كدت أختنق، بعد عشرة أيام محجوزاً في البيت، لبست ثيابي مزمعاً الخروج، سألتني زوجتي: إلى أين؟
– إلى الفضاء الواسع حيث تقودني قدماي.
– أنسيت أن جيبك تصفّر منذ أسبوع؟
– نعم، لم أنسَ، دعيني أروّح عن نفسي برؤية الناس.
– ابتسمت.. دربٌ تأخذك مني تردّك لي سالماً.
أحسست أن الدنيا تغيّرت، هل أنا في غير مدينتي؟ وهل عشرة الأيام امتدت دهراً، ومضت دون أن أدري أو أحسّ بها؟ الناس فرحون، تعلو أصوات ضحكاتهم، والباعة مستبشرون، وشباب بابا نويل يدقون نواقيسهم، والمشترون لا يساومون على البضائع، والأطفال يعبثون مع بعضهم، وبالوناتهم الملونة ترتفع عالياً. ربّاه هل أنا في حلم؟ سألت رجلاً: ما بال الجميع اليوم؟ أشعر أني في عالم جديد لم أعهده منذ سنوات وسنوات!!. ابتسم، ألم تسمع الأخبار؟
– صدقاً، منذ شهر ونيف لم أشاهد التلفاز، ولم أسمع الراديو، ولي عشرة أيام قابع في المنزل لم أرَ أحداً، وجهي في وجه زوجتي.
– ولماذا لم تخرج؟
– ولِمَ الخروج والجيب فارغة؟! والكهرباء تأتي ساعة في اليوم، يزورنا النور فيها مراراً غبّاً، وتدفئنا رحمة الربّ والبطانيات وكأس شاي ساخن.
– استبشر خيراً، ما تراه من ابتسامات فرح على الوجوه ما هي إلّا منحة الكريسماس التي فاقت المرتب أضعافاً.
– أستحلفك…، أتقول صدقاً؟؟
– سلِ الناس… تركني في حيرة ومشى..
تحسست جيبي، بطاقة المصرف تقبع في دفئها. لم أتوانَ، أسرعت إلى الصراف الآلي، الطابور طويل، انتظرت دوري، سحبت ما ملأ جيبي، ولأول مرّة استغنيت عن البضاعة الأوربية المستعملة، اشتريت لزوجتي فستاناً وحذاء وطنيين، وفاكهة وحلويات، وحجزت طاولة لشخصين على العشاء في مطعم، وهرولت إلى البيت ملكاً غير متوج.
عدت حاملاً مفاجأة سارة لرفيقة العمر. منذ ثلاث عشرة سنة لم أدعها لغداء أو عشاء أو سهرة خارج البيت. كم ستكون فرحة!!
فتحت الباب متمهلاً، وتسللت بخفة لص لأفاجئها بخبر المنحة الملكية، وبما اشتريت لها، وعلى ما نويت. خطوت الخطوة الأولى، لم أنتبه.. تعثّرتُ بعصا الممسحة. صرختْ من المطبخ: ما بالك؟ ألم تشاهدها؟
على صوتها صحوت أرتجف من البرد، ومثانتي تستصرخني، وتدفعني للنهوض قبل أن ينهار السد فأغرق بمائها. أسرعت إلى الحمام أسعفها وأسعف نفسي لينقذنا من معاناة شديدة…
شعرت، وأنا أفرغها، بسعادة كبرى تفوق سعادة الحلم، لقد نجوت من الغرق، ومن عتب أم العيال، وسخريتها، وأنا أصرف المنحة الملكية في المكان المناسب.