fbpx

في طبيعة السياسات الأمريكية الراهنة، والاستحقاقات الملحّة

0 88

بين الحرص على امتلاك الورقة الأوجلانية كعصا لضبط إيقاع سياسات النظامين السوري والتركي، وبين المصلحة في الوصول إلى تفاهمات خلال هذه المرحلة المتقدّمة من مشروع تسويتها السياسية، باتت السياسات الأمريكية في سوريا أمام استحقاقات ملحّة!.

في زيارة وزير الخارجية التركي إلى واشنطن، قبل حصول اللقاء المرتقب مع وزير الخارجية السوري أو من أجل توفير شروط نجاحه، ثمّة تأكيد على أنّ طبيعة ونتائج الصفقة السياسية المرتقبة على مسار العلاقات السورية التركية تعتمد بالدرجة الأولى على وصول تركيا والولايات المتحدة إلى تفاهمات اللحظة الأخيرة حول مصير علاقات قيادة قسد الأوجلانية، وطبيعة مهام قسد، وكيفيّة حماية الحصّة الأمريكية، والبدائل الممكنة التي قد يوفّرها مسار تطبيع العلاقات السورية التركية، الذي يتوافق في سياقه العام مع إجراءات التسوية السياسية الأمريكية؛ وكلّ هذا يؤكّد حقيقة اليد العليا الأمريكية في رسم الملامح الأخيرة للمشهد السياسي السوري، كما كانت عليه الحال خلال 2011.[1]
المهمّة صعبة، وليس مولود جاويش أوغلو أكثر مهارة من رئيسه، الذي خاض حروب متعددة الأشكال والأدوات منذ 2016، ومارس كلّ أشكال المناورات والالتفاتات لمواجهة إجراءات التسوية السياسية الأمريكية، دون أن يستطع ثني الولايات المتّحدة عن مشروعها العسكري بعد 2015، في تحويل ميليشيات المعارضات المتصارعة إلى سلطات أمر واقع، ولا عن مشروعها السياسي، في شرعنة وجودها، وتحويلها سياسيّا إلى نظام سوري جديد!.

لقد ركبت تركيا مكرهة قطار المشروع الأمريكي خلال 2017، بعد خسارة حلب، وما تعرّضت له من ضغوط أمريكية، فالتحقت بمسار آستنة، وسعت من خارجه وعبره لتجميع أوراق قوّة، تُصافق بها مصالحها، وتُضَمِّد، و السوريين، جراح خيار الحرب الأمريكي!.

اليوم، تحسين سلوك سلطة قسد (حسب اللغة الأمريكية) هو الثمن المطلوب تركيّاً، مع بعض الضمانات الأمنية التي يوفرها شريط ديموغرافي على امتداد تخومها الجنوبية على طريقة أضنة، مقابل تسليم أوراقها، والمساهمة في دفع بلدوزر التأهيل الروسي/الأمريكي!.

لكن هل تتقاطع أهداف تركيا المُعلنة مع أولويات السياسات الأمريكية في هذه المرحلة المتقدّمة من مشروع تسويتها السياسية؟، ما هي أهداف سياسات واشنطن في هذه المرحلة؟

في سياق تحقيق خطوات التسوية السياسية المستمرة خلال 2020-2022، تسعى الولايات المتّحدة، بما تملكه من أوراق تعطيل تفاهمات صفقة سياسية شاملة، خاصّة سيطرتها التشاركية مع قسد على قلب سوريا الاقتصادي، أن تضمن تحقيق أهداف ترتبط بالخارطة السياسية النهائية لسوريا التي تريد:

  1. إخراج روسيا من المشهد السوري كليّاً.
  2. ترتيب تفاهمات تقاسم سيطرة على سوريا بين النظام الايراني وحكومة الاحتلال الإسرائيلي.
  3. الحفاظ على الورقة الكردية، كعامل سيطرة وتحكّم استراتيجية.
  4. إعادة تأهيل النظام السوري، فقط بما يكفي لشرعنة هذه الخارطة السياسية والرؤية الأمريكية.

إذ تعرف الولايات المتّحدة جيّدا حجم الأوراق الإقليمية التركية، وطبيعة التنازلات المطلوبة، من مصلحتها أن تعمل على الوصول إلى تفاهمات إقليمية مع تركيا، كما حصل في حقبة ما بعد غزو العراق.

من جهتها، تستطيع روسيا أن تعتمد على علاقة خاصة مع تركيا، وبعض الضمانات من النظام السوري، للحفاظ على بعض مصالحها في سوريا، بعد ما واجهته من خذلان من الولايات المتحدة في أوكرانيا؛ كما يُدرك النظام السوري استحالة استعادة سيطرته على كامل الجغرافيا السوريّة وإطلاق المراحل الأهمّ في مشروع التأهيل دون الوصول إلى تفاهمات تطبيع العلاقات مع جاره اللدود!.

في ضوء رؤيتنا لحقائق الواقع، التي صنعتها مصالح وسياسات القوى التي تورّطت في الخيار العسكري الطائفي، التي نتج عن جهودها، (سواء التي دفعت باتجاه حسم الصراع السياسي لصالحها بأدوات ومسار الخيار العسكري/الطائفي،او التي واجهتها بنفس الأدوات، وشكّلوا في السياق والصيرورة، قوى الثورة المضادة للتغيير الديمقراطي، بأذرعها الميليشياوية، وأنظمتها الإقليمية والدولية) هزيمة أهداف وقوى خيارات الحل والانتقال السياسي بين 2011-2014، وتقاسم سوريا إلى حصص ومناطق نفوذ بين 2015-2020، وفي ظلّ غياب عامل ذاتي سوري، قادر على قيادة رأي عام وطني وديمقراطي، فعّال، يواجه السوريون خيارات قاسية:

  1. الخيار المستحيل؛ خيار الحل السياسي، الذي دعت إليه بعض بنود مسار جنيف، والقرار 2254، بين 2012-2015، (ولم تُضمّن آليات فعّالة لتنفيذه!.)، ووضعت خارطة طريقه خطّة السلام العربية/التركية الثانية، (التي أسقطها تنسيق روسي/أمريكي في مجلس الأمن بتاريخ 4 شباط 2012)، وتتمحور حول الوصول إلى تفاهمات بين قوى السلطة والقوى التي تمثّل مصالح الشعب لتشكيل هيئة حكم انتقالية مستقلّة ومُفَوّضة، تضع سوريا على خارطة طريق انتقال سياسي وتحوّل ديمقراطي.

الاستحالة تكمن في ثلاثة عوامل رئيسه، على الأقل:

  • ما صنع الخيار العسكري الطائفي، وصراع قواه على تقسم الحصص من وقائع جديدة خلال المرحلة الأولى بين 2012-2014، والمرحلة الثانية، 2015-2020، وتبلور سلطات أمر واقع ميليشياوية، تمثّل مصالح، وترفع رايات قوى احتلال.
    • عدم وجود مصلحة لأيُّ من القوى الخارجية الفاعلة في توفير شروط قيام حل سياسي، خاصّة الولايات المتحدة الأمريكية؛ كما دلّل سلوكها خلال سنوات الصراع الماضية، وبما ينسجم مع سياسات سيطرتها الإقليمية، التي تمحورت حول رفض مسارات التغيير الديمقراطي، ومنع حدوثها بجميع الوسائل والأدوات.
    • ما لحق بالمعارضات السورية من تهميش، في سياق جهد متكامل لقوى الثورة المضادة الخارجية و أذرعها السوريّة، أفقدها مصداقية تمثيل مصالح السوريين المشتركة، وحرمها من إمكانات قيادة السوريين، وتحويلهم إلى عامل وطني ديمقراطي، يصعب تجاوزه على لوحة الصراع، وتحديد مآلاته!.
  • الخيار الممكن، هو أن تصل تكتيكات لوي الذراع بروسيا وتركيا والولايات المتّحدة لصفقة تسوية سياسية، يتطلّب نجاحها من واشنطن التراجع خطوة على حساب قسد، تلبّي الشروط التركية على المدى المتوسط، وتصب في إطار تسريع إجراءات إعادة تأهيل سلطة النظام!. هو الخيار المحتمل، ولا اعتقد بإمكانية أي من القوى تجاوزه. هو مشروع التسوية السياسية الأمريكي الذي عملت واشنطن، بالتنسيق مع موسكو وطهران، وبمواجهات قاسية مع تركيا، على تحقيق شروطه منذ 2015. المشكلة الأساسية التي تواجه تقدّم هذا المسار على الصعيد الأمريكي هو مصير قسد، ووسائل حماية الحصّة الأمريكية، وضمانات خروج روسيا كليّا من المشهد السياسي السوري؛ وبالتالي، يتوقّف استمراره ووصوله إلى نتائج عملية، استعداد الولايات المتّحدة للوصول إلى صفقة طويلة الأمد، تلبّي مطالب تركيا، وتطمئن مخاوفها – وقد فشلت جميع الجهود التركية حتّى الآن!.
  • الخيار الأسوأ، رضوخ الجميع لإرادة واشنطن، والذهاب في مسار اعتراف متبادل، وتأهيل متزامن لسلطات الأمر الواقع القائمة حاليا، بما يعزّز عوامل تفشيل سوريا، وذهاب أحوال السوريين، في جميع أماكن إقاماتهم الحالية، من سيء إلى أسوأ، على جميع الصعد والمستويات!.

[1]– بعد فترة تراخي تكتيكي، انتظارا لتحقيق هدفها الرئيسي، الاستراتيجي في المرحلة الأولى من الخيار العسكري – قطع مسار انتقال سياسي وتحوّل ديمقراطي، بأذرع الميليشيات الطائفية والقومية- باشرت تدخّلها العسكري المباشر 2014، دون استئذان مؤسسات مجتمعها الدولي الموقّرة، ونجحت بين 2015-2020، بالتنسيق المباشر مع روسيا، وفي مواجهة تركيا، وعبر مساري آستنة السياسي والعسكري، في إعادة توزيع خارطة السيطرة الميليشياوية، وبناء سلطات أمر واقع ميليشياوية، تستخدمها مداميك لبناء مشروع تسويتها السياسية.

لقد كان من الذكاء والحنكة السياسية أن تُعلن عن إجراء انسحاب تكتيكي من العراق في نهاية 2011، (وتقود الصراع عن بُعد، ليس فقط بما وصلت إليه من قدرة على التحكّم في أعقاب سلسلة من حروب مستمرة منذ مطلع ثمانينات القرن الماضي، نجحت على المستوى العالمي في إسقاط المنظومة السوفياتية وإقامة نظام تابع في موسكو، وعلى الصعيد الإقليمي، بإسقاط الجدار العراقي أمام تقدّم أدوات مشروع السيطرة الإقليمية الإيراني، وترسيخ شراكة استراتيجية لحكم طائفي في بغداد)، وكان من الطبيعي أن يُتيح انسحاب جيشها التكتيكي لشريكها نور المالكي فرصة ذهبية لوضع امكانات العراق الاقتصادية والإرهابية والسياسية تحت تصرّف الحرس الثوري، وكانت النتيجة استخدام النظام الايراني لمئات المليارات من ثروات العراقيين، وتجنيد عشرات الالوف من شبابهم، في حروب النظام والولايات المتّحدة المشتركة ضدّ آمال السوريين!.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني