fbpx

هدف الولايات المتّحدة الاستراتيجي في حيثيات “الخيار العسكري الميليشياوي” ومراحله!

0 69

بخلاف أضاليل الدعايات الأمريكية/الإيرانية وتوابعهم في منصات وأقلام المعارضات، التي عملت على إخفاء حقائق طبيعة الصراع (مؤامرة أمريكية تستهدف تفكيك محور المقاومة- تراخي وانسحاب أمريكي، واستغلال إيراني روسي لحالة الفراغ للقفز على المنطقة في سياق صراع وصعود قطبي روسي/صيني!!) وأهدافه في قوى الخَيار العسكري، خاصة، الولايات المتحدة الأمريكية، جميع وقائع الصراع تقول أن القرار الإستراتيجي بمواجهة حراك شعبي سلمي باتت محتملا في ضوء انتصارات الربيع المصري، ومنع صيرورته ثورة ديمقراطية وطنية بأدوات وأذرع ونهج الخَيار العسكري الميليشياوي، كان قد اُتخذ قبل منتصف آذار 2011، وقبل تفجير الاحتجاجات في درعا (كما أكد سماحة السيد، في مقابلات حصرية مع بن جدو)، بما يضع جميع إجراءات الردع اللاحقة في إطار المرحلة الأولى من الخَيار الأمني العسكري الطائفي، بين ربيع 2011 ومنتصف 2012، وشملت مواجهات النشاط السلمي بوسائل أمنية، وجهود توريط الجيش السوري في الصراع السياسي، والتحريض الإعلامي الطائفي، القطري والسعودي…، والسياسي الأمريكي، لتأجيج الصراع، ودفع جميع الأطراف الى التشدد، وتعزيز خطوات وجهود التطييف والميلشة والعسكرة الداخلية التي قدتها سلطة النظام، تكاملاً مع جهود تفشيل مسارات تسوية سياسية كانت ممكنة خلال ربيع وصيف 2011، قادتها المجموعة العربية، وبرز خلالها غياب الدور العملي الأمريكي الفعال الداعم لجهود التسويات، وتكاملت مع جهود تفشيل مبادرات نخبوية لتشكيل قيادة سياسية وميدانية للحراك، وجسم سياسي وطني ديمقراطي معارض، خاصة من خلال تكامل جهود فرنسية أمريكية وقطرية تركية لتصنيع مؤسسات معارضة غير وطنية، ترتبط بأجندات تلك الدولة، وكانت النتيجة الأكثر خطورة على طبيعة الحراك ومآلاته سعي الجميع لدق اسفين في وحدة الصف الوطني العربي/الكردي، عبر دعم خطوات تشكيل مجلسين وطنيين متنافسين – سوري وكردي؛ وقد كان من الطبيعي أن يؤدي تكامل جهود الجميع إلى تغيير طبيعة الصراع. من جهة أولى، نجحت الجهود في تحويل جمهور الحراك وحواضنه الاجتماعية إلى مجاهدين، وفي تحويل نخبه الانتهازية في تيارات واحزاب وشخصيات اليسار القومي والشيوعي، والإخواني، إلى موظفين وسماسرة لدى أصحاب أجندات الحرب في الداخل والخارج، وقد صبت كل تلك الجهود وما نتج عنها في خدمة تحقيق أهداف استراتيجية أمريكية – إيرانية مشتركة: قطع صيرورة الحراك ثورة ديمقراطية وتفشيل مقومات الدولة السورية، سعياً من أجل توفير افضل شروط تقاسم السيطرة الجيوسياسية، على غرار الحالتين اللبنانية والعراقية.. وهذا ما حصل في نهاية 2019، وكان يمكن أن تتحقق أهداف الشراكة بنسبة مئة بالمئة، لولا وجود العامل التركي!!.

لقد شكلت المرحلة الأخطر في تفشيل جهود الحل السياسي الذي كان يمكن لنجاحها أن يوقف مسار الخَيار العسكري، ويدفع الصراع على مسار خارطة طريق انتقال سياسي، ما حدث في تكامل جهود إيرانية ميدانية، وأمريكية روسية، سياسية ودبلوماسية، بين شباط وتموز 2012، (إسقاط خطة السلام العربية الثانية في مجلس الأمن 4 شباط، بالتنسيق مع روسيا، واغتيال قادة الجيش في خلية الأزمة في 18 تموز)، وباتت أخطر أسباب ومقدمات دفع الصراع على مسار الخَيار العسكري، الذي استمر بمراحله الحربية الرئيسية حتى آذار 2020.

لقد وفرت المرحلة الثانية، بين منتصف 2012-2014 التي تصارعت فيها ميليشيات الثورة المضادة على السلطة، بدعم إيراني وخليجي، ومساندة لوجستية ؛تحكم عسكري أمريكي، وغطاء سياسي روسي، وما نتج عنها من سيطرة ميليشيات قوى الثورة المضادة على كامل مساحة سوريا) شروط تفشيل الدولة، مع الحفاظ على سلطة النظام الشريكة، واستمرار شرعيتها الدولية، ووبناء أبرز ميليشات الثورة المضادة، (حصول ميليشيات حماية الشعب على الشرعية الكردية، وسيطرة جغرافية واسعة في محافظات الحسكة وحلب، إضافة إلى سيطرة واسعة لميليشات الجولاني وحصولها على حصة)، بالإضافة إلى البيئة العسكرية والسياسية والدعائية المناسبة لتدخل جيوش الولايات المتحدة وتحالفها الدولي خلال 2014، وروسيا 2015، وذلك لاستكمال خطوات تحقيق الأهداف السياسية الاستراتيجية الأمريكية الإيرانية في أداة الخَيار العسكري ؛

 المرحلة الثالثة، (بين منتصف 2015 وربيع 2020 مرحلة حروب إعادة توزيع الجغرافيا السورية إلى حصص ومناطق نفوذ، قادتها الولايات المتحدة بالتنسيق المباشر مع روسيا، وفي مواجهة تركيا والسعودية، وبأذرع قوى الثورة المضادة الرئيسية الطائفية والقسدية، وقد كان أخطر نتائجها، بالإضافة إلى إعادة سيطرة الميليشيات الإيرانية عل ما بات سوريا المفيدة، خلق مواقع ارتكاز لميلشيات متصارعة، مرتهنة لقوى الاحتلال، سيطرت على مناطق شاسعة في الجزيرة وشمال شرق وغرب سوريا، تبلورت لاحقا في سلطات أمر واقع، إلى جانب سلطة النظام، برز فيها سلطات قسد على مناطق احتلال تشاركي أمريكي إيراني وروسي، والجيش الوطني على مناطق احتلال تركي، والهيئة، كذراع مشترك، يعمل لصالح الجميع)، التي صنعت جهود قواها، وما نتج عنها من وقائع الشروط الموضوعية والذاتية لإطلاق المرحلة الرابعة من الخَيار العسكري في مطلع 2020.

المرحلة الرابعة، هي مرحلة التسوية السياسية الأمريكية الشاملة، انطلقت صيرورتها بعد توقيع اتفاقيات 5 آذار بين الرئيسين التركي والروسي وإعلان واشنطن الانتصار التاريخي على داعش، وتقوم على قاعدة خطط RAND الأمريكية، وتتمحور حول هدف وإجراءات الوصول إلى اعتراف متبادل وتهدئة مستدامة بين سلطات الأمر الواقع، تشرعن سورياً واقع الحصص، وتسمح بإعادة التأهيل على الصعيد السوري، والتطبيع إقليمياً.

لقد كذبت نتائج وسياق صيرورة الخَيار الأمني، العسكري، الميليشياوي في مواجهة استحقاقات حراك ربيع 2011، وما صنعته حروب قواه الخارجية وأذرعه في ميليشيات السلفية الجهادية من وقائع سيطرة جيوسياسية وتغيير ديموغرافي “رواية الإيرانيين”، ودعايات واشنطن، وعرت ما سوغته من أكاذيب، لتغييب أبرز حقائق الصراع التي تمثلت في طبيعة الأهداف الاستراتيجية وآليات تنفيذها:

تغييب طبيعة أهداف الولايات المتحدة الاستراتيجية في مراحل الخيار العسكري المتعاقبة، وفي صيرورته، وتكامل آليات تنفيذها مع أهداف وجهود النظام الإيراني السوري، الساعية إلى هزيمة مسارات التغيير السياسي، وشكلت العامل الخارجي الحاسم في إطلاق مشروع الخَيار العسكري الطائفي وما نتج عن مراحله في نهاية 2019 من تقاسم السيطرة الجيوسياسية، وأوصلت السوريين ومقومات الدولة إلى مستوى التفشيل الشامل.. وهو الاستنتاج الذي تؤكد موضوعيته النتائج الواقعية لنهاية مراحل الحل العسكري نهاية 2019، وطبيعة أهداف مرحلة التسوية السياسية الأمريكية اللاحقة:

فقد حصل النظام الإيراني على أكبر الحصص، وشريكه الأمريكي على أفضلها، واستطاعت تركيا، بفعل عوامل القوة الذاتية الإقليمية أن تفرض حصتها في سياق حروب إعادة توزيع السيطرة الجيوسياسية، على شريط منطقة آمنة على حساب حصص الشريكين اللدودين، بينما لاتزال إسرائيل تقاوم خطوات وإجراءات مشروع التسوية السياسية الأمريكي/الإيراني بهجمات عدوانية طوال سنوات.

لمرحلة الأكثر تجاهلاً وتغييباً وتضليلاً في رؤى وقراءات نخب المعارضات هي التي استهلتها أحداث نهاية 2019 ومطلع 2020، حين انتهت المعارك الكبرى في حروب إعادة تقاسم الحصص لصالح أهداف مشروع السيطرة التشاركية الأمريكية الإيرانية، وأطلقت سلسلة من الاتفاقيات الروسية التركية الإيرانية، خاصة معاهدة 5 آذار بين الرئيسين التركي والروسي، في تزامن مع إعلان الولايات المتحدة هزيمة داعش ونهاية الحرب، مرحلة التسوية السياسية الأمريكية الشاملة.

تؤكد جميع التطورات اللاحقة في مرحلة التسوية السياسية الأمريكية الشاملة حقيقة أن ما حصل ويحصل طوال السنوات الثلاث التالية، سواء على صعيد المعارك الكبيرة أو الصغيرة بهدف تثقيل موازين القوى السياسية، وتحسين الشروط التفاوضية، وانتزاع أفضل الحصص ووسائل التأهيل الممكنة، أو على مستوى خطوات وإجراءات تأهيل سلطات الأمر الواقع، وإعادة تأهيل سلطة النظام، يأتي في إطار تحقيق أهداف مشروع التسوية السياسية الأمريكية الشاملة، وفي سياق مشروع التطبيع الإقليمي الأشمل، وهي أهم العوامل التي تحدد أبرز سمات المشهد السياسي والعسكري ليس فقط خلال 2023، بل والسنوات التالية. 

على الصعيد السوري:

1- هي تسوية سياسية أمريكية من حيث هدفها المركزي، وتتقاطع مع سلطة النظام، في ضرورات نجاح آليات التنفيذ. فشرعنه وجود سلطة قسد وتأهيلها، وتمكينها استراتيجياً لا يمكن أن تحصل دون توافقات مع سلطة النظام بالدرجة الأولى (وهذا ما أكده السفير فورد في نصائحه لقيادة قسد)، وهو الذي حدد طبيعة معادلة التأهيل المتزامن للسلطتين: مقايضة خطوات وإجراءات تأهيل قسد بما يوازيها لإعادة تأهيل سلطة النظام، بما يؤدي عمليا إلى علاقة طردية بين تقدم إجراءات التأهيل على المسارين. بمعنى، اشتراط دعم الولايات المتحدة لإجراءات إعادة تأهيل سلطة النظام بما تقدمه من تسهيلات ودعم لتقدم إجراءات تأهيل قسد؛ وهذه الآلية الأمريكية تكشف طبيعة أوراق الضغط التي يقدمها الكونغرس للإدارة.. قانون قيصر وغيره.

2- هي تسوية سياسية أمريكية لأنها تتوافق مع هدف الولايات المتحدة المركزي تجاه عواقب الصراع على سوريا الذي تفجر في أعقاب حراك ربيع 2011، الساعي إلى بناء قاعدة ارتكاز وتحكم أمريكية، تعزز قواعد السيطرة الإقليمية.

3- هي تسوية سياسية أمريكية لأنها تقوم على أرضية رؤى واستنتاجات ومسارات مشروع سياسي أمريكي خاص، وتتعارض مع مقاصد وخطوات وإجراءات مسار جنيف، ومحطة اللجنة الدستورية، وما تسعى إليه من توافق بين حكومة النظام والمعارضات على إقامة حكومة تشاركية وتقاسم للسلطة والنفوذ.

لقد قدم مركز بحوث RAND الأمريكي في 2015 دراسة شاملة حول طبيعة التسوية السياسية التي يعتقد الخبراء المؤلفون أنه الأفضل للوصول إلى حالة تهدئة مستدامة بين فصائل المعارضة وسلطات الأمر الواقع، المتصارعة على مناطق السيطرة المحلية وعلى الشرعية السورية.

مما جاء في تحليل سياسي وعسكري شامل:

يجب أن يكون الهدف الرئيسي للولايات المتحدة وشركائها التفاوض على وقف دائم للأعمال العدائية مع دعم الحوار طويل الأمد حتماً بين الفصائل السورية فيما يتعلق بالشكل المستقبلي للدولة السورية.

ولأن هدف إعادة توحيد سوريا في ظل قيادة وطنية متفق عليها ومع مجموعة واحدة من الهياكل الأمنية هو أمر بعيد، يجب النظر في كيفية توفير الحكم الأساسي للمناطق التي تسيطر عليها المعارضة في الفترة الانتقالية.

.. يرى هذا المنظور أن لامركزية الحكم يمكن أن تكون جزءاً من الحل.. قد تظهر بعض أشكال اللامركزية أيضًا في أي تسوية سياسية نهائية في حال ثبت أن السوريين غير قادرين على الاتفاق على دولة موحدة وتشكيل حكومة مركزية.

عملياً، نحن أمام مشروع تسوية سياسية، يؤدي في السياق والإجراءات والصيرورة إلى تثبيت سلطات الأمر الواقع على الحصص ومناطق النفوذ التي حصلت عليها نتيجة حروب إعادة تقاسم الجغرافيا السورية بين 2014-2020 فيتم تأهيل سلطة قسد على الحصص الأمريكية والإيرانية تحت يافطات، حكم ذاتي ديمقراطي – لا مركزي، وفقاً لدعاية مسد/قسد. تكشف هذه الرؤية، وما نتج عنها في وقائع السيطرة الجيوسياسية الراهنة، وما أعقبها من خطوات تأهيل سلطات الأمر الواقع طوال السنوات الثلاث الماضية، طبيعة التضليل الذي تحدث عنه وثائق راند، وتلوكه دعايات قسد، حول الهدف النهائي:

الهدف النهائي لهذه العملية هو سوريا شاملة وموحدة، وديموقراطية!

4- إذا كانت تتقاطع آليات تنفيذ التسوية السياسية الأمريكية مع مصلحة سلطة النظام، فقد تعارضت مع مسارات وسياسات وأهداف التسوية السياسية التي عملت عليها روسيا وتركيا، ومع مصالح إسرائيل الحيوية في سوريا، لأنها تؤدي في السياق والصيرورة إلى تثبيت وشرعنة الوجود الإيراني في مناطق سيطرة سلطتي النظام وقسد!!.

جميع تلك العوامل تفسر ما حققته إجراءات التأهيل المتزامن من نجاحات حولت كانتون قسد إلى إقليم شمال وشرق سوريا الديمقراطي، وأوصلت سلطة النظام إلى مرحلة الأمن الاستراتيجي، وما واجهته من عقبات في سياسات الدول المتضررة، تركيا وإسرائيل وروسيا، وهرولة قادة النظام العربي لتجيير ما يحصل سوريا من أجل التقاط بعض الفتات في حصص السيطرة على سوريا، وتعزيز أهداف التطبيع الإقليمي الخاصة!!.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني