fbpx

نحن والتحدي الكبير

0 200

ليس صدفة ولا مؤامرة كما يحلو لبعضهم في وصف ما جرى ومازال على الساحة العربية عامة والسورية خاصة، وليس فعلاً استعمارياً على شاكلة ما كان يجري قديماً على الرغم من أوجه التشابه في العديد من المسائل.

إنما هي نتائج لها طابع شبه حتمي لمجموعة من المتغيرات العالمية التي زلزلت مواقع بنى كبيرة وهدمتها وأنهت حرباً دامت ما يقارب قرن من الزمن وفككت بنى سياسية ودول وغيرت من مسارات عديدة على صعيد العالم. كما انعكست على البنى المعرفية وغيرت دلالات ومعاني للعديد من المفاهيم وأضافت دلالات ومعاني جديدة لبعضها وخاصة المفاهيم المتعلقة بحياة الشعوب وحريتها وتقدمها وتطورها واستقلالها. كما طرحت مفاهيم جديدة مثل صراع الحضارات ونهاية التاريخ وغيرها.

إن عالم اليوم الذي لا دور لنا في بنائه ولا ينتظر قبولنا أو رفضنا لوجوده جعل العالم قرية كونية صغيرة، أي حركة في أي جزء منها لابد أن تتأثر بقية الأجزاء في الوجهين السلب والإيجاب. إرادياً أو قسرياً. إنه عالم العولمة حيث وضع العالم على نبض جديد وإيقاع جديد أيضاً، عالم محمول على ثورات علمية حقيقية ربما أبرزها ثورة الاتصالات بتفرعاتها العديدة والمتطورة باستمرار، بالإضافة إلى بنى اقتصادية وسياسية ومعرفية… الخ.

إننا أمام عالم ليس جديداً فقط بل متحرك باستمرار وبوتائر سريعة وعلى كل الصعد الحياتية. وحركته متعددة الدوافع والغايات ومتباينة من حيث قوة التأثير، ومحسوبة من حيث الامتداد وحدود الغاية المرادة.

وبذات الوقت يعيش صراعات بداخله بين قوى الأنسنة الحاملة والحامية لكرامة الإنسان وحقوقة من خلال منظمات المجتمع المدني المتجادلة والمتكاملة مع الدولة الوطنية دولة الكل الاجتماعي التي أنجزت في هذا العالم وكانت بدايات تحققها بالقرن السابع عشر، حيث شكلت عتبة من عتبات التطور والتقدم الإنساني، ومحطة لابد من المرور عبرها لأي تجمع بشري طامح وعامل لإنتاج وجوده والارتقاء في بناه الفكرية والسياسية والاجتماعية وغيرها، وليضع قدمه على السكة الحقيقية للتطور والتقدم.

كما أن هذه البنى المتمثلة في المؤسسات المدنية، التي تشكلت وفق دساتير دولها الوطنية وتعمل ضمن قوانينها الحامية لها والمساعدة في نمائها وتطورها، التي أضفت أبعاداً جديدة على طبيعة التناقض الأساسي وتحوله من التناقض بين الرأسمال والعمل كما قالت به الماركسية وخاصة الماوية منه ليصبح بين قوى الإنسانية والأنسنة الحامية لكرامة الإنسان وحريته وليصبح أيضاً المعيار الأساس في حضارة الأمم والهم الأساس في صيرورتها. وهذا ما أشار إليه سقراط قبل ما يقارب خمسة قرون عندما انتقد المفكرين والباحثين في ذلك الزمن على اقتصار تفكيرهم بالشجر والحجر وعدم تفكيرهم بالإنسان كما أشار العديد من الفلاسفة الآخرين، الذين أطلق على فلسفاتهم “المثالية” بدءاً من فلاسفة الإغريق مروراً بالآسيوية والأوروبية الحديثة التي صيغت ضمن مقولات الخير والشر، والفضيلة والرذيلة وغيرها الكثير التي تشكل قيماً إنسانية، وكلها تعني البنية الذاتية للإنسان، التي تشكل أساساً في مكوناته الذاتية.

لقد أعطتنا التجربة السوفييتية دروساً مهمة لابد من ملاحظتها والاستفادة منها، سأتناول بعضاً منها.

إن عملية التطور والتقدم الإنساني لا تفرض تحت أي مسمى بل تتم بعمل تراكمي وتحولي ضمن مسارات متعددة ووفق قوانين الجدل، ويشكل الإنسان بأبعاده الإنسانية جوهر الصراع وغايته وهو الوسيلة ومنه الانطلاق.

وقد ثبت أن طبيعة الصراع التناحري وأشكاله القائمة على العنف تحت العديد من المسميات المستمدة من مقولة الصراع الطبقي، لا يفضي إلى التقدم بل على العكس يعيقه ويضر به، بينما الصراع السلمي القائم على الحريات العامة والفردية التي تتيح لكل الناس الإدلاء بآرائهم وتحديد مصالحهم والسعي لتحقيقها بحرية كاملة ومسؤولة بعيداً عن الأهواء والرغبات الذاتية الضارة في مصالح الآخرين وتعيق علاقة التكامل بين الأنا والآخر التي تعتبر إحدى ركائز العمل الإنساني في إطار دولة وطنية وقوانين تضمن هذه الحريات، هو الأكثر صحة والأسلم في تحقيق عملية التقدم.

إن الشعار الأكثر جدوى الآن هو أيها القوى المحبة للسلام اتحدوا.

بذلك يصبح الانقسام بين القوى العاملة من أجل بناء عالم إنساني وتعزيز وتطوير قيمه بما يعزز من مكانة الإنسان ويفتح أمامه كل دروب الارتقاء والتقدم والإبداع لتحقيق ذاته وبناء عالمه، وبين القوى الساعية لتحقيق رغباتها وأهوائها ومصالحها قوى الجشع الرأسمالي والتخلف الذي يشكل ساحة نماء قوى الاستبداد والطغيان التي لا ترى إلا ذاتها ومصالحها النفعية الضيقة.

هذا الانقسام يشكل أساس التناقض الأساسي وعلى ضوئه تفهم عملية التحرر والتقدم بكل أطرها المعرفية والفكرية والوطنية بأوجهها المتعددة وخاصة في الساحات التي مازالت دون الدولة الوطنية التي تسيطر عليها قوى الاستبداد.

إن تحالف القوى الناهضة والعاملة من أجل بناء الدولة الوطنية في بلدانها وقوى وتنظيمات المجتمع المدني في البلدان الديمقراطية ودولها، شرط أساسي للانتقال إلى لغة العقل والعقلانية والتعقل والاعتماد على قوة الكلمة والطرق السلمية وحماية الحريات العامة والفردية وصون العملية الديمقراطية وسلامة مساراتها ونفي كل الأساليب السابقة ومرتكزاتها المعرفية والثقافية والسياسية، وهذا يساعد في تسريع عملية بناء الدولة الوطنية وبنى المجتمع المدني والانتقال إلى من التخلف وفكره إلى الحداثة وأفكارها وبناها.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني