fbpx

ماذا بعد… ومالعمل

0 1٬224

ها هي ذي الثورة السورية تدخل عامها العاشر، وهي في أسوأ حال، ورغم أنَّ مراجعات كثيرة جرت لها منذ سنوات إلا أن انحدارها مستمر على غير صعيد.. (السياسي والفصائلي والهيئات القيادية سواء ما يعرف بالائتلاف أم بهيئة التفاوض إضافة إلى منظمات المجتمع المدني وسوى ذلك) ربما ثمة منظمات حقوقية استطاعت أن توصل صوتها إلى الأمم المتحدة وتأمل أن تحقق شيئاً من العدالة لضحايا الحدث السوري الذي لم يشهد مثله العالم منذ الحرب العالمية الثانية ولم تشهده سورية في تاريخها الحديث..
كان الأمل أن تحقق الثورة أهدافها خلال زمن سريع كما هو الحال الذي مرَّ ببعض بلدان الربيع العربي ولم يكن أحد ليتوقع أن يواجَهَ الشعب بالوحشية التي شهدها العالم أجمع وظل صامتاً عليها، علماً بأن ضحايا تلك الوحشية فاقت ضحايا فايروس كورونا أضعافاً مضاعفة رغم أنَّ كورونا لم تولّد تلك الأحزان البشرية ولا عذاباتها..! ومن هنا يمكن للمتابع القول: إن النظام القائم منذ سبع وأربعين سنة حتى العام 2011 مؤيد من الدول العظمى بما فيها إسرائيل “عدوه الرئيس” بحسب ما يعلن.. ولعلَّ ذلك كله جعل الشعب السوري المفعم بالوطنية يصمت على القمع والفساد سنين طويلة.. ولكنه حين هبت رياح الربيع العربي لم يتوان فهبَّ معها، وفي اعتقاده أن الدولة، واستناداً إلى ما حدث في تونس ومصر، ستستجيب إلى مطالبه المحقة وهي معروفة لدى الشعب وحاكمه، وكان بعضها يطرح على نحو علني خاصة فيما يتعلق بالفساد وبتخلف أنظمة التعليم، وقطاع الخدمات عموماً، أما الشعارات السياسية فكانت تطرح همساً أو تلميحاً في زوايا بعض الصحف.. وربما طرحت في بعض المؤتمرات الحزبية “البعثية” في أوقات متأخرة..!
ورغم أنَّ شعار “الأسد أو نحرق البلد” أتى في وضوح هو الوقاحة بعينها.. إلا أنَّ الشعب لم يأخذه على محمل الجد إذ هو شعار ما فيه شيء من العقلانية أو التفكير السليم.. لكن ما حدث فعلاً فاق كل تصوُّر إنساني إذ أظهر النظام كل ما ينطوي عليه الاستبداد من قسوة واستعلاء في ممارسة عدوانه على الشعب..!
لا أريد الاستفاضة في أمور باتت مكشوفة للجميع ولكن الأمور وصلت إلى درجة فقدَ الشعب السوري معها قراره الوطني..! وهذا الأمر صار من البديهيات، وانتقل الذين تصدروا المشهد من الشعارات الكلية (الحرية والديمقراطية والدولة المدنية إلى جزئيات تافهة فرضها الصراع والتدخل الأجنبي) وأخذ ذلك في الظهور منذ الإقرار بالتسلح وإفراغ الساحة من احتجاجها السلمي والجري خلف الفصائل المسلحة التي تتخذ قرارها من داعميها.. إضافة إلى ذلك ورغم وحشية النظام وفتكه بالمتظاهرين لم تستطع المعارضة أن تشكل جسماً واحداً أو روحاً واحدة بل تشرذمت وتفتت ونال بعضها من بعض! ولم تكتف بذلك إذ ساهمت في تفتيت المجتمع حين طغت مصالحها فوق كل اعتبار فذهبت إلى قطف الثمر قبل نضوجه وتبين أنها فِرَقٌ وفي رأس كل فرقة أو فريق موال ما يريد أن يجهر به.. فهذا طائفي وذاك قومي وثالث ذو ثأر قديم على استعداد أن يبيع البلد مقابل مساعدته على ثأره ورابع قد باع نفسه مسبقاً وهكذا تراكمت العوامل لمن كان ينتظرها وهو النظام الذي أضافها إلى ما يمتلكه من أوراق ومع ذلك ورغم مضي تسع سنوات حصل فيها ما حصل فإن جذوة الثورة لم تنطفئ فأهدافها في الحرية والديمقراطية لم تزل في أذهان ملايين المشردين في المخيمات والمنافي، وفي الداخل السوري تنضج أسبابها في صدور الملايين الذين يعانون فقدان أبسط شروط الحياة.. وفي المقابل فإن النظام قد تفاقمت لديه أزماته أكثر مما كان لديه قبل الاحتجاجات الشعبية في 2011 إضافة إلى أنه اليوم لا يستطيع الزعم بأنه يملك قراراً ما.. إن أفضل ما يملكه اليوم هو التوقيع على اتفاقيات يعدها أصحاب الشأن من المتدخلين الأجانب تقتضي بتسليمهم هذا الجانب أو ذاك من البلاد سواء تعلق بشأن اقتصادي أو بمنطقة نفوذ سياسي أو ديني ولا شك في أن مخابرات هذه الدولة أو تلك تفعل فعلها بشراء ذمم بعض الشخصيات النافذة التي تسهّل لها أمورها..!
ويمكن القول بالوضوح كله إن طرفي الصراع: نظاماً ومعارضة، وصلا في النتيجة إلى تمكين الأجنبي من القرار السوري تحت عناوين مختلفة.. وقد فشلا في تحقيق أهدافهما فلا المعارضة التي ارتضاها الشارع السوري في البدايات (المجلس الوطني يمثلني) لقيادة العمل الوطني المستقل. ولا النظام الذي في ذمته اليوم تدمير سورية بشراً وحجراً وتاريخ شعب متآلف على مدى قرون وعلى الشعب اليوم أن يعيد كل ما تهدم بعد أن يكنس هؤلاء وما خلفوه ولا شك في أن التأسيس لبناء إطار وطني شامل يجمع السوريين كافة، ويسترد قراراهم الوطني المستقل. صحيح أن الطريق إلى ذلك صعب وشاق وخصوصاً بعد أن دب اليأس في النفوس ولكن لا سبيل إلى غير ذلك وبديهية الحياة ومسارها الطبيعي يفرض ذلك ولعل البدء يكون في السعي الجاد نحو جمع هذا الشتات والهياكل السياسية الموجودة تحت سقف واحد قد يكون مؤتمراً سورياً يسعى إلى المحافظة على الهوية السورية، ويقف في وجه سايكس بيكو جديدة أبطالها الروس هذه المرة، وهم الذين خرجوا من الأولى خاليي الوفاض، في زمن غير هذا الزمن.. يشير إلى ذلك تلك الوحشية المستخدمة ضد الشعب السوري..
قد لا تكون الفكرة ناضجة تماماً.. لكن السوريين الموجوعين اليوم قادرون بأطيافهم المتعددة، وبكثرة شخصياتهم الوطنية العامة، في الداخل والخارج، من مفكرين ووجهاء ورجال أعمال ورجال دين مستقلين لم يلوثهم الدين السياسي ولا أنظمة الاستبداد.. إضافة إلى التنظيمات السياسية القائمة غير تلك التي أنشأتها مخابرات النظام أو قامت بدعم أو إيحاء من دول لها مصالحها..
إنَّ مثل هذا المؤتمر الوطني الجامع، إذا ما عقد وبالشكل الشامل المستقل، وأوصل صوتاً واحداً باسم السوريين إلى الأمم المتحدة ومنظماتها كافة قادر على المساهمة في تكوين حالة وعي وطني، وأظنه سوف يشكل عامل ضغط على الأطراف المتدخلة في سورية، وهو إنْ لم يأت بحل عادل وسريع للمسألة السورية، فقد يقود إلى جنيف والقرار 2254، وبذلك يكفُّ يد النظام عن العبث بسورية وشعبها، ويحرر قرارها من ارتهانه، وينهي معاناة الشعب السوري..!

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني