fbpx

قمة سوتشي التركية الروسية.. قمة مكانك راوح

0 342

لم يكن من السهل توقع نتائج القمة الأسطورية التي جرت بين السلطان والقيصر. والآن بعد مضي عشرة أيام على انفضاضها يمكن بسهولة معرفة ماذا تم بين الرجلين خلال أقل من ثلاث ساعات لم تكن مضنية أو شاقة بل كانت هدفاً بحد ذاتها وليس قمة لأهداف ترجى منها.

كان من المقرر إجراء قمة بين الرئيسين في الشهر الماضي وتم تأجيلها لعدم نضوج الظروف لعقدها بعد انقضاء سنة ونصف على آخر قمة جمعت بينهما. وانقضاء تبريرات جائحة كورونا التي أعطت ذريعة غير مقنعة لأي تأجيل لأي لقاء لم تنضج ظروف نجاحه بعد. لم تكن الأزمة بين تركيا وروسيا صامتة بل علنية وساخنة.

لم ينطل على المراقبين تلك التعابير الفضفاضة التي أطلقها الرئيسان بعد القمة على نتائجها من حيث أنها مثمرة وبناءة.

ولم يتوقع أحد أن قمة تعقد على انفراد بين رئيسين ومترجمين وتستغرق ساعتين من الوقت بعد اختصار عبارات الترحيب والمجاملة والسؤال عن الصحة وحالة الطقس وظروف الرحلة بالطائرة وضياع وقت الترجمة.

قمة الساعتين المغلقة قيل إنها ناقشت الملفات التالية:

الوضع السوري خاصة في إدلب وشرق الفرات، وملف التسليح المشترك بينهما ومناقشة شراء منظومة ثانية من صواريخ S400 وملفات الغاز والطاقة بينهما، وملف ضرورة السعي للبدء بخطة تسوية شاملة في سورية، وقيل إنه تم التطرق للوضع في ليبيا وأذربيجان ومناقشة التوتر الأخير مع إيران وعتاب روسي للرئيس التركي على موقفه المعلن من منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة بخصوص عدم اعترافه واعتراف المجتمع الدولي بضم روسيا لشبه جزيرة القرم الأوكرانية التي تقطنها أغلبية تترية (تركية).

بالمرور على كل تلك الملفات خلال ساعتين يعني أن أياً منها لم يناقش بجدية بل بالمرور عليها وتأكيد كل طرف على موقفه منها وطبعاً يتم الحديث عن اللجوء للحوار والحلول الدبلوماسية وعدم التصعيد العسكري بأي منها.

عودنا الرئيسان التركي والروسي بقممهما السابقة اصطحاب وفودهما السياسية والعسكرية ومجموعة من الخبراء للاتفاق على التفاصيل وأحياناً تمديد الاجتماعات بغية الحصول على اتفاق وحلحلة نقاط الخلاف، ويعقب ذلك مؤتمر صحفي مشترك أو للرئيس التركي لوحده ويكون عادة مؤتمراً مطولاً يتكلم فيه عن الإنجازات التي تمت نقاط الخلاف التي مازال البحث جارياً بشأنها، ويستمع ويجيب بتفصيل على جميع أسئلة الصحفيين.

حتى وزيري الخارجية والدفاع في كلا البلدين المعنيين مباشرة ببحث الملفات العالقة لم يكونا حاضرين. وهم من تحمل تبادل الرسائل والرسائل المضادة بين الدولتين قبل القمة.

كان حدوث اللقاء هو الغاية وليس ما يتمخض عنه. للتأكيد أن البلدين يملكان آلية على أعلى المستويات لحل الخلافات، وأن الأقنية مفتوحة لتبادل الرؤى والأفكار وليس الميدان هو المكان الوحيد لذلك.

ما يهمني هنا مناقشة نتائج اللقاء على مستوى الشمال السوري تحديداً، ولن ألتفت كثيراً للمحللين الأتراك القريبين من حزب العدالة الحاكم أو الحكومة بالمديح والثناء على النتائج الباهرة التي تحققت.

لم يكن يتوقع الكثيرون عقد القمة بعد عودة الرئيس التركي من زيارته للولايات المتحدة، وتصريحاته الغاضبة من الإدارة الأمريكية بل ومن هجومه المباشر على شخص الرئيس الأمريكي جو بايدن بالذات، فقول الرئيس من الولايات المتحدة (بعد عدم موافقة بايدن على قمة تركية/أمريكية تسبق القمة التركية/الروسية وتقوي الموقف التركي) إن العلاقات الأمريكية/التركية تمر بأسوأ مراحلها وأن الرئيس التركي تعامل مع ثلاثة رؤساء أمريكيين سابقاً هم جورج بوش وباراك أوباما ودونالد ترامب بكل أريحية وسهولة إلا أنه لا يجد طريقة للتعاون مع الرئيس الحالي.. ويعيد تأكيده إن الولايات المتحدة تدعم المنظمات الإرهابية الكردية التي تهدد الأمن القومي لبلد يفترض أنه حليف للولايات المتحدة (طالما أن أمريكا تدعم ميليشيا قسد من سنوات ولا يتوقع أحد إنهاء دعمها على المدى القريب)، وليس ضرورياً التأكيد على حق تركيا بشراء ما تراه مناسباً من أسلحة، كون أن منظومة الصواريخ الروسية أصبحت موجودة في تركيا وتم فرض العقوبات الأمريكية على تركيا وتم احتواء الخلاف نوعا ما.

في ظل هذه الظروف من توتر العلاقات التركية/الأمريكية لا يتوقع أحد من القيصر الروسي تقديم تنازلات واحتواء أو احتضان للرئيس التركي لتعويضه عن الخسارة الأمريكية بل باستعمال مزيد من الضغوط على الرئيس التركي لأخذ تنازلات منه في قضايا عالقة وشائكة بين الطرفين.

يرى بعضهم أن الرئيس التركي أراد قمة سوتشي محطة عامة دون بحث أي ملف بجدية لحين لقاء مرتقب بين الرئيسين الأمريكي والتركي على هامش قمة العشرين المزمع عقدها في روما في أواخر شهر تشرين الأول الحالي.

بالنسبة للنتائج على الصعيد السوري فقد سبق القمة ورافقها واستمر بعدها تصعيد عسكري روسي مباشر بل زاد بعد القمة.

ولكن حرص الرئيس التركي على إيصال رسالة أثناء توجهه لسوتشي بإرسال رتل عسكري ضخم يضم أسلحة ثقيلة وخمسة آلاف جندي تركي إضافي لتعزيز خط الدفاع الفولاذي الذي أقامته القوات التركية في جبل الزاوية وإدلب عموماً، في رسالة منه لن يصعب على الرئيس الروسي فهمها، إن القوات التركية مستعدة مع حلفاءها السوريين لخوض معركة كبرى ولن يتم الانسحاب من متر واحد، وإن الدولة التركية نفذت كامل التزاماتها وفق اتفاقات أو تفاهمات موسكو 2020 وهي تحمي تلك الإجراءات بقوة عسكرية تركية ضخمة لا قبل للنظام السوري بتحديها وممكن إيصال الحالة مع روسيا إلى حافة الهاوية.

ممكن أن يقدم لنا تصرف روسي حدث يوم الخميس ملخصاً موجزاً لنتائج القمة وهي إيعاز الروس لقوات قسد الإرهابية التي تحتل قرى مثلث منغ، تل رفعت باستهداف إحدى القواعد التركية الموجودة في الخطوط الأولى بجوار مدينة مارع. ذلك الاستهداف الذي أدى لمقتل جندي تركي وإصابة آخرين. أعقب ذلك رد تركي مدفعي على الموقع الذي استهدف النقطة العسكرية التركية قابل الروس ذلك بشن الطيران الحربي الروسي لثلاث غارات تحذيرية بمحيط القاعدة التركية التي تقصف قوات قسد.

هذا يعطينا مؤشراً على عدم اتفاق الجانبين على ملف إدلب والشمال عموماً وإصرار كل طرف على قراءة بنود الاتفاق واتهام كل طرف للطرف الاخر بعدم تنفيذ التزاماته التي تعهد بها.

على الصعيد السياسي، يرى الكثيرون أن المحاولة الروسية لفتح قناة اتصال تركية سياسية مع النظام السوري وهي ضرورية للمضي قدماً (كما يشاع) عن توافق أمريكي – روسي حصل في جنيف بتكليف واشنطن لموسكو بدور رئيسي بقيادة عملية تسوية سياسية من الضروري لنجاحها فتح علاقات بين النظام السوري والحكومة التركية.

يبدو أن الرفض التركي لتلك الخطة ردت عليه واشنطن أيضاً يوم الجمعة بتمديد حالة الطوارئ الأمريكية في سورية لمدة عام آخر تنتهي في 14 أكتوبر 2022 واتهام تركيا أنها تحاول القيام بأعمال تهدد الحرب الجارية على الإرهاب في شرق الفرات وتهديد الأمن القومي الأمريكي.

ويقال إن تعزيزات أمريكية لوجستية كبيرة تمت في اليومين الماضيين لدعم ما يسمى قوات سورية الديمقراطية في مواجهة أي عملية عسكرية تركية مشابهة لعملية نبع السلام.

لا نتوقع أكثر من التصعيد الحالي الروسي – التركي في سوريا، إذ إن القرار المتخذ مسبقاً من الدولتين ألا حرب بينهما يمكن أن تندلع في سورية تؤثر على ملفات تعاون سياسية واقتصادية هائلة بين البلدين. إذ يخشى الروس استفزاز الأتراك أكثر من ذلك لأن روسيا بحاجة لتعاون تركي معها في ملفات آسيا الوسطى والقوقاز. وقد لمسنا تعاوناً روسياً – تركياً جيداً في ملف التصعيد الأذري/الإيراني.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني