هل ستكون سوريا ساحة قادمة للصراع الدولي وأوكرانيا الشرق الأوسط؟!
لم تعد سوريا ساحة صراعٍ بين نظام استبدادي قهري وشعب يتوق إلى الحرية وبناء دولة ديمقراطية، فالنظام الذي أتى بمليشيات طائفية من لبنان والعراق وإيران وأفغانستان، ظنّ في بادئ الأمر أن هذه الميليشيات أتت لتنصره بصفته الطائفية العلوية، ولم يفكّر سوى باحتفاظه بأي وسيلة بالسلطة، تلك التي اغتصبها من قبله والده الديكتاتور حافظ الأسد الذي انقلب على رفاقه وصفّاهم سياسياً.
الميليشيات الطائفية التي جندتها حكومة ملالي طهران لتهزم قوى الثورة السورية، لم تأت لهذا السبب فحسب، بل أتت لتنفّذ استراتيجية إيرانية تقودها إلى مشروعها “إيران العظمى” عبر ربط طهران بطريق يقود إلى البحر الأبيض المتوسط عبر العراق وسورية ولبنان، هذا الطريق أطلق عليه الملك عبد الله الثاني ملك المملكة الأردنية الهاشمية اسم الهلال الشيعي.
لهذا قامت هذه الميليشيات بتمهيد الطريق لدعاة المذهب الديني الشيعي، ليقوموا باستمالة السكّان في سورية إلى مذهبهم من خلال استغلال جوعهم، دون أن يدرك رأس النظام السوري بشار أسد أنه سيخسر وجوده وكرسي حكمه بعد أن تتمكن إيران من إطباق نفوذها على مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية والأيديولوجية والاقتصادية وحتى التعليمية.
النظام الأسدي الذي ارتكب جرائم كبرى بحق الشعب السوري، لم يكن يفكّر أنه يوماً وراء يوم يخسر نفوذه على البلاد، وبالتالي ستكون حربه على الشعب السوري (الذي كان يريد في بداية ثورته إصلاحات حقيقية على نظام الحكم وبناء الدولة) مجرد حماقة كبرى وصلف، نظام جهلة.
هذا النظام الذي استعان بإيران وميليشياتها الشيعية من بلدانٍ عدّة، كاد أن يسقط لولا أن الروس تدخلوا عسكرياً في اللحظات الأخيرة قبل سقوطه.
الروس تدخلوا في الربع الأخير من عام 2015، وكانوا يدركون أن سقوط سوريا بيد قوى الثورة والمعارضة، فستكون إحدى حلقات الغرب في حربهم ضد العنجهية الروسية، التي يحاول حاكم الكرملين أن يعيد مجد الاتحاد السوفياتي لصالحها.
بوتين يظن أن بإمكانه استعادة الدور السوفياتي المفقود من خلال امتلاك بلاده للسلاح النووي، لهذا يلوّح به حين يشعر أنه في مأزق عسكري أو سياسي دولي، ولكن الأيام أثبتت أنه عاجز عن اتخاذ أي خطوة هجومية بالسلاح النووي، لأن خصومه الغربيين يمتلكون سلاحاً نووياً وسيستعملونه في تدمير روسيا إذا ما حاول الروس مهاجمتهم بهذا السلاح، فالغرب يمتلك أسلحة متفوقة في كل المجالات على السلاح الروسي وحتى الصيني الحليف للروس.
الصينيون الذين دعموا نظام بشار الأسد ديبلوماسياً من خلال انضمامهم إلى استخدام الفيتو المعطّل لقرارات مجلس الأمن لمحاسبة نظام أسد، لم ينصروه لأنه حليفهم، بل نصروه من أجل أخذ موطئ قدم لهم في الشرق الأوسط، وذلك لاحتمال خوض حرب ضد الغرب في هذه المنطقة الاستراتيجية.
الصينيون لا يخوضون في هذه المرحلة حروباً ضد الغرب، لقناعتهم أن هكذا حروب هي ستستنزفهم اقتصادياً من جهة، وتورطهم في حروب لا تخدمهم عبر تدخلهم فيها مباشرة.
لهذا يمكن فهم الموقف الصيني، على أنه يؤيد معاداة الغرب دون قتاله مباشرة، وبالتالي هم يدركون أن نموهم الاقتصادي المضطرد إذا ما سار على ذات الوتيرة فإنه سيبلغ قدرة التفوق على الاقتصاد الغربي بعد عقدين أو ثلاثة من الزمن.
وفق هذه الرؤى الملموسة، سيما بعدما شهدناه من تحالف عميق وأعمق مما كان يعتقد بين النظام الإيراني ونظام بوتين في موسكو والذي يعود بالمنفعة المشتركة لهما وبعد كشف حقيقة تزويد النظام الايراني لآلاف المسيرات الإيرانية والصواريخ البالستية وإنشاء مصانع لها في روسيا وتدريب والقوات الروسية على استخدامها، فضلاً عن تسخير الآلة الحربية الايرانيه للجيش الروسي، يمكن أن نقرأ بداية تحول سورية إلى ساحة صراعٍ دولي بين المحور الروسي، الصيني، الإيراني (سيما أن هذه المسيرات والصواريخ البالستية ذات تكنولوجيا صينية) لمده زمنية طويلة.
هذا الصراع سيكون على حساب حقوق الشعب سوري بالاستقلال الناجز، وبناء دولة مؤسسات قانونية ديمقراطية، وذلك نتيجة حماقة نظام الاستبداد فيها، وجهله باستراتيجيّات السياسات الدولية، وطبيعة التناقضات التي تحكمها، وتؤثر على توازناتها واتجاهاتها.
هذا الصراع يمكن أن يكون شبيهاً بالصراع على أوكرانيا بين روس يريدون احتواءه وغرب يريدون منع الروس من استعادته كمستعمرة لهم وخط دفاع عنهم في أي مواجهة عسكرية بينهم وبين أوربا والغرب الزاحف لاحتوائهم هم.
لهذا يجب فهم الدور الصيني/الروسي في إبقاء نظام بشار أسد موجوداً، فهم لن يتخلوا عمن سهّل لهم موضع قدمٍ فيما يسمى “المياه الدافئة” في الشرق الأوسط، هذا الموضع لم يحلموا فيه من قبل، كذلك هم يريدون بقاء الصراع في هذا البلد شاغلاً للغرب القريب منه والمطل مثله على البحر الأبيض المتوسط.
إذاً هناك استراتيجيات مختلفة للدول الداعمة لنظام أسد، وهناك احتمالات لتغيير المواقف من هذا الوضع السوري في حالة إعادة إنتاج أولويات سياسية غربية، كأن يكون تركيز الغرب على جعل بؤرة الصراع في أوكرانيا بؤرة استنزاف لا يقدر عليها الروس ضمن ميزات قوتهم العسكري والاقتصادي المنظورين.
الصينيون ليسوا معنيين بدخول صراع عسكري في سورية، ستكون نتائجه ليست في كل الأحوال لصالح الدولة الصينية، فالمستفيد الأول من الصراع هم الإيرانيون، بحكم قربهم الجغرافي، وبحكم العامل الإيديولوجي الديني، ولكنهم مستعدون لتغذية هذا الصراع في هذا البلد، اعتقاداً منهم، أنهم سيؤخرون معركتهم القادمة الحتمية مع الغرب، وبالتالي سيكسبون وقتاً إضافياً، يساعدهم على تحسين شروط صراعهم القادم معه.
الروس لن يتخلوا عن ورقة سورية مجاناً، ولكن الولايات المتحدة وحلفها الغربي يعمل على سحب هذه الورقة بالتدريج من يد الروس، كي لا تساوم روسيا بها على أوراق صراعات أخرى بينهم كالصراع في أوكرانيا.
إن الولايات المتحدة التي تريد شطب الورقة السورية من معادلة الصراع بين الغرب والمحور الروسي الإيراني الصيني، بدأت بقطع الطريق على الهلال الشيعي الإيراني لفرض الرضوخ على نظام أسد أو دفعه لانتحار عسكري لن ينجح فيه ابداً إذا ما قرر مواجهة قوى التحالف في منطقة شرق سورية.
إن السوريين معنيون بالتقارب مرحلياً مع سياسة الغرب ليخلصوا من الوجود الروسي في سورية، وليخلصوا من الوجود الإيراني المطلوب سحقه عسكرياً في سورية والعراق.
المطلوب هو استثمار السوريين لهذا الصراع الناشئ لصالح تحقيق مصالحهم في التحرر والحرية وبناء سوريا المستقبل على اسس وطنية حقيقية صحيحة لا تختلف عن نموذج الديمقراطي الحر في الغرب والتحالف معه لدعم إضعاف الدور الروسي والإيراني في سورية، فإضعافهما يعني إضعافاً لدور تدخلي صيني قادم لا يفيد هم وليس في مصلحة شعوب المنطقة.
فهل سيعي اللاعبون المحليون والإقليميون الرافضون لبقاء الاستبداد الأسدي هذه الرؤية؟.