fbpx

هل يحصل تطبيع بين أنقرة ودمشق؟ هل من الممكن أن يختلط الزيت بالماء؟

0 1٬344

 كان تصريح وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو صادماً للسوريين حول استعداد تركيا لتقديم كل أشكال الدعم السياسي للنظام السوري كي يتمكن من إخراج الميليشيات الإرهابية من حدوده الشمالية.

ليس تصريحاً من دولة عربية أو إقليمية أو نية بالاعتراف بشرعية النظام المجرم، حيث افتتحت دول عربية عدة سفارات للنظام على أراضيها، ومنها لم تغلق سفاراتها أو تقطع علاقاتها أصلاً.

وليس كسماع تصريحات سابقة من ملك دولة مجاورة لسورية عن ضرورة الاعتراف بشرعية النظام القائم في سورية باعتباره أمراً واقعاً، وليس كدعوة دولة عربية رئيس النظام السوري لزيارتها (وقد زارها بالفعل)، وليس تصريحات من أعلى المستويات من شخصيات عربية مسؤولة بضرورة إعادة النظام لشغل في مقعد سورية الجامعة العربية.. إلخ.

إنها تركيا التي تشكّل مأوى لأربعة ملايين سوري داخل أراضيها، وأكثر من خمسة ملايين سوري في المناطق المحررة، قابضين على الجمر ولكن تحت حماية القوات التركية، وباعتبار أن تركيا الملاذ الأخير الذي يحوي بقايا الجيش الحر وقوى المعارضة الرسمية والشعبية، وكل الفارين من سلطة النظام المجرم، وتشكل تلك البقعة المحررة أملاً بالانطلاق منها لتحرير سورية كلها.

لذلك ما ذكرته من مواقف أو تصريحات أو أفعال لزعماء دول عربية من النظام السوري شكل إحباطاً أو استهجاناً أو ازدراءً لتلك المواقف، لكن عند الكلام عن تركيا، تختلف كثيراً ردات الفعل، إذ إن أي تقارب تركي مع النظام السوري وضمن أي مستوى أو صيغة، سيشكل تهديداً مباشراً على الثورة السورية برمتها، وعلى بقايا حياة شبه آمنة وشبه مستقرة للفارين من جحيم الأسد سواء كانوا في تركيا أو في أراض سورية تقوم تركيا بحمايتها.

لذلك كانت ردات الفعل السورية المستنكرة والمستغربة والمتفاجئة لهذا الموقف الذي عبر عنه السيد أوغلو، وكل المواقف محقة، إذ إنها أخرجت من العقل الباطن الجمعي السوري، ماذا سيحل بنا، بعائلاتنا وبثورتنا إن كان ما سمعناه من الوزير التركي موقفاً رسمياً، خاصة أنه أتى بعد القمة الفاشلة في طهران.

ولاشك أن التحليلات والتوقعات التي يحرص جزء من السوريين المعادين لتركيا والمحسوبين على الثورة السورية أو المعارضة السورية، اعتبروا أن تلك التصريحات التي قدمت في قناة تلفزيونية هي الموقف النهائي والأخير، متجاهلين ما تم إنجازه منذ أكثر من عشر سنوات، وكيف أن تركيا وقطر والمملكة العربية السعودية هي الدول الثلاث المعنية بالملف السوري، ولم تغير أو تبدل مواقفها من النظام السوري، من لحظة قطع العلاقات معه.

وعندما كان الخلاف السعودي – التركي أو الخلاف القطري – السعودي قائماً واختلفوا على مجمل السياسات إلا أنهم لم يغيروا موقفهم من النظام المجرم في دمشق، رغم كل الضغوط والتوسلات الروسية لكل الدول في المنطقة والعالم بفتح قنوات اتصال معه.

لاشك أن تصريح وزير الخارجية التركي ليس جيداً، والعبارات التي صاغته لا أظنها تحمل الموقف التركي الحقيقي من القضية السورية، لأن هذا الموقف بكل بساطة، لا يخدم المصلحة التركية العليا للدولة، إنما كان مناورة سياسية غير موفقة في طرحها، والكلام عنها كان مقتضباً، كان يتوجب التوسع فيها لإزالة أي لبس أو غموض قد يكون ظاهراً للقارئ العادي غير المعني بتحليل الكلام أو قراءة ما بين السطور أو معرفة الغايات التي أطلق بسببها.

سارعت الدولة التركية بعد ساعات من إطلاق الوزير أوغلو لتصريحه المثير للجدل إعلان موقف تركي أوضح ومن مستوى أعلى (يزيل أي لبس عن تصريحات أوغلو) وقال الناطق باسم الرئاسة التركية السيد إبراهيم غالن (وهو ليس ناطق إعلامي كما تدل تسميته بل يراه بعضهم بمثابة مستشار الأمن القومي للرئاسة التركية): إن تركيا ماضية في عمليتها العسكرية وقد تحدث في أي لحظة وإن موقف تركيا ثابت تجاه حل القضية السورية بالاعتماد على القرارات الدولية ذات الصلة وإنها كانت تدعم اللجنة الدستورية ومازالت، وهي المتبقية من مسار جنيف الأممي للحل السوري.

ماذا يعني هذا الكلام؟ يعني أن كل ما يدور في الأذهان وتغذيه مخاوف أو هواجس السوريين المشروعة من أي تغير بالموقف التركي من سورية والسوريين، وتغذيه أيضا أوساط محور المقاومة والممانعة وأبواقه، إضافة للفئة المحسوبة على المعارضة، التي لا تريد دخول الجنة إن كانت لها بوابة تركية، وتشيطن أي قول أو فعل تقوم به تركيا، غير آبهة بما يسبب ذلك لعشرة ملايين سوري يستظلون بالشجرة التركية في صيف ساخن وعاصف، بل ملتهب، قد ينفجر في أية لحظة، ليس في سورية أو من سورية بل في الإقليم وما بعد الإقليم.

كان تصريح الوزير التركي مخالفاً لما بات معروفاً للجميع، بفشل قمة أستانا الثلاثية على المستوى الأمني والعسكري والسياسي، وتحقيق تقدم متوقع على المستوى الاقتصادي، وأثبت هذا المحور (الآيل للزوال) أنه لن يرقى إلى كونه محوراً استراتيجياً أو شراكة وتعاوناً أو تنسيقاً مصلحياً، بل هو محور تخادم على قضايا فرعية ومحدودة أمنياً واقتصادياً ومرحلياً، ولكنه يبقى ضمن إطار التنافس وليس الصراع الذي قد يؤدي لتصادم عسكري مباشر.

كانت المخاوف التي حملها كل طرف إلى قمة طهران مختلفة عن الآخر ولا يتقاطع معها.

حمل الرئيس الروسي بوتين همه الأوكراني، والرئيس الإيراني همه النووي والإقليمي والرئيس التركي همه الأمني في الشمال السوري.

ويهمنا في هذا المقام الهم السوري وسأتناول مواضع الخلاف فيه.

إن رفض إيران وروسيا لأي عملية عسكرية تركية مهما كان حجمها في سورية، والقول إن ذلك يهدد وحدة الأراضي السورية والسوريين مع فيتو واضح عليها وإصرار أنقرة على عدم إلغائها وإعلان ذلك صراحة أن تركيا ماضية فيما عزمت عليه.

وبسبب وجود بصيص أو نافذة أمل بين روسيا وتركيا بعيداً عن المصالح الإيرانية، تم بعد أسبوع من انتهاء قمة طهران، تحديد قمة في سوتشي بين الرئيسين التركي والروسي لحلحلة ما عجزا عنه في طهران، وهو ضمان عدم ممانعة روسية (وليس موافقة) وإذا ارادها الرئيس الروسي ضمنية فلتكن، لان روسيا مازالت قوة دولية لا يستهان بها، وهي تملك السماء السورية.

الطرح الإيراني – الروسي على تركيا ليس جديداً وهو موضوع على الطاولة منذ سنوات وقبل حتى عملية درع الفرات، ومؤداه إذا أرادت تركيا التخلص من وجود التنظيمات الإرهابية الكردية على حدودها، فيتوجب عليها فتح قناة تواصل أو تطبيع علاقات كامل مع النظام السوري والعودة إلى اتفاقية أضنة 1998 التي مازالت سارية بين الدولتين، وتضمن روسيا وإيران تطبيقها أو تعديل فقرات ترضي تركيا أكثر من ناحية تعديل عمق المسافة التي يحق للقوات التركية التوغل فيها لمطاردة الإرهابيين في العمق السوري.

هذا المضمون هو ما عبر عنه من دمشق وزير الخارجية الإيراني عن قيام إيران بوساطة بين تركيا والنظام السوري، ادعاءات وتصريحات الوزير الإيراني، تبين زيفها وعدم واقعيتها عندما اجتمع الرؤساء الثلاثة في قمة طهران، وكيف استدعي وزير خارجية النظام على عجل إلى طهران ولم يتمكن من إجراء أي لقاء مع أي مسؤول تركي مرافق للرئيس، بل خرج في اليوم التالي من انتهاء القمة بمؤتمر صحفي بطهران برفقة وزير الخارجية الإيراني وشن هجوماً عنيفاً على السياسات التركية و(الاحتلال التركي) لسورية.

يعلم الأتراك جيداً من يمول ويسلح ويرسم أهداف حزب العمال الكردستاني التركي في سورية والعراق، لذلك لن تنطلي عليهم الدعاوى الزائفة لإمكانية انتشار قوات من النظام إلى جانب قوات ما يسمى قوات سورية الديمقراطية لتأمين الحدود، وقد جرب سابقاً ذلك خاصة بعد تعليق الجيش التركي لعملية نبع السلام وفشل الروس والأمريكان بالإيفاء بتعهداتهما بإبعاد الميليشيا الإرهابية للمسافة التي طلبتها أنقرة عن حدودها الجنوبية.

وقد قال الرئيس التركي بما معناه، لن يخدعنا تبديل الرايات ورفع الأعلام وتغيير ألبسة عناصر الميليشيا، ولم يكتف بالتهديد، بل قصف الجيش التركي نقاط تتبع لميليشيا النظام موجودة بين نقاط قوات ما يسمى قوات سورية الديمقراطية في رسالة عملية للتأكيد على كلام الرئيس.

التفسير المحتمل لكلام الوزير التركي

دولياً وقانونياً (وللأسف) مازال النظام المجرم في دمشق يمثل الدولة السورية المعترف بها أممياً، وبالتالي يتحمل تبعات ومسؤوليات حفاظ كامل الأمن على أراضيه.

وكما قال وزير الخارجية التركي في اجتماع مجلس الأمن الأخير الذي عقد لمناقشة تداعيات الهجوم الذي طال قرية سياحية عراقية في إقليم كردستان، تقع على الحدود التركية – العراقية، وتم اتهام تركيا به، ولكنها اتهمت حزب العمال الكردستاني بتنفيذه.

قال الوزير التركي: إن تركيا طالبت حكومة بغداد الشرعية بالتعاون معها لإزالة التنظيم الإرهابي من الحدود، والذي يهدد الأمن القومي لدولة مجاورة ولم تفعل بغداد ذلك، واستناداً إلى المادة 51 من قانون الجمعية العامة للأمم المتحدة، يحق للدولة التي يكون أمنها مهدداً من دولة مجاورة، ولا تقوم تلك الدولة بواجباتها، التدخل ضمن أراضي الدولة الفاشلة (المنقوصة السيادة) بالدخول عسكرياً لمسافة معينة ويعتبر ذلك الأمر شرعياً من وجهة النظر القانونية، ريثما تتمكن الدولة الفاشلة من ممارسة سيادتها على كامل أراضيها.

ولا أظن أن الدولة التركية عندما جوبهت بالرفض الكامل من روسيا وإيران والنظام والولايات المتحدة وحتى من دول أوربية وإسرائيل، تحاول إحراج النظام وحلفائه وداعميه بأنه غير قادر على ذلك، الأمر الذي يعطي غطاءً سياسياً شرعياً، ومبرراً قانونياً لشن العملية العسكرية التركية عندما تنضج ظروف إطلاق الرصاصة الأولى التي لن تكون بعيدة.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني