fbpx

وما زالت نجمة الزّهرة

0 159

في هدأة الفجر، صحا الكون، تمطّى، تنفّس الصّبح، تعطّر بأريج الزّهور، ومع شروق الشمس ولدت ربّة.

تقول الأسطورة أُخِذتْ من ضلع صغير، عُجنت، صيغت بعناية إلهية، ولدت آية جمال وحنان، تفوّقت على الأصل رقة وعذوبة ولطافة، وصبراً وقدرة احتمال، تفتّحت زهرة، قضمت تفاحة، أطعمته، هبطت معه، سكنا الأرض، انبهر لجمال طلتها، شُغف بها، ملكت فؤاده، عرفها منبع مسرة، نصفاً آخر يشاطره العيش، مصدر خلق وحياة، ببسمتها ألهمته سرّ الوجود، قدّسها، صارت ربّة أولى.

توالدا ذكوراً وإناثاً، كوّنا أسرة، تكاثرت شعوباً وقبائل، رُويت عنهم حكايات وأساطير توارثتها الأجيال، خبر الذكر/الرجل بمرور الأيام معارف وأسرار الكون وتحولات الحياة، تمنّى أن ترفعه إلى سدّتها، شاركته العرش، طمع بالكرسي، غرّر بها، استحوذ على القيادة، تسيّد، صار إلها.

روت البشرية عبر تاريخها عنه وعن الأنثى مرويّات، تكررت، حفظوها وتوارثوها، إحدى هذه المرويّات تقول: “يتوارثها الرّجال بالتلقين، وتسري على النساء بالحيلة، في بدايات وعيه، تحيّر الرجل في أسرار أنثاه، في معجزات جسدها الثلاث.

معجزة الحياة بلا جراحٍ تنزف المرأة كلّ شهر مثلما ينزف الرجال الجرحى، ولا تموت نزفاً مثلما يموتون، ينحسر دمها وحده وفي ميعاده يعود.

ومعجزة الخلق، ينفرج ساقاها فيخرج من بينهما طفل، ويكبر الطفل على بركة الثالثة: معجزة الغذاء؛ هذا الحليب المنهمر من ثدييها سخياً كالمطر.

من شدة انبهار الذكر بأنثاه خشيها، وخوفاً من سطوتها ركع عند قدميها وقدّسها، وحين اكتشف دوره في الحمل زال انبهاره، وطوّقها بحصارٍ يمهّد دربها إلى استعبادها[i]“.

تاريخ المثيولوجيا وتاريخ البشرية ينبئ عنها أنها آلهة للخصب وللحب والمطر، ويروي أنها كانت سيدة آمرة تبوأت العروش، وحكمت ممالك عبر العصور الغابرة، لم ينسَ بلقيس وزنوبيا وشجرة الدر، ودارت الحروب، وتحركت الجيوش من أجلها، وقصت الملاحم حكايتها، ملحمة جلجامش وغيرها وأيام الفراعنة والإغريق والرومان.

كانت ومازالت تحتفظ بتفوقها على مستوى الأسرة والدولة، حكومة الظلّ، تشير بأصبعها جهراً وهي حاكمة، وخفاء تحرك الرجال من وراء الستار، أليس “وراء كلّ عظيم امرأة” أم يكذب الواقع؟! هل هناك مَنْ ينكر أنها سيدة الكون وأمّ الدنيا؟ أليست خالقة ومبعث الحياة؟ أننكر دورها الكبير في الوجود؟ ومن هي؟ أليست الأم، والأخت، والبنت، والحبيبة، والعمة، والخالة؟

تعالوا نتخيل الكون بلا الأنثى كيف يكون؟ سنراه مكفهراً عابساً وقاعاً صفصفاً لا حياة فيه.

نتخيل العودة إلى البيت بعد عناء اليوم فلا نجدها كيف يكون خاوياً خالياً من البهجة، تملأ الوحشة حجراته، لا أنيس يطردها، ولا رفيق يسرّي عن النفس ويفرّج همها. برد الوحدة يعشش في حنايا الذات، ويكتم على النفس وينيخ بكلكل الليل على الصدر، وكيف نستقبل الصباح بتثاؤب وفتور! وبوجودها كيف تضحك الدنيا، وتبسم الساعات والثواني، وتزهر الورود، وتورق الأشجار، وتغرد الطيور، وتعزف الدنيا سيمفونية عشق الحياة، فتطرب النفوس، وتنبض الأفئدة وتتراقص على إيقاع أقدامها فوق أرصفة القلوب.

إنّها دنيانا مذ وجدت الحياة وستبقى النور المشع الذي يضيء الوجود. ولهذا جعلت الأمم المتحدة لها يوماً تحتفل به كل عام تكريماً لدورها الكبير في المجتمع، وفي الحياة وبناء الحضارة البشرية.

أيتها الأنثى/المرأة طيف الجمال، كل عام وأنتِ بألف خير.


[i]– الدكتورة نجاة عبد الصمد – رواية لا ماء يرويها ص148

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني