fbpx

مستقبل العلاقات بين تركيا ونظام الأسد

1 5٬320

من حقّ السوريين أن يقلقوا على مصيرهم وأمانهم بعد كل التقصير والخذلان الذين واجهوه عبر ثلاثة عشر عاماً انقضت من عمر الملحمة السورية، ومن حقهم أيضاً أن يرووا نهاية سعيدة لمشوار كفاحهم، ومن أبسط حقوقهم عودتهم الى ديارهم ومنازلهم، ويدركون أنّ هذا لن يحدث قبل سقوط نظام الأسد، وإن كان ذلك مُتعذّر عسكرياً وفق الأوضاع الحالية، فإنهم يأملون باستمرار عزله والضغط عليه وعدم السعي لإعادة تدويره على مبدأ عفى الله عما مضى، ومقولات الدول ليست جمعيات خيرية ولها مصالحها وتتعامل وفقاً لمقتضياتها، حيث مازال مشهد حضور الأسد لقمتين عربيتين ماثلاً أمام أعينهم، واحتضانه من قبل زعماء كانوا من داعمي الثورة ومن أشدّ المطالبين برحيله.

ولتركيا خصوصية كبيرة عند السوريين، فهي الدولة الوحيدة التي مازالت تدعم الثورة السورية ومسؤولة عن مصير عشرة ملايين سوري سواء كانوا في داخلها أو في مناطق الشمال السوري، وتقوم بعض من قواتها العسكرية بالتواجد داخل الأراضي السورية للمساعدة في حمايتها إلى جانب قوى الثورة العسكرية.

وللسوريين كل العذر في استحضار تجربة مريرة حدثت مؤخراً مَرّ بها الجنوب السوري ابتداءً من صيف 2018، حيث كانت نهاية كارثية للدعم العربي والأمريكي للجبهة الجنوبية، عندما تمّ إيقاف الدعم العسكري عن الفصائل، وقيل للناس إما أن تقبلوا بتسويات ومصالحات مع الأسد وتدخلوا حظيرته وتستسلموا لجلادكم لينظر في أمركم، أو تركبوا الباصات الخضر في رحلة من الجنوب إلى الشمال تُشابه سير نهر العاصي (المخالف للقوانين الطبيعية والعاصي لها) وأنتم مثله المخالفون للواقعية السياسية والعاصون على المصالح الدولية.

ولازال أهل الجنوب السوري يعانون من نقطة التوافق الإقليمية والدولية التي حدثت على حسابهم، وبالطبع فشلت تلك الخطوة فشلاً ذريعاً وأثبتت عجز الروس ونظام الأسد عن تَحمّل مسؤولية نجاح أي تجربة لعمل مصالحات جزئية في منطقة ما، ويمكن تعميمها (فيما لو نجحت) على كامل الملف السوري فيما سمي وقتها تكليف الولايات المتحدة ومن خلفها الكثيرين للروس لإنجاز حل مقبول، بعد السماح لهم بتغيير المعادلة العسكرية على الأرض بعد عام 2015.

في الشمال لا باصات خضر، ويُدرك أهله أنّ تلك البقعة المحررة من دنس عصابات الأسد والميليشيا الإيرانية ستكون إمّا نقطة الانطلاق لتحرير سوريا كلها، أو الموت فيها دفاعاً عَمّا آمن به الناس وخرجوا لأجله.

ومنذ اجتماع قمة أستانة في طهران صيف 2022، برزت للعلن وساطة روسية لإصلاح العلاقات بين أنقرة ودمشق، وكان المسعى الروسي يهدف إلى تعميق الشرخ بين أنقرة وواشنطن إثر رفض الأخيرة لعملية عسكرية تركية جديدة في شمال شرق سوريا، حيث كانت قد مرت شهور على الغزو الروسي لأوكرانيا وبات الصراع مكشوفاً بين موسكو وواشنطن، وكانت الأولى تريد تسجيل نقاط لمصلحتها على حساب واشنطن في الملف السوري عبر استمالة القيادة التركية لجانبها وتخريب أساس الموقف الأمريكي من الملف السوري وجوهره تطبيق القرار الدولي 2254 والذي هو بمضمونه وأهدافه جمع المعارضة والنظام على طاولة سياسية واحدة، وهو ما يريد الروس سحبه من الأمريكان وإنشاء تلك الطاولة برعايتهم وليس برعاية دولية.

ونعلم أنه منذ عامين تقريباً لم يحصل أيّ تَقدّم حقيقي في ذلك المسار، وكانت التصريحات التركية حامية في مواسم الانتخابات، وبعد انتهائها نامت تلك التصريحات والمواقف نومة أهل الكهف، ثم عادت لتصحو من جديد، فما هي أسباب تلك الصحوة؟ وقبل الإجابة على هذا السؤال لابدّ من استعراض أساسيات أو بديهيات المواقف الدولية والإقليمية والمحلية المُتدخلة والمؤثرة فيه.

حقيقة المواقف من التطبيع بين أنقرة ودمشق

1- الموقف الشعبي السوري

لا توجد خلافات في الموقف من أيّ تَحسّن في العلاقة بين تركيا ونظام الأسد، فهو مرفوض جُملةً وتفصيلاً، ولا يُعتبر ذلك بالطبع تدخلاً في قرارات سيادية للحكومة التركية بل لأنّ جوهر الخلاف بينهما هو مناطق الشمال السوري والدعم التركي للجيش الوطني والحماية التركية لتلك المناطق، وكان موقف السوريين واضحاً من إدانة الانفتاح العربي على الأسد، وافتتاح السفارات بينه وبين كثير من الدول، وشجب السوريون ذلك التحوّل واعتبروه خنجراً في خاصرتهم ونُكراناً لتضحياتهم وتسويغاً شرعياً لجلادهم ومكافأة له، لكن تلك الدول العربية لا تملك خصوصية وحيوية وتأثير الموقف التركي في الملف السوري، أيضاً عَبّر السوريون عن رأيهم في مسار العلاقة بين أنقرة ودمشق إثر الإعلان عن ذلك في صيف العام 2022 بعد تصريحات رسمية ومفاجئة من وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو وقتها، حيث خرجت المظاهرات في الشمال السوري وفي بلاد الاغتراب والمنافي ترفض تلك السياسة التركية والتي ستترك آثاراً سلبية على السوريين المعارضين للنظام.

2- الموقف التركي:

يدرك الأتراك أنّ الأسد هو المشكلة ولن يكون جزءاً من الحل، وأنّ الأسد هو وراء التأثيرات السلبية للثورة السورية على الداخل التركي وأنه كان وراء خلق أهمّ مشكلتين تواجههما تركيا وهما:

قضية اللجوء والنزوح السوري

العنف المفرط الذي صَبّه الأسد على من ثار عليه حيث كان من أهدافه تهجير أكبر عدد ممكن من السوريين إلى تركيا والشمال السوري وبالتالي انفجار تلك القنبلة في الحضن التركي وإجبار تركيا على تحمّل مسؤولية عشرة ملايين (في الشمال السوري وتركيا) من الهاربين من جحيم الأسد، وسَدّ كل الذرائع لعودتهم عبر رفض أيّ مقترح للحل، أو خلق بيئة آمنة لعودتهم، وبالتالي فإنّ بقاء الأسد في السلطة لن يُتيح عودة لاجئ واحد إلى دياره، وهذه من البديهيات ليس عند الأتراك فقط بل عند الجميع.

قضية إرهاب حزب العمال الكردستاني

كان الأسد هو الداعم الأكبر لقوات ذلك الحزب، ويعلم الجميع كيف تمّ تشكيل الفرع السوري لحزب العمال التركي في عام 2003، وكيف تمّ تسليمه لمناطق شاسعة من الحسكة وعفرين وعين العرب بين عامي 2012 و2013 كذراع أمني للنظام، والاشتراك معاً في الحرب على الثورة السورية، ويعلم الأتراك أنّ لا أمل يُرتجى من محاولة إيقاع الوقيعة بين المعلم وأجيره.

3-موقف نظام الأسد

لا يرغب نظام الأسد بأيّ تطبيع للعلاقات مع تركيا، ويطرح سقوفاً عالية (تعجيزية) وهو غير مستعد للوقوع في مطبّ احتواء ملايين المعارضين الشرسين لحكمه، بعدما قال علناً بأنه بذل جهوداً جبارة للوصول إلى مجتمع متجانس نواته الصلبة قطيع الأسد والبقية من المغلوبين على أمرهم، حتى إنه وبظلّ الوضع الكارثي للحالة الاقتصادية والمعيشية لاقتصاده فهو غير قادر على العناية بشؤون تلك الملابين وتأمين احتياجاتهم الدنيا في ظل ربط المجتمع الدولي إعادة الإعمار ورفع العقوبات بالحل السياسي، وورقة اللجوء من أهمّ الأوراق التي بقيت في يد الأسد للضغط بها للحصول على مكاسب سياسية ومنافع اقتصادية، ومناطق الشمال السوري فقيرة بالموارد الطبيعية وغنية بالمعارضين له وتلك المعادلة ليست في صالحه.

ما يهم الأسد لإنعاش اقتصاده آبار النفط والغاز شرق الفرات وبقية الموارد الأخرى، وهي هدفه الرئيس.

كما أنّ الأسد ومسؤوليه وأبواقه دائماً ما يصفون الوجود التركي بالاحتلال، وغير مستعدين لإضفاء الشرعية على هذا الحضور العسكري عبر شرعنته بوجود خارطة طريق للانسحاب، مع العلم أن الشرط التركي والمعلن للانسحاب يعرفه الأسد جيداً وهو بعد الحل السياسي وتحقيق الاستقرار في سوريا الموحدة الجديدة بدون الأسد، حيث لا أحد يريد تجربة الأردن على حدوده.

4- الموقف الإيراني

موقف الإيرانيين من إصلاح العلاقة ببن دمشق وأنقرة معروف، فالرغبة الإيرانية هي بتطبيع عربي مع الأسد يقويه بينهم وفي المنطقة وداخل سوريا، ويؤدي تالياً لمنافع اقتصادية ومساعدات مالية ويقوي محور (المقاومة) ويجعل من وجوده في الساحة العربية أمراً عادياً، وهذا غير متوفر عند الأتراك الذين يملكون قوى ناعمة ونموذج سياسي واقتصادي مقبول من كثير من السوريين، وهذا منافس حقيقي للنموذج الإيراني الثقافي والديني والاقتصادي الذي سيخسر المنافسة مع النموذج التركي، حيث يَمقت معظم السوريين النموذج الإيراني ويعرفون ماذا حلّ بالدول التي تمدّد لها هذا النفوذ.

ويعلم الجميع تعطيل الإيرانيين للمنصة الروسية الثلاثية مع النظام والأتراك، عندما انضموا إليها لاحقاً لتعطيلها من الداخل بعد أن وصلت الجهود الروسية للاتفاق على جدول لقاء قمة مرتقبة بين أردوغان والأسد، ومن غير المقبول لدبهم تجاوز أنقرة وموسكو لطهران ووضع المعارضة والنظام في حوار على طاولة واحدة وبدونها، وعملت وستعمل لاحقاً على إفشال أيّ مسعى لإصلاح تلك العلاقات.

5- الموقفان الأمريكي والروسي

 في ظلّ الصراع الصفري والمحموم بين موسكو وواشنطن وساحته العالم أجمع، ولكون سوريا من أهمّ تلك الساحات فسيسعى كل طرف لتخسير الآخر في هذه الساحة، ولن يسمح أحدهما للآخر بتسجيل نقاط عليه، وبما أنّ مشروع المصالحة هو روسي ويهدف إلى تقديم روسيا (المتهمة هي ورئيسها بارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا وتوجد مذكرة لإلقاء القبض على بوتين صادرة عن محكمة الجنايات الدولية بهذا الخصوص، وصدور مذكرة مؤخراً عن تلك المحكمة بحقّ الجنرال غراسيموف رئيس أركان الجيش الروسي) لن يتمّ السماح لروسيا ورئيسها بالنجاح في تحقيق اختراق صراع دولي يجري في سوريا ركناه المحليان المعارضة والنظام، لذلك لن توفر واشنطن أيّ جهد لها في سبيل إفشال تلك المساعي الروسية.

لذلك ووفقاً للمعطيات الحالية لن يُكتب النجاح لهذا المسار لأنّ حل القضية السورية ليس بين تركيا ونظام الأسد، بل هي قضية دولية بامتياز، وتُشكّل سوريا حجر الأساس في كل الاستراتيجيات المتصارعة الآن، ولا أحد يستعجل مصافحة رئيس جمع العار من أطرافه الثلاثة، فهو أول رئيس دولة يكون في منصبه وتصدر مذكرات توقيف بحقه من دولة أخرى ويُعمم اسمه على شبكات الإنتربول الدولي كمجرم حرب، وهو أول رئيس دولة يصدر باسمه الشخصي قانوني كبتاغون 1و2 من الإدارة الأمريكية كمُصنّع ومهرّب أول للمخدرات في العالم، وهو أول رئيس يستعمل الكيماوي ضد معارضيه من المدنيين داخل بلاده.

1 تعليق
  1. Md khalifa says

    المؤلم والمؤسف لما يصدر من قرارات واتفاقيات وتفاهمات ،
    أنها ليست من صنع السوريين أنفسهم .

    السوريون مجرد أدوات بأيدي أطراف الصراع ، الذين يبحثون عن مصالحهم
    ولو على حساب سوريا وشعبها .

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني