fbpx

كذبة نيسان April Fool

0 280

يتنفس العالم نسيم الربيع، إنه نيسان/أبريل شهر الخير والدفء بعد ثلوج الشتاء وبرده والانطلاق للحياة بأوسع الدروب، ألبسوه تهمة الكذب، ردّدتها الأجيال، رفضها ومازال يرفضها، كرر رفضه وكرروا كذبهم فصدّقهم، استبدوا به حتى طأطأ هامته.

الكذبة استبدت بهم، تناقلوها، انتشرت بين الجموع وعمت البلاد والقارات، احتفل بها العالم، صارت عيداً.

نعم للكذب عيد عالمي، يقول المثل العربي “الكذب ملح الرجال”، أما الصدق فليس ملحاً، الصدق كالسلام، كالمحبة لا يحتاج عيداً، ولا يحتاج احتفالاً، إنه ربيب فضيلة الأمانة، والفضائل لا عيد لها، أغمضوا عيونهم عنه وعنها، انزويا في ركن كهف، وما زالا يعيشان، يذكرونهم في الأمثال، يشجعون على التمسك بهما قولاً، ينظّرون باسمهما، ويدرسون التلاميذ قصص فضائلهما؛ لكنهم لا يمارسون العمل بهما فعاشا مكتومي النفس.

الكذب منبوذ، الكذب خيانة، الكذب رذيلة، الكذب عيب لا تقربوه، ابتعدوا عنه.

الكذب معصية تجنّبوها؛ لكن إذا وقعتم بها فاستتروا، الصدق فضيلة ونشرها حلال محمود، وبئس كتمها، وبقي حمدها قولا تستهلكه الألسنة، ولا تمتد إليه الأيدي.

عاش العالم الصدق كذبة محبة وسلام، لم يمارسها حقيقة وواقعاً، ومارس الكذب المنبوذ حقيقة وواقعاً، وجعل له عيداً ليداري سوءته في افتعال الآثام والتعدي على الآخر، أكبرها الحروب والنزاعات التي يعيشها منذ عصور الإنسان الأولى، دوّنها المؤرخون، وتغنّى بها شعراء المنتصرين، ومجدوا رجالها الأقوياء، وصوروهم فرساناً وأبطالاً لا يُشق لهم غبار فتحولوا مثلاً أعلى في العيون، وصُنعت لهم التماثيل.. نصبوها في الساحات، ووضعوها في واجهات المتاحف. وانزوى رجال السلام في الزوايا، والعظيم العظيم منهم قلما يتذكره الناس في جلساتهم إلّا مضرب مثل ليس غير.

عاشت كذبة نيسان/أبريل، وعاش العالم ومازال يعيش الحروب والنزاعات، عشق العنف، ونصب حبل المشانق للصدق والمحبة. كم من الرجال والنساء والأطفال الأبرياء يسقطون موتى في غمرة العنف، ويدفنون في مقابر جماعية في أنحاء عالمنا المضطرب، والمحظوظ من يجد قريباً أو صديقاً يبكيه، ويحتفي بجثمانه، ويدفنه بوقار في قبر معروف، ويكتب اسمه على شاهدة.

العنف هذا الغول الذي يجتاح عالمنا، وتسوّقه مصالح الدول الكبرى تحت راية الدعوة إلى السلم والأمن الدوليين، راية الكذبة/العيد التي يحتفلون بها مع دخان القذائف وغبار المعارك، ومع نزيف دم الأبرياء في دول شتّى ليهنأ القادة المنتصرون، ويجلسون على منابر من جماجم البشرية التي يتلاعبون بمصيرها.

متى يحين الوقت لوقفة مع الذات، مع مفهوم الإنسانية التي يضعون عنقها على النطع ويذبحونها يومياً؟ متى يستيقظ عالمنا من سكرة العنف، ويطوي كذبة نيسان؟ دعوة للأمم المتحدة، وهيئاتها، ومفوضيتها السامية لحقوق الإنسان، وللدول والشعوب آن الأوان لوقف نزف الدم، لقد ارتوت الأرض، صرخت حجارتها، وتأوهت تربتها مما يجري، وتناشدكم أصدقوا فيما تعهدتم به، ووقعتم عليه وصدّقتموه في ميثاقكم أنكم ستجنبون الأجيال المقبلة ويلات الحروب وآثامها، وتمحون آثارها، وتسعون لتحقيق السلام ليعيشوا بأمان، ويناموا مطمئنين على غد لا يسوده عنف، وتختفي منه الرايات الحمراء، وترتفع رايات التسامح والمحبة والألفة بين الشعوب على اختلاف أجناسها، وقومياتها، وألوانها، وعقائدها.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني