fbpx

في حيثيات ودوافع التصعيد الأخير في الحرب الأوكرانية (1)

0 40

تصعيد في الحرب الأوكرانية – الروسية من جانب واشنطن بقرار تزويد كييف بصواريخ بالستية بعيدة المدى، ذكرت واشنطن بوست أنّها قادرة على ضرب العمق الروسي، قد قابله تصعيد إعلامي روسي، ملوّحا بورقة الردع النووي؛ وهو ما يخلق المزيد من مشاعر القلق عند مشاهدي ومتابعي النزال الأمريكي الروسي للسيطرة الإقليمية، الذين يتطلّعون الى رؤية نهاية قريبة لحرب تدمير ذاتي، روسي أوكراني وأوروبي، ليس فيها رابحا سوى الراعي الأمريكي، المستفيد الأكبر من جميع الحروب التي تُمزّق أوروبا منذ مطلع القرن العشرين!!

ما هي حقيقة الأهداف التي يعمل عليها بايدن وبوتين، وما هي طبيعة الرسائل المتبادلة في حيثيات وأهداف هذا التصعيد الجديد؟[1].

لفهم طبيعة لعبة شدّ الحبل في هذه المرحلة التي أعتقد أنّها باتت الأخيرة من الحرب الروسية الأمريكية في أوكرانيا وعلى أوروبا[2]، من المفيد معرفة وقائع وخلفيات التناقض في السياسات الأمريكية الروسية تجاه الحرب الروسية، وفرص التوصّل إلى تسوية سياسية!.

 أعود قليلا للحديث عن الأسباب في نهاية 2013، وربيع 2014، حين عملت سلسلة من إجراءات الضمّ القسري الروسية خلال فبراير- مارس 2014 إلى إعادة جزيرة القرم وعاصمتها سيمفريبول إلى السيادة الروسية، وكانت جزءا من الجغرافيا الأوكرانية منذ 1954، في انتهاك صريح لسيادة دولة أوروبية كبيرة، لم تغب للحظة منذ 1990 عن أجندات واشنطن الأوروبية، ولا عن طموحات بوتين القيصرية منذ وصوله إلى السلطة مع مطلع الألفية الجديدة!

في وقائع وحيثيات الصراع المتجددة على أوكرانيا خلال (2013-2014)، إجراءات ضمّ تعسفي روسيّة للقرم أشعلت موجه من الغضب في أوروبا والولايات المتّحدة، لكنّها لم تأت من فراغ!

 لقد شكّلت أخطر تداعيات ما حصل في كييف خلال الأشهر الأخيرة من 2013، حين أسقطت ثورة شعبية سلطة رئيس يدور في فلك موسكو، وأتت بسيطة نظام جديد مؤيّدا لنهج أمريكي يعمل على انضمام الجمهورية الأكثر إشكالية في تركة الاتحاد السوفياتي السابق إلى الاتحاد الأوروبي، وهو ما رفضه الروس الأوكرانيين في القرم، ومسكو، وبدأت مرحلة جديدة في العلاقات العدائية بين الشعبين الشقيقين والدولتين الجارتين (… حتى الأمس القريب، الدولتين المركزتين في اتحاد الجمهوريات السوفياتية الاشتراكية الذي تفكك مطلع 1990)، اوصلتهما إلى مرحلة الغزو في شباط 2022، والحروب المستمرّة حتى اليوم[3].

كان من الطبيعي أن يُحدث تصاعد الصراع على السلطة في كييف أوّلا و التوتر في القرم تالياً بين المؤيدين لروسيا، والمناصرين لسياسات انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي، وإجراءات ضمّ القرم اللاحقة، ردود أفعال قويّة من حلفاء الحكم الأوكراني الجديد في واشنطن والعواصم الأوربية، لكنّها لم تصل إلى درجة الفعل العسكري، وقد اقتصرت على بعض ردود الأفعال الإعلامية، وحزمة من العقوبات[4]، لتستقر وقائع السيطرة في تقاسم أوكرانيا بعد شباط 2014، (بين سلطة مركزية تابعة للولايات المتّحدة، وتعلن رغبتها في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وبين جمهورية القرم المستقلة التابعة للفدرالية الروسية)، حتى فبراير 2022.

التساؤل الذي نحتاج إلى مقاربة موضوعية لجوابه:

ماذا حصل على صعيد العلاقات السياسية والعسكرية بين روسيا والولايات المتّحدة، وجمّد الصراع على أوكرانيا طوال تلك الفترة؟.


[1]– ليس خارج هذا الإطار، يأتي ما كشفته وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، الخميس 21 نوفمبر الجاري في جديد لعبة شد الحبل، نقلاً عن CNN) وعقب إعلان الرئيس بوتين: رداً على استخدام الأسلحة الأمريكية والبريطانية بعيدة المدى، شنت القوات المسلحة الروسية ضربة ناجحة على إحدى منشآت الصناعة الدفاعية الأوكرانية، وأنّه صاروخ باليستي رأس حربي غير نووي تفوق سرعته سرعة الصوت، يُطلق عليه اسم أوريشنيك).

إنّ روسيا أبلغت الولايات المتحدة قبل إطلاق الصاروخ البالستي على مدينة دنيبرو الأوكرانية من خلال قنوات الحد من المخاطر النووية.

ووصفت نائب المتحدث باسم البنتاغون سابرينا سينغ، في مؤتمر صحفي، الصاروخ الروسي بأنه باليستي تجريبي متوسط المدى.

ولم يتأخّر رد الجيش الأوكراني، مُتّهماً روسيا، بإطلاق صاروخ عابر للقارات؛ علما أنّه كان قد شهد شهر أغسطس/آب وكذلك سبتمبر/أيلول تصاعدا في الهجمات الصاروخية الباليستية، تضمّنت إطلاق حوالي 60 صاروخ كوري شمالي، رداً على استخدام أوكرانيا نظام KN-23

من الجدير بالذكر ما نشره تقرير (CNN) يوم السبت، 23 حول اتساع الدور الذي تلعبه الصواريخ الكورية الشمالية:

تُظهر شظايا من حطام الأسلحة والصواريخ المدى الواضح للدوائر الأمريكية والأوروبية الصنع أو المصممة في أنظمة التوجيه الخاصة بهم. وقد جاء في التقرير عن مسؤول في الاستخبارات الأوكرانية قوله أنّ الغالبية العظمى من المكونات هي مكونات غربية، ربما 70% منها أمريكي، من شركات معروفة ويستخدمون أيضاً مكونات مصنوعة في ألمانيا وسويسرا، وعن خلاصة

… تقرير صدر في وقت سابق من هذا العام من قبل منظمة التحقيق في أسلحة الصراعاتCAR  ومقرها المملكة المتحدة، إلى أن 75% من المكونات في أحد الصواريخ الكورية الشمالية الأولى المستخدمة لمهاجمة أوكرانيا كانت من شركات مقرها الولايات المتحدة.

[2]– أبرز مؤشّرات التصعيد هو اقتراب الحرب من نهايتها، وقد حققت أهدافها الأمريكية كاملة :

أ- تحجيم التغلغل الاقتصادي الطاقوي الروسي في أوروبا، وتفكيك ما أصبح قبل بداية الغزو الروسي في شباط ٢٠٢٢ شبكة علاقات اقتصادية وسياسية متنامية بين روسيا وأوروبا، خاصة مع ألمانيا، وتأكيد مزاعم شبح الخطر الروسي على أوروبا، وحاجتها الدائمة لمظلّة الحماية الأمريكية!

ب- إضعاف روسيا، وأوكرانيا والاتحاد الأوروبي والتأكيد على وقائع الهيمنة الأمريكية على القارّة، شرقا وغربا، بما هو أبرز مرتكزات السيطرة الأمريكية العالمية.

ت- تحجيم دور روسيا في إعاقة تقدّم مسار التسوية السياسية الأمريكية الجزئية السورية (ومشروع التطبيع الإقليمي) التي أطلقت واشنطن صيرورتها منذ مطلع 2020 على قاعدة نظرية مركز RAND الأمريكي التي تتعارض مع أهداف ومسار جنيف والقرار 2254 لعام 2015، وقد أظهرت روسيا خلال 2021، بالتنسيق مع تركيا والحكومة السورية، تمسكّها بمسار جنيف والحاجة لتنفيذ مخرجات اللجنة الدستورية ؛ ولم يرق هذا لواشنطن، بالطبع!.

[3]– نهاية عام 2013 بدأت احتجاجات المؤيدين لانضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي تجتاح ساحات كييف على أثر تعليق حكومة الرئيس فيكتور يانوكوفيتش التوقيع على اتفاقية الشراكة مع الاتحاد، وقد ازدادت وتيرة الاحتجاجات مع بداية 2014 وأدت إلى مقتل العديد من المحتجين والقوى الحكومية، مؤجّجة الاشتباكات مع قوات الأمن وصولا إلى 22 فبراير/شباط، وتصويت مجلس النواب الأوكراني على قرار عزل الرئيس يانوكوفيتش!

وفي يوم 23 شباط وكجزء من نتائج الثورة الأوكرانية أُلغي قانون اللغة للأقليات (والذي يشمل الروسية) وتم إعلان اللغة الأوكرانية لغة رسمية وحيدة للبلاد. فجاء هذا القرار ليصب الزيت على النار في تلك الأقاليم ذات الأكثرية الروسية، المستاءة أصلا من التغييرات الحاصلة في كييف لصالح سياسات واشنطن، وقد رأت تلك الاقاليم وخاصة شبه جزيرة القرم أنّ خطوة إلغاء قانون اللغات هي دليل على طبيعة التوجّه السياسي والثقافي المعادي لروسيا وللمواطنين الأوكران من أصل روسي!.

في تصاعد مسلسل الفعل، وردّ الفعل، أُجري في 16 مارس، استفتاء في القرم للانفصال عن أوكرانيا والانضمام لروسيا الاتحادية، وجاءت النتيجة لصالح توجّهات موسكو بنسبة 95% (ويكيبيديا)

[4]– في 1 مارس، جرى اتصال هاتفي بين أوباما وفلاديمير بوتين دام 90 دقيقة. وفقاً لبيان البيت الأبيض، أعرب أوباما عن قلقه العميق من انتهاك روسيا الواضح لسيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها.

في 4 مارس، علق البنتاجون التعاون العسكري مع روسيا، أوجه تضمنت التدريب والاجتماعات الثنائية وتوقف السفن والتخطيط العسكري.

بعد ضم القرم، فرضت الولايات المتحدة عقوبات تضمّنت تجميد أصول وحظر سفر 20 مواطناً روسياً، منعت العقوبات أيضاً تعامل مصرف روسي هو بنك روسيا مع النظام المصرفي الأمريكي، هذا المصرف الذي قالت وزارة الخارجية الأمريكية أن العديد من المسؤولين الروس يتعاملون معه.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني