fbpx

قراءة في رواية “يوميات موت حيّ”

0 238
  • تأليف: عبد الإله بلقزيز
  • الناشر: منتدى المعارف
  • ط1، 2017، ورقية

د عبد الإله بلقزيز؛ مفكر مغربي معاصر، له الكثير من الكتب الفكرية والسياسية، والأعمال الروائية، اطلعت على بعضها وكتبت عنهم.

يوميات موت حيّ رواية حديثة جداً متميزة ومثيرة، تتحدث عن البنية الداخلية التنظيمية والفكرية والنفسية للجماعات الإسلامية المسلحة، القاعدة ومتفرعاتها، دون ذكرها بالاسم، والرواية تقصد أن تتحدث عن الظاهرة بعمومها، سواء من حيث الانتشار، أو التنظير والممارسة، وانتشارها في بلادستان وسلطانستان ونهرستان.. إالخ، يعني بلاد العرب والمسلمين.

تبدأ الرواية من زمان (الآن) يعني أن الحالة تعاش في هذا الزمان وعبر توثيق يومي، وتكاد تكون تقريراً أمنياً يتناول جانب العمل (الجهادي) ونتائجه الواقعية والنفسية على المنخرطين به، ومن ثم على المجتمع؛ هم، وشبكة علاقاتهم وتواصلاتهم وظروفهم الحياتية المعيشة، يوم بيوم، بل لحظة بلحظة، بصفتهم منخرطين بعملهم الجهادي بكليتهم، ولا عمل لهم الا هو.

تبدأ الرواية من الحديث عن عضو الجماعة الجهادية حسان، الموجود في بلادستان الدولة التي تتواجد فيها الجماعة وتجاهد لتبني (دولة الاسلام)، وهي بين كر وفر، متواجدة ومتجذرة، ولها صولات وجولات.

حسان عنصر جهادي له حضوره وتميزه فهو موجود مع الجماعة منذ سنوات، وله دورة الجهادي المشهود، وأصبح أخيراً مسؤولاً عن تدريب الكوادر الجهادية الجديدة، جاءه من اقترح عليه أن يعود إلى بلاده ويؤسس للجهاد فيها، وطابت له الفكرة وباركها أمراء الجماعة وعاد لبلاده أميراً يؤسس للعمل الجهادي هناك، بلاده هي ككل بلاد العرب والمسلمين، غير متميزة إلا بكونها فقيرة، لا نفط ولا ثروات.

عاد حسان وهذا اسمه الجهادي، اسمه الحقيقي محمد نجيب، من الأرياف، إلى قريته بالتنقل عبر الجبال، وأصيب بتعثر في ساقه ووجد من أنقذه وأوصله لقريته، حسان يتيم الأم والأب الذين توفيا وهو صغير، عاش عند عمته وزوجها الذين لم ينجبا الأولاد، وتوفي زوج عمته لاحقاً، وأصبح هو مسؤول عن عمته، التي تعامله كابنها، وهو يناديها أمي، غادر إلى المدينة ليعمل ويساعد عمته، في المدينة تعرف على سالم الناشط الإسلامي المؤمن بالعمل الجهادي، والمعتقل السابق على خلفية تفجيرات سابقة حدثت، الذي أثر به وجعله يتردد على المسجد ويصلي ويتابع الفروض الدينية، وزرع فيه فكرة الجهاد وضرورته، وهذا ما جعله وبمساعدة سالم ينتقل إلى بلادستان ليلتحق بالعمل الجهادي، كان يداوم على إرسال النقود كل شهر لعمته طوال وجوده في المدينة أو بلادستان. قام بدوره الجهادي هناك، قاتل مع الجماعة، وقتل كثيراً من الآخرين المصنفين كفارا أو مرتدين أو أهل ذمة أو دولة كافرة. تشبع بفكرة الجهاد ومسؤولية المجاهدين عن بناء دولة الله في الأرض، وأنهم في صراع دائم مع الكل لأجل تحقيق ذلك. عاد إلى قريته متخفياً وبدأ التواصل مع بعض الكوادر الجهادية التي كانت مثله تجاهد في بلادستان، وعادت لتكون تحت إمرته وتقوم معه بدورها الجهادي. التقى بداية مع سالم أستاذه ومرشده، وكان أحد عناصره الجهاديين، بدأ باللقاء بالآخرين، كان هاجسه الأمني هو وبقية الفريق أهم شيء عندهم، فهو لم يعرف أنه كان في بلادستان، أخفى هويته واسمه ولهجته، خوفاً أن يعرف من بعض المخترقين أمنياً في بلاده، بدأ بصناعة حياة موازية لعمله الجهادي السري، فقدم لعمته إفادة عن عمل مارسه في المدينة بمنجرة بداية، ثم قرر الآن أن يفتتح محلاً لبيع الملابس والأدوات الرياضية في المدينة، وفعلاً حصل ذلك، واستمر ينتقل بين القرية والمدينة على أنه يتابع أعماله.

وفي مستوى آخر كان يتواصل مع الشباب الجهادي الذين وضعوا بأمره ليقوم بأعمال مسلحة خدمة للعمل الجهادي، اعتمد تقنية الخلايا الصغيرة المرتبطة به فقط، التي لا تعرف بعضها بعضاً، واستفاد من إمكانيات سالم، وكان واحداً من كوادره، وكثيراً ما خطط معه حول بعض الأعمال، لكنه لم ينس أنه أستاذه وأنه ذو حظوة عند القيادة، لذلك كان يخاف على إمارته منه. شكل حسان بنيتين تنظيميتين منفصلتين وجعلها تخططان لأعمال مسلحة. كلف سالم أن يحضر بعض الأسلحة عن طريق المهربين، ولكن يقبض عليهم، ودخلوا في دوامة خوف أمني يأخذ منهم شهرين حتى يستطيعوا الخروج من تبعاته، ولم يذكروا بالتحقيق، ومازالوا في مأمن، وفشل سالم بهذا العمل أمنياً. وبعثت القيادة من بلادستان بثلاثة عناصر جهادية مدربة لاختصاصات محددة، أحدهم مرافق الأمير حسان لأمنه الشخصي، والثاني مختص بالاغتيالات، والثالث مختص بالعبوات الناسفة، وكان كلف أحدهم أن يؤمن مواد متفجرة، عن طريق المهربين، وكذلك مواد لصناعة عبوات متفجرة، وأحزمة ناسفة، وأسلحة، ومسدسات بكاتم صوت، كان يحرك عناصره على التوازي، ويترك خيوط الكل مربوطة به، ويمنع أي تعارف أو تواصل بينهم إلا للضرورة وحسب خططه، اجتمع مع الفريق الذي بعثته القيادة بوجود سالم، وتناقشوا حول أول عمل ضد مراكز أمنية، واتفقوا أن يضربوا مركزاً سرياً للمخابرات، ووزعوا المهام بينهم، المراقبة، ومعرفة نقاط الضعف، وطريقة العمل، وقرروا أن ينسفوا البناء عن طريق عبوات متفجرة يضعونها على سطح البناء، وبعد عملية رصد وتدقيق، استطاعوا أن يجعلوا العملية ممكنة ونفذوها دون أن يتركوا أي أثر يدل عليهم. نجح العمل، تدمر البناء كله تقريباً، قتل أقل من عشرة أشخاص منهم خمسة على الأقل من القيادات الأمنية للبلاد وجرح العشرات، ردود الفعل كانت تخبط من الدولة، استدعاءات أمنية للآلاف لم تثمر عن شيء، وبيانات تنديد من أئمة دينيين أهمهم الشيخ الرفاعي؛ الذي تتلمذ سالم على يديه وأغلب الشباب الذين التحقوا بالعمل الجهادي، اعتبروه واحداً من فقهاء السلطان وأعوانه الكفار ودعمهم لتشويه الجهاد، وتسهيل حكم الناس، اعتقل سالم فيها لكونه معتقل سابق، وخرج بعد أيام، بسبب عدم وجود أي قرينة تدل على دوره هو أو الجماعة، كانت مهمة سالم كتابة بيان يعلن عن الجماعة والعمل، ويؤكد على هوية الجماعة الجهادية، وأنهم ماضون لمواجهة الكفار وبناء دولة الإسلام. أما حسان الذي امتلأ نفسياً بالعملية فقد عظم رصيده عند القيادة التي سيلتقي بها قريباً، واجتمع مع فريقه وقرر أن يقوم بعمل آخر يكون تأثيره أقوى وضحاياه أكثر، ليثبت جدارته عند قادته، وينعكس أكثر على نفوس الناس ليلتحقوا بالعمل الجهادي، ونفذ عملية في مركز تجاري عبر عبوة ناسفة في وقت الذروة، عبر همام أحد أفراد الجماعة من الفريق الموازي، ودون علم الآخرين وخاصة سالم، ونجحت العملية الأخرى، وكان ضحيتها عدة محال تجارية وعدد كبير من الناس بين قتيل وجريح، بينهم نساء وأطفال. أحس حسان بنصره الشخصي وبأن رصيده عند القيادة زاد، لكن ردة الفعل عند الآخرين لم تكن كذلك وخاصة سالم، سالم الوحيد ذو الخلفية الدينية المتعمقة يفهم الدين والجهاد وظروفه، أما الآخرين فقد كانوا ملتزمين بطاعة الأمير وأوامره بكل شيء وأنهم مشاريع استشهاديين، وموضوعات الفقه والشرع وشرعية أعمالهم متروكة لأمرائهم، توقف سالم عند تفجير المركز التجاري، وأنه غير مبرر وأن استحلال دماء الناس هكذا حرام، وخاف أن يكون التفجير من صنع الجماعة، وتوجيه من حسان، الذي يكفر الدولة والناس، لأنهم صامتين عن دولة غير شرعية، ومحلل لدمهم جميعاً، وعندما التقى بحسان مع فريقه عبر له عن رفضه للعمل، لكن حسان صده وأخبره أنه من عمل الجماعة، وأن بناء دولة الإسلام يتطلب ردع الكفار جميعاً، وقرر بينه وبين نفسه استبعاد سالم من فريق القيادة، ومن التداول بشؤون الجماعة لكي لا يؤثر على الفريق، أما الفريق فقد تبع الأمير حسان كونه أميرهم وعليهم طاعته لأنهم بايعوه على كل شيء، وتمسكوا بسالم لكونه موصى عليه من قيادة الجماعة، ولأنه يعتبر شيخهم. وكان لعملية المركز التجاري تأثير مجتمعي سلبي جداً، وتحدث الشيخ الرفاعي عنها وحكم على فاعليها بأنهم مجرمون يستحقون الإعدام، وأن هدر حياة الناس دون مبرر شرعي هو ضد الإسلام والمسلمين، ووافقه سالم الرأي، لكن حسان اعتبر أن الشيخ الرفاعي قد تجاوز حده ووصل لمرحلة التحريض على المجاهدين، واستوجب قتله. فكر بطريقة مناسبة، تداول الرأي مع فريقه الثاني همام ومن معه، كان يريد أن يقتل الشيخ في المسجد وبين المصلين ومع عدد كبير منهم، لكي يموت شيخ ضد الجهاد، ويفهم المتابعين له أنهم كفار طالما واجهوا الجهاد وجماعته، ويستحقون الموت أيضاً. وافق الفريق الثاني على مضض، واستبعد سالم من معرفة العملية، أسند الأمر لهمام أن يجهز استشهادياً من دائرته ويجهزه ليقوم بالعملية. لكن سالم استطاع معرفة خبر العملية وتوقيتها وهدفها، راجع نفسه كثيراً واعتبرها عملية إجرامية إرهابية وتضر بالعمل الجهادي، وقرر أن يفشلها، رفض أن يكون مخبراً ويخبر الأمن، ومع ذلك بعث رسالة إلكترونية للشيخ الرفاعي يخبره بالعملية وأن عليه أن يتحوط، ووصل الخبر للأمن، وفي يوم التنفيذ عجز (الاستشهادي) عن الدخول إلى المسجد، ثم سرعان ما قبض عليه، وأطلق عليه النار أحد أعضاء الفريق لكي لا يستفيد النظام من معلوماته، انزعج حسان من فشل العملية، وزاد غضبه عندما تحدث وزير الداخلية عن جماعة إرهابية، وقدم معلومات تؤكد أنه عرف واقع الجماعة وما حصل فيها، هذا الذي استفز حسان وجعله يفكر أن هناك خيانة من أحد عناصر الجماعة، وكان قد استبعد سالم بداية من الوشاية لاعتقاده أنه لا يعرف بالعملية أصلاً، لكنه علم من أفراد المجموعة أن سالم يعلم بالعملية بالتفصيل، لذلك اعتبر سالم من خان؛ خاصة أن سالم صرح برفضه لهكذا عمليات، وعلم حسان والمجموعة أن الاستشهادي لم يمت وأنه يعالج، وأنه سرعان ما سيدلي بمعلوماته عمن نظمه وطلب منه العملية وهو همام. عندها قرر حسان أن يقتل همام ليقطع خيط المعلومات عن الجماعة، وأن يقتل سالم على خيانته، ويكلف حد أفراد المجموعة بذلك، ويحصل اغتيال الاثنين.

هنا تنتهي الرواية

في قراءة الرواية وتحليلها نقول:

إننا امام رواية أشبه بتقرير أمني دقيق ومنظم ومضبوط، يرصد حالة الجهاديين أفراداً وجماعة، وهذا مهم؛ حيث يعطينا صورة عن عمليات غسل الدماغ التي يعيشها أفراد الجماعات الجهادية عموماً، والانضباطية المطلقة عندهم، التي تصل لدرجة إلغاء الذات والعقل والارادة، لصالح الجماعة المحددة بقيادتها وأميرها، بحيث يتحول الجهادي لمجرد أداة تنفيذ المهام، مهما كانت، ولو أدت للموت، فهم جميعهم للجهاد خرجوا، مشاريع شهادة، وهذا يدعمه انتماء فكري مغلق تابع لاجتهادات وآراء عدة، مختلف معها وعليها، لكنها تمثل عند المنتمي مرجعاً مطلقاً غير قابل للمراجعة أبداً. هذا والجهادي يختلف حسب ظروفه الحياتية التي يخرج منها، لكن أغلبهم ضحية فقر أو فساد أو بطالة، وجهل وتخلف عام، والكل يخرج من دول استبدادية قمعية لا مجال للمشاركة السياسية فيها، وأغلبهم له تجارب اعتقال سابقة في سجون الأنظمة الاستبدادية، التي كانت بمثابة مدارس إعداد عقائدي، ليكون الشباب امتداداً بشرياً للجماعات الجهادية، وزاد عليها تدخلات خارجية في الدول؛ احتلال أفغانستان ومن ثم العراق، وتحول هذه البلاد إلى مواقع خلق التجييش ونمو لهذه الجماعات وممارساتها وأفكارها، ففي هذه البلاد مارست الجماعات القتال بكونه جهاداً، حاربت المحتل والأنظمة واعتبرتها كافرة، حاربت المختلف عنها باعتبارهم خوارج أو كفار أو صامتين عن المحتل أو الحاكم الكافر وكفرت الناس، واستباحت دم الكل، ومن هنا تحولوا ليكونوا جماعات قتل بشع همجي منهجي، لا يضاهيه إلا فعل الأنظمة الاستبدادية المجرمة والقوى الإقليمية والدولية التي تدعمها، تقتل الشعب وتشرد الناس بالملايين وتخرب البلاد كلها، وزاد ذلك الاستجابة القمعية والدموية من الأنظمة ودول العالم ضد الربيع العربي في كل بلدانه، جعل لهذه الجماعات والجهاديين قضايا ومبررات تتحرك على أساسها على الارض وتقوم بدور في الصراع الدموي المستمر. كما أن أغلب المنتمين للجماعات من فئة الشباب القابل للتعبئة العقائدية، الذي يصل لمرحلة الغاء عقله ووعيه الشخصي لصالح الجماعة وأميرها، وهذا يؤدي على مستوى استراتيجي بعيد المدى إلى استخدام الشباب والظاهرة كلها، ضمن ظروف الصراع العالمي على المصالح والنفوذ، فمن يمتلك السلاح والمال يمتلك السلطة دولياً ومحلياً وفي الجماعات نفسها. كما أنها تسقط القيم العقائدية وتدير أعمالها لمصالحها الخاصة والقيادة الجماعة، سواء في عمليات قتل الأبرياء والمدنيين، وخدمة أجندات الغير، والوصول إلى درجة بيع الأسرى والمحتجزين، وبيع كنوز الأرض وبترولها وآثارها، كله عبر عملية لا تمت الى العقائد بصلة، ولا يتقنها الا القادة ومن يتحكم بمسار الجماعة ومشاريعها.

نعم إن هذه الجماعات الجهادية تصبح أخيراً مجرد صورة مشوهة وسلبية ومعادية للإسلام والمسلمين والناس أجمعين، وتتحول لمبرر الدول لكي تطغى وتستبد وتقتل الشعوب، ومبررات للنظام العالمي أن يعلن مشروعه العالمي: محاربة (الإرهاب) ودعم الأنظمة الاستبدادية في المنطقة، على أنها البديل الأفضل.

وهكذا يعاد خلق الظرف الذاتي والموضوعية لخلق ظاهرة الجهاد والجهاديين، وخاف أرضية صراعية بين الدول، وفي الدول ذاتها، وبين مكوناتها المذهبية والإثنية والدينية والسياسية، ضمن معادلة صراع صفري الكل فيها خاسر.

ونبتعد أكثر عن بناء مجتمع العدالة والكرامة الانسانية والحرية والديمقراطية والحياة الأفضل.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني