في معادلة اليقظة الأوروبية وتحدياتها!
“يلتقي قادة الدول الـ 27 الأعضاء في الاتحاد الخميس 11 آذار، في قصر فرساي، بالضواحي الجنوبية الغربية للعاصمة الفرنسية باريس، في محاولة لإرساء أسس أوروبا “سيادية” بعد صدمة الغزو الروسي لأوكرانيا، ولإحساس مشترك، ربما، بوطأة الهيمنة الأمريكية على قرارهم السيادي ومصالحهم. الآمال كبيرة، كما عبرت عنها تصريحات الإليزية، “إن هذه القمة هي قمة اليقظة الأوروبية، قمة السيادة الأوروبية”!
نعم، الآمال كبيرة بتشكل موقف أوروبي ديمقراطي وإنساني، يصل إلى درجة من القوة والتأثير تمكنه من كسر معادلة الهيمنة والتسلط في العلاقات الدولية التي تمارسها سياسات الولايات المتحدة والنظام البوتيني، بأشكال وأدوات مختلفة، باتت على درجة من الخطورة تهدد معها السلام والأمن الدوليين، وذلك لصالح علاقات متوازنة، تقوم على أرضية الاعتراف بمصالح الآخر واحترامها، على صعيد مراكز النظام، من جهة، وعلى مبدأ عدم التدخل السلبي، المعاكس لحركة التاريخ، في الشؤون الداخلية لدول “الأطراف”، حيث تناضل الشعوب لرسم مسارات تطورها الخاصة، القادرة على بناء مقومات مشروع حضاري، وطني، ديمقراطي تحرري، من جهة ثانية!.[1]
من المؤسف القول، إنه رغم عظمة الآمال، والطموحات، تبقى معطيات الواقع مختلفة، لا تبشر بما هو أفضل! فاستقلال أوروبا وسيادتها لايمكن أن تتحقق في مواجهة مع امتدادها الشرقي، الروسي، أولاً، ولا في غضها النظر عما تواجهه قوى التحرر والدمقرطة في عمقها الشرق أوسطي من حروب ظالمة، عدوانية، ثانياً، بل إن وجود روسيا الفاعل والإيجابي في إطار الجهد الأوروبي المشترك، هو الشرط الأساسي لنجاحه، تماماً كما هو تعزيز مبادىء وقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، على الضفة الشرقية للمتوسط. هي معادلة متكاملة، لا يمكن حلها، بشكل جزئي، وانتقائي!.
في إطار العلاقات الأوروبية – الروسية تحديداً، إذا كانت سياسات أوروبة الإيجابية، خاصة الألمانية، تجاه روسيا الجديدة (الرأسمالية)، من جهة أولى، قد عبرت بعمق عن فهم هذه المعادلة في علاقات ما بعد الحرب الباردة، فقد أدرك الرئيس الروسي، بدوره، عمق مصالح “روسيا الرأسمالية” الجيوسياسية مع أوروبة، وعبر عنها بوضوح، في بدايات حكمه، وقبل أن تتعزز لديه نوازع الهيمنة الإمبراطورية الشخصية، التي تتعارض مع مصالح روسيا، الدولة الديمقراطية الكبرى، الساعية للعيش في إنسجام ووئام مع محيطها الأوروبي.
لنقرأ ما نقله الصديق العزيز”Aram Karabet” على صفحته:
“عندما تولى بوتين السلطة عام 2000، ألقى أول خطاب خارجي له في البوندستاغ الألماني “البرلمان الاتحادي” عام 2001، وجه فيه حديثه إلى النواب الألمان باللغة الألمانية، وطرح فيه حلمه وحلم من سبقوه من القادة الروس، بعقد تحالف روسي – ألماني، كمقدمة لمشروع “أوروبا الكبرى”، أو ما يسمى «محور لشبونة ڤلاديڤوستوك»؛ الأراضي الشاسعة الروسية، ومواردها الطبيعية اللامتناهية، وقدراتها العسكرية والنووية، وشعبها المستعد للعمل والكفاح في ظروف صعبة، يتحد مع العقلية الألمانية المبدعة، والتقنية والقدرة التصنيعية المتفردة، لخلق مساحة اقتصادية من الضفة الأوروبية إلى المحيط الأطلسي في لشبونة، حتى الضفة الآسيوية للمحيط الهادئ في روسيا، وبناء منظومة أمن جماعي مشتركة.”
من المؤكد تعزز فهم بوتين، وإدارته وشركائه في الحكم، لاحقاً لصعوبة تحقيق مشروعه، ليس فقط لتناقض أهداف نهضة أوروبا ووحدتها مع مصالح واشنطن – وما ينتج عنه من وضع فيتو أمريكي، ومسعى لتوسيع حلف الناتو ليشمل كل المحيط السوڤييتي السابق، ويجعل روسيا في موقع ضعف، ويدق إسفيناً في علاقاتها الأوربية – بل ويضاف إلى ذلك، ويكمله، وعيه لتناقض اندماج روسيا في المشروع الديمقراطي الأوربي مع تزايد طموحاته الشخصية، وتعاظم مصالح طغم الطاقة والسلاح التي يحكم لحسابها، وبالتالي مصلحته في دفع روسيا على خيار المسار “الإمبراطوري”، المختلف في نموذجه السياسي عن أوروبا، والمعيق لقيام علاقات تشاركية، ندية، تتباين عن علاقات الهيمنة التي تمارسها واشنطن تجاه أوروبا طوال عقود ما بعد الحرب العالمية الثانية؛ وقد تزايدت أهمية هذا العامل السلبي، المانع لتحقيق آمال قيام أوروبة القوية، وتبوؤها المركز الذي تستحقه في إطار العلاقات الدولية، حصول بوتين وطغمته على “تفويض” بتأبيد سلطته الاستبدادية في “استفتاء” لا يليق بعظمة الشعب الروسي، وتاريخه الكفاحي؛ وذو دلالات إمبراطورية لا تخطئها العين!.
ضمن هذا الإطار، نفهم حرص الرئيس بوتين على تقويض التجربة الديمقراطية في أوكرانيا، كإحدى أهداف الحرب؛ وذلك بغض النظر عن مشروعية مبرراته، التي شرحها بوضوح في خطبه المتتالية – والتي لم تقتصر على فساد الحكام الديمقراطيين الجدد، ونزوعهم القومي المعادي لروسيا، بل تصل إلى تحالفهم مع جهود الولايات المتحدة لجعل أوكرانيا مركز متقدم لحلف الناتو على تخومها، وما يشكله هذا من تهديد مباشر على أمن روسيا القومي – وقد يكون كلام حق، يُراد به التغطية على أهداف إمبراطورية وعداء للنموذج الديمقراطي، الذي يدرك مخاطرة على طبيعة السلطة التي يعمل على بنائها! على أية حال، يبقى التحدي الأخطر الذي يواجه الجهد الأوروبي، بجناحيه “الروسي والديمقراطي”، لقيام علاقات تشاركية، غير عدائية، هو بالتأكيد تناقضه مع سياسيات ومصالح الولايات المتحدة الإمبريالية؛ وهو ما يفسر جهود واشنطن لتعميق التناقضات بين روسيا وشركائها الأوروبيين، ويؤشر إلى أحد أخطر أسباب الحرب الحالية في أوكرانيا.
لنقرأ بدقة جزء من خطاب ترامب، في جلسة خاصة لإدارته، ولنلاحظ نبرة الخطاب العدوانية (وقد كان الحليف الأقرب لبوتين، ومشروع هيمنته الاستبدادية على روسيا):
“نحن نحمي ألمانيا وجميع البلدان الأوروبية من روسيا، ألمانيا تبني خط أنابيب غاز مع روسيا، وتدفع مليارات الدولارات للخزينة الروسية، ونحن نحمي ألمانيا من روسيا! هل هذا مناسب؟ لم يكن ينبغي السماح بحدوث ذلك؟”.
يتابع:
“مستشار ألمانيا السابق هو رئيس الشركة التي تزود ألمانيا بالغاز! إذا استمرت الخطط الحالية، سيكون أكثر من 70% من احتياجات الغاز الألمانية تحت السيطرة الروسية، عبر الخط الجديد (نورد ستريم2) تحصل ألمانيا على 60-70% من مصروف الطاقة من روسيا! الأسوأ في القضية أن ألمانيا تدفع فقط 1% من دخلها القومي للنيتو، ونحن ندفع 4.5%، ونحن نحمي الجميع، هذا ليس عدلاً بالنسبة للولايات المتحدة، ودافعي الضرائب الأمريكان، هذا يجب أن يتوقف”.
في قراءة موضوعية للمعطيات الموجزة السابقة، يبدو جلياً على الصعيد الاستراتيجي، أن الخطر الحقيقي الذي يواجه تحقق أهداف مشروع “أوروبا الكبرى” – علاوة على أهداف المشاريع الديمقراطية لشعوب حوض المتوسط الشرقي، وفي قلبها المحيط الجيوسياسي لمثلث الطاقة العالمي في إيران والسعودية والعراق – هو جهود مصالح وسياسيات إمبريالية مشتركة للطغم المسيطرة في روسيا والولايات المتحدة، التي رغم تباين أشكال سلطاتها السياسية، ورغم تباين أهدافها للسيطرة على أوروبا والعالم، تتقاطع في العداء لقيام أوروبا الموحدة، الديمقراطية، كأهم مراكز النظام الرأسمالي العالمي الديمقراطية، وأقدرها تأثيراً على قيام علاقات دولية متوازنة، وعلى مستقبل التطور الديمقراطي، الحضاري، لشعوب ودول شرق المتوسط، وفي سوريا، على وجه الخصوص!! بالطبع هذا لا يمنع، على الصُعد التكتيكية، استغلال تناقضات المصالح، وتجييرها، من قبل القوى الديمقراطية، على ضفتي المتوسط؛ وهذا يحتاج، بالدرجة الأولى، إلى وعي سياسي نخبوي، دقيق وشامل!.
[1]– يقول الشيخ حمد، رئيس وزراء قطر السابق، في الحلقة الثامنة والأربعين، مشيراً إلى تدخل رئيس الولايات المتحدة المباشر والفظ بصميم شؤون “دولة مستقلة”:
“اتصلت معي هيلاري كلينتون وقالت: إن الرئيس اتصل بمبارك عشان يمشي، كانوا قد وصلوا إلى نتيجة أنه لازم حسني مبارك يمشي، ضغطوا في هذا المجال، والجيش يعرف هذا، ضغطوا على حسني مبارك عشان يمشي.
كلموه! في كذا مكالمة، كانت إحداهم سيئة بينه وبين أوباما، وهيلاري كلمته.
عندما بدأ الكلام عن أن يكون الجيش البديل، كلمناهم إنه فيه خطورة، قلنالهم خلوا البديل حسب الدستور، وتمشي بالانتخابات. الجيش عرف إنه الأمريكان شالوا يدهم عن حسني مبارك. هنا، راحولوا، وقالولوا “عندك 24 ساعة!!”.