة القضائية عن المفقود وأحكامها في القانون: الوكيل القضائي هو النائب الشرعي عن المفقود لعجزه عن التصرف بأمواله للغيبة والفقد، ولهذا نصت المادة “204” من قانون الأحوال الشخصية السوري على أنه: إذا ترك المفقود وكيلاً عاماً تحكم المحكمة بتثبيته متى توافرت فيه الشروط الواجب توافرها في الوصي، وإلا عينت له وكيلاً قضائياً.

وقد ألزم المشرع السوري في المواد “180-182” من قانون الأحوال الشخصية السوري الوصي، ووكيل المفقود، أن يستأذن القاضي في كل تصرف من تصرفاته، مع بطلان التبرعات من مال المفقود مطلقاً.

ونصت المادة”574″منه: للقاضي أن يبيع ما يتسارع إليه الفساد من مال المفقود منقولاً كان أو عقاراً، ويحفظ ثمنه ليعطى له إن ظهر حياً، أو لمن يستحقه من ورثته بعد الحكم بموته، وليس له أن يبيع شيئاً مما لا يخشى عليه الفساد ولا لنفقة عياله ولا لغيرها”.

ومن خلال ما سبق نستنتج بأن حياة الفرد “المفقود” المُعلّقة بين الموت والحياة تجعل حالة زوجه و أصوله وفروعه القانونيّة أيضاً موقوفة على تحديد مصيره ويسرى هذا الحال على أحوالهم المدنيّة وأحوالهم الشخصيّة و حقوقهم الدستوريّة ومنها حقّ الحريّة و حق الزواج وما يتفرّع عنه وحق التملّك وحق التصرّف وحق الميراث وما يتفرّع عنها الأمر يجعل من كشف مصير المفقودين ضرورة قانونيّة مُلزِمة قبل أن تكون ضرورة إنسانيّة تتوقّف على توفّر الحسّ الإنساني أو الدافع الإنساني لدى الأطراف وهو ما يوجب علينا كسوريين تكثيف الجهود في سبيل ذلك.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني