fbpx

مدارس دمشق وجامعاتها بلا تعليم وبلا تدفئة

0 280

اطلب العلم من المهد إلى اللحد واطلب العلم ولو في الصين مقولات غرست فينا منذ نعومة أظفارنا لحثنا على التعلم والدراسة. لأنه بالعلم وحده تبنى الأوطان وتسمو الأمم وتزدهر الحياة، فلا حياة ولا مستقبل دون العلم، لكن لم يخطر ببال أحدنا أنه قد يأتي يوم ويصبح طلب العلم هو مهمة صعبة. فلطالما كانت البلدان تقدم الدعم الأكبر لقطاعي التعليم والصحة، لأنهما يعدان واجهة الدولة والمقياس الأول لتطورها وتحضرها، إلا أن سوريا كما اعتادت دائماً في عهد النظام الحالي أن تكون شاذة عن أية قاعدة. كان القطاعان السابقان آخر اهتمامات الدولة بل كانا مهملين تماماً وكانت جل مقدرات الدولة ذاهبة باتجاه واحد ألا وهو هو الجيش والأمن وبناء السجون وتبديد ثروة البلد في إحكام قبضة آل الأسد على الدولة كما هو الحال في كل دول العالم الثالث الخاضعة لأنظمة مستبدة.

فالجامعات في دمشق ذات الأبنية والمقدرات البدائية لم يطرأ عليها أي تغيير منذ سبعينيات القرن الماضي وفي كثير من الأحيان لا تستطيع القاعات والمدرجات استيعاب الطلاب وأصبح من المعتاد أن ترى طلاباً وطالبات يفترشون أرض المدرج أو القاعة أثناء المحاضرات، بالإضافة إلى المعدات التي تكاد تكون غير صالحة للاستعمال كتلك الموجودة في الكليات العملية كالطب وطب الأسنان والصيدلة التي أصبح الطلاب اليوم المسؤولين عن جلبها وإصلاحها وإلا سيحرمون من إتمام أعمالهم، أما الكادر التعليمي فحدث ولا حرج، فبعد أن ساهمت الحرب في هجرة جزء كبير من أساتذة الجامعات أصبح هناك نقص كبير وأحياناً يضطر أستاذ واحد لإعطاء أكثر من مقرر جامعي، أو معيد لم ينه دراسته بعد يحاضر ومسؤول عن مصير آلاف الطلبة.

أما الوضع الأكثر مأساوية هو في المدارس بمختلف مراحلها، بداية بالنقص الشديد جداً في الكادر التدريسي وإسناد مهمة التدريس لطلاب جامعيين باختصاصات تختلف عن الاختصاص الذي يدرسوه فتجد طالباً يدرس في فرع الجغرافيا ويقوم بتدريس مادة الفيزياء كما هو الحال في مدارس ريف دمشق، إضافة إلى العنف المفرط في المدارس الذي كانت تتميز به سوريا حتى قبل الثورة، ومع أن هناك قوانين تمنع العنف والضرب في المدارس إلا أنه مازال منتشراً وبشكل كبير وخاصة الآن في ظل غياب المحاسبة وخاصة في المدارس الابتدائية دون وجود رادع أو حماية للأطفال، ومع دخول فصل الشتاء ازداد الوضع سوءاً فمع الانخفاض الشديد في درجات الحرارة التي وصلت في بعض المناطق إلى دون الصفر تجد الأطفال في الصفوف يرتجفون من البرد في ظل غياب أي وسيلة من وسائل التدفئة نظراً لانعدام مادة المازوت وعدم وجود كهرباء لاستعمالها كبديل في التدفئة ما اضطر بعض الأهالي لإرسال أغطية صوفية مع أطفالهم إلى المدرسة لاستعمالها في التدفئة، وقد أخبرتنا الطالبة (ل.ع) طالبة في إحدى مدارس ريف دمشق الثانوية أنهم بالفعل قاموا باستعمال الأغطية الصوفية السميكة في المدرسة نظراً للبرد الشديد والنوافذ دون زجاج في صفهم وقد قامت إحدى الطالبات بنشر الصورة على مواقع التواصل الاجتماعي ما جعل المديرة تمنعهم من إدخال الأغطية وطلبت منهم أن يرتدوا ملابس أكثر سماكة، أما في مدرسة أخرى فقد قام الطلاب بإحضار علبة مصنوعة من الحديد يطلق عليها في سوريا اسم (تنكه) ووضعوا فيها خشباً وقاموا بإشعالها داخل صفهم للحصول على القليل من الدفء.

واقع التعليم يشبه إلى حد كبير واقع الدولة، تآكلت أساساته وبدأ بالانهيار فوق رؤوس الشعب، دون أي ردة فعل من أحد سواء كان سلطة عليا أو دنيا وانهيار المنظومة التعليمية يعني ضياع لمستقبل سوريا وتبديد لعقول أبنائها، ولكن من قتل ودمر وشرد هل سيستشعر خطورة الموقف ومآلاته الجواب الأكيد لا، ولسان حاله يقول فليبق موجوداً وليذهب الشعب وحاضره ومستقبله إلى الجحيم فهو إلى حد كبير يشبه واقع سوريا الآن.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني