مبادرات متعددة
تتطلب الحالة المأساوية التي نعيشها تحركاً ينادي به الكثيرون من أبناء الوطن، لذلك نشهد تكاثر مبادرات إنقاذ ينطلق معظمها من الحرص على استمرارية الثورة، رغم ما تعانيه من فشل وتمزق.
السؤال الذي يطرح نفسه هو كيف ومع من؟؟
لابد أن نبدأ من وعي الحالة أولاً، وأسباب ترديها ومن ثم رسم الخطوات: خطوات أساسها تحديد الثوابت وكون أي انطلاقة يجب أن تحكمها بوصلة ثابتة التوجه في كل الخطوات. وذلك عبر تصور واضح وشفاف للدولة المنشودة.
يتفق معظمنا على معادلة الدولة المدنية، دون تحديد أسسها التي تبنى عليها بوضوح، الحرية، ديموقراطية التمثيل والتداول، دور المرأة المركزي، العدالة الاجتماعية، رفض التطرف بكل أشكاله، رفض الحل المسلح، الحل السياسي، رفض تسييس الدين، ونقاط أخرى مكملة لدولة حرية منشودة..
كل هذا يجب أن يحيط أهم النقاط المرحلية والمستقبلية. أي:
استعادة – أكرر استعادة – وحدة الشعب والوطن، نظراً لحالة التمزق الذي نعيشها جميعاً عبر التمسك ببوصلة التوجه التي تؤمن صحة خط المسيرة.
وحدة الوطن والشعب هي القاعدة التي يمكن عبرها الوصول إلى دولة الحرية، وبدونها لن توصلنا خطواتنا إلى دولة، مهما غطيت وبررت بشعارات ديموقراطية محلية، ولن نتمكن من مقاومة القوى الأجنبية المحتلة.
كيف نبدأ:
علينا تخطي أسلوب الفزعة، بتجمعات من الألف إلى الياء، وذلك عبر الاتفاق على الثوابت التي ذكرتها.
- استعادة ثقة المعارضة المنسجمة ببعضها.
- استعادة ثقة الناس بالمعارضة.
كل هذا يتطلب إيجاد كتلة صلبة منسجمة تستعيد الثقة بنفسها، وثقة الناس بها، دون النظر حالياً إلى العدد والأسماء المشهورة كمنطلق.
هنا لابد من الوقوف أمام التجارب السابقة الفاشلة، بدءاً من المعارضات (الرسمية)، وصولاً إلى التشكيلات السريعة الواسعة التي لا ترابط بينها سوى إسقاط النظام وفشل المعارضات (الرسمية) التي يسهل نقدها.. لم يعد هذا كافياً لمواجهة مأساتنا.
إذن يجب البحث والعمل على كتلة (نواة) صلبة منسجمة منظمة، تؤسس لتجمع مستقل القرار أولاً ملتزم ببوصلة التوجه، أي استعادة وحدة الوطن والشعب، واستعادة ثقة الشعب.
تفرض هنا حالتان وموقفان، أولهما التخلص من النظام ومن الاستعمار المركب وأن يكون الولاء للوطن، وليس للخارج أو الانتماءات القومية المنغلقة والدينية أو المذهبية، ولا يمكننا التخلص من كل هذا دون وحدة الشعب والوطن.
أن يصبح هذا التجمع قوة تستند على ثقة الشعب بها، إذ لا يمكن لأي تجمع خوض الترتيبات الدولية والإقليمية مدافعاً عن دولة الحرية والعدالة إن لم يتمتع بقوة ذاتية، مرتكزة على انسجامه وثقته بنفسه وثقة الناس به، قوة يمكن حينها ومن خلالها لعب دور المدافع عن حقوق الشعب وتطلعاته محلياً ودولياً. لا ما عهدناه من تجارب لتجمعات أرادت لعب دور الممثل لإرادة الشعب وهي لا تملك إلا تنظيمها الذاتي المنعزل عن المعارضة وعن ثقة الشعب بها (واعترافات) دولية كاذبة متغيرة وفق مصالحها، لم ولن تلتفت يوماً للقضايا الإنسانية ولمآسي الآخرين إلا بما يتفق مع مصالحها.
امتلاك الحقيقة لا يعني فوزها، كما لا أستغرب أن تترك سورية وشعبها لمصير أسود مجهول. يكفينا هنا واقع ضياع قضية الشعب الفلسطيني منذ سبعين عاماً. رغم الاعترافات التي لا تقدم ولا تؤخر.
معارضات أصبحت أداة تنازلات بـ/أو بدون رغبتها
كيف نبدأ:
هل يمكن لتجمع يضم ما هب ودب، أو تجمعات وأشخاص جربناهم وفقدوا عملياً ثقة الناس بهم، بذنب أو بدونه، هل يمكننا البدء من هنا؟
أم علينا البحث عن نواة صلبة متفقة في الرؤى، وإن اختلفت مع المزاج العام والتمزق الذي خلفته النتائج التي وصلنا إليها.
نواة تكون بداية التوسع والتوافق والقوة، لا توسعا كبيراً وعددياً منذ البداية، يحمل في أعماقه جراثيم تفككه.
نواة ُتراكم إيجابياتها انطلاقاً من التجربة والممارسة وتصليب الذات والخطوات والمواقف، فالمعركة طويلة.
تجارب كثيرة، مثل هذه، مررنا ونمر بها أثبتت فشلها.
أعود هنا للحالة الثانية، وحدة الوطن والشعب يعني كل الوطن وكل الشعب، أي التوجه نحو كل أبناء الوطن، إلا من توسخ بدماء الشعب.
أصبحت المأساة تغطي كل أبناء الوطن، وكلنا خاسرون.
فقط تجمع متماسك يحظى بثقة الناس يسمح لنا بعمل تضحيات أخرى. إذا كانت نتيجتها الخلاص من النظام ومن المأساة، فقد أصبح الآن رغيف الخبز جامعاً.
لا بد من العمل على إيقاف الموت والدمار كي نستطيع بدء الخطوات نحو التغيير، عمل يتوازى ويتماشى مع تقوية هذه المعارضة المنشودة ودورها.
لم يعد للنظام إلا تجار الحرب المنتفعين والأجهزة الأمنية التي اختارت موت الجميع كي تستمر في سيطرتها.
هناك عملياً مافيا تمارس كل أساليب الموت والدمار كي تستمر في مكاسبها، وشعب لا يجد من يلجأ إليه.
تتردد كثيراً فكرة مؤتمر وطني، المؤتمر الوطني نتيجة وليس بداية.
فإذا لم تكن هناك، في هذا المؤتمر أو غيره، قوة (نواة) صادقة تستطيع جذب الآخرين نحو حل واضح، إذا لم توجد مثل هذه النواة، بكل مواصفاتها التي ذكرتها، فإننا سنعود ونعيد من جديد نفس التجارب التي عرفناها ومررنا بها.