fbpx

في المشهد السياسي السوري الراهن، وأسئلته الجوهرية! في العلاقة الإشكالية بين إعادة التأهيل والإصلاح!

0 201

الجزء الثالث

في نهاية الجزء الثاني، وصل التحليل إلى الاستنتاج بعجز النخب السياسية والثقافية السورية المعارضة عن طرح، واعطاء إجابات شاملة، موضوعية على أهم تساؤلات المرحلة الراهنة من الصراع، لفشلها المزمن في رؤية حقائقه الأساسية، وتعيشها على أوهام، ورؤى سياسية منفصلة تماما عن الواقع، وحقائقه الكبرى!!

في تقديري، تتجلى أخطر تمظهرات القُصُور المزمن الذي يعاني منه الوعي السياسي النخبوي اليساري (القومي والاشتراكي)، المعارض في حالة انفصاله عن حقائق الصراع الموضوعية، وعجزه عن فهم طبيعة سياقه، واهداف القوى المتخندقة على طرفيه، والمحركة له، محليا، وعلى الصعيد العالمي، وبالتالي التخبط في فهم طبيعة مصالح وأهداف سياسات الدول المتورطة بشكل مباشر في خيار الصراع المسلح، تاريخيا، وراهنا، وفي مآلاتها القادمة؛ خاصة الدولة الأكثر تأثيراً، الولايات المتحدة الأمريكية!!

أولاً: في السياق التاريخي، وفي حقبة الحرب الباردة، تحديداً، اعتقدت، وروجت، رموز النخب السياسية والثقافية السورية، خاصة في جبهة اليسار المعارض، الاشتراكي القومي والشيوعي، وفي مختلف مدارسها، في اليمن والوسط وأقصى اليسار، إن الصراع الرئيسي في منطقتنا، وسوريا، يوجب ويفضي إلى إقامة نظام اشتراكي، يقود النضال من أجل الوصول إليه، تحالف قوى التقدم الاشتراكية والشيوعية، وحلفائهم الطبقيين والوطنيين، داخل مؤسسات أنظمة حركة التحرر الوطني، وخارجها، وبالتحالف، على الصعيد العالمي مع الاتحاد السوفياتي ومعسكره الاشتراكي، ضد تحالف عدو داخلي، اقطاعي برجوازي، يرتبط، ويرتهن، بأشكال، ووسائل مختلفة، مع الإمبريالية والصهيونية!

خلال تلك الحقبة المثيرة للجدل، والمولدة لسياق المأساة السورية التاريخي، وجدت قوى اليسار الحالم، الشيوعية والقومية، المناضلة لبناء نظام اشتراكي، كما كانت تعتقد، في أنظمة معادية، في الواقع للاشتراكية، حليفاً، ونصيراً لها؛ في أنظمة رأسمالية الدولة البيروقراطية السوفياتية، وسلطات أحزابها الشمولية، وطغمها الاستبدادية، أو في أنظمة حركة التحرر الوطني، على الصعيد المحلي والإقليمي، حيث تسيطر سلطات أنظمة الديكتاتوريات الرأسمالية العسكرية؛ فكانت الخيبات كبيرة، والفشل ذريع!!

ثانياً: في السياق الحديث والمعاصر، لاحقاً، في مواجهة ما نتج عن نهاية صراعات حقبة الحرب الباردة من تحولات كونية، (أدت إلى انسجام داخل مراكز النظام الرأسمالي العالمي الإمبريالي، على مستويين، شهد المستوى الأول تحولات بنيوية داخل أنظمة رأسمالية الدولة البيروقراطية في دول المعسكر الاشتراكي، أسقط عنها القناع الاشتراكي/الشيوعي، ووضعها في مكانها الطبيعي، كجزء لايتحزأ من النظام الرأسمالي العالمي الإمبريالي، تحت مظلة الهيمنة الإمبريالية للولايات المتحدة الأمريكية؛ بينما تقدمت في المستوى الثاني، الإقليمي، سياسات اندماج سلطات انظمة التحرر الوطني، في شباك النهب والسيطرة الإمبريالية)، تكيفت معظم قوى اليسار الاشتراكي والشيوعي بحركات جديدة، ديمقراطية وليبيرالية؛ وهو، من حيث المبدأ، حالة طبيعية، تدلل على رؤية صحيحة لتطورات الواقع الموضوعي، وقدرة على التعامل مع حقائقه؛ كما بدى للوهلة الأولى!!.

لكن، وفي ضوء دروس الصراعات التي اعقبت الربيع العربي والسوري، تكشف إستمرار حالة عجز الوعي السياسي النخبوي لتلك القوى عن فهم طبيعة الصراع في مرحلة حراك الربيع العربي، بأهدافه وقواه، وتحالفاته، ومهامه، وموقعها فيه.

هي حالة قصور معرفي مزمن، وما ينتجه من وعي سياسي غير موضوعي، يظهر بشكل خاصة في عدم رؤية طبيعة حلف العدو، والاعتقاد بأن حليف، ونصير، أهداف مشروعهم لإقامة النظام الديمقراطي، الذي يناضلون من اجل تحقيقه، في مواجهة سلطات أنظمة الاستبداد، هو المجتمع الدولي لمنظومة الدول الرأسمالية، وزعيمتهم، الولايات المتحدة الأمريكية؛ الدولة الإمبريالية الأولى على سطح هذا الكوكب؛ تماما كما كانوا سابقا يعولون على تحالفهم مع المجتمع الدولي، لمنظومة المعسكر الاشتراكي، وزعيمهم الاتحاد السوفياتي، بلد الاشتراكية الأول لتحقيق أهداف المشروع الاشتراكي؟!

في نتيجة خيبات الأمل، وضوء ما أصاب اليسار الحالم من هزائم، هل يحق لنا أن نتساءل:

1- كم سيمضي من وقت، لكي يكتشفوا أن الولايات المتحدة؛ رغم جميع الحقائق الظاهرة، حول نظامها الديمقراطي، الأكثر رسوخاً على مستوى الأنظمة الديمقراطية عبر العالم، وسياساتها التي ناصرت قيام أنظمة ديمقراطية في أوروبا الغربية، في أعقاب الحرب العالمية الثانية، ودعمت حراك شعوب أوروبا الشرقية الديمقراطي، في نهاية حقبة الحرب الباردة، والتي تروج بسعيها لتعزيز الديمقراطية في منطقتنا، هي، رغم كل ذلك، العدو رقم 1 لأهداف وقوى الانتقال السياسي، والتحول الديمقراطي في سوريا، وكامل منطقة الربيع العربي، قلب منطقة الشرق الأوسط؛ وهي التي تشكل سياساتها مظلة حماية لأنظمة الاستبداد، التي شكلت الأعمدة الاستراتيجية لمرتكزات سيطرتها الإقليمية خلال عقود الحرب الباردة، ليس في سوريا فقط، بل في كامل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهي، بالتالي عراب شتى أشكال السلطات، والقوى، المعادية للتغيير الديمقراطي، وتتحمل المسؤولية الأولى عن تفشيل مسارات التغيير، التي شقها حراك الشعوب السلمي؛ وما نتج عنها، على جميع الصعد والمستويات!
2- كم سيمضي من وقت، وخيبات وهزائم، لكي يدركوا طبيعة التغييرات الكبرى، الاستراتيجية، التي طالت أدوات ونهج السيطرة الإقليمية للولايات المتحدة، والتي بدأت صيرورتها من انتصار سلطة الميليشيات الطائفية في طهران، وقطعت أشواطاً كبيرة في السيطرة التشاركية معه على العراق، في أعقاب غزو 2003، ووصلت إلى قمة انتصارها اليوم، بما حققته الميليشيات الطائفية الإيرانية من تمدد غير مسبوق، ربطت مصالحه السياسية الخاصة، ووشجائه الطائفية، ملالي قمْ والنجف، بشيوخ غزة، وسماحات السادة في طهران ودمشق وبيروت، في نجاح منقطع النظير لأهداف المشروع الإيراني تحت سمع وبصر الولايات المتحدة، صاحبة أكبر مشروع إقليمي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وقواعدها العسكرية الأضخم عالمياً، وصواريخ بوارجها النووية، التي تجوب بحار ومحيطات وخلجان، ومعابر المنطقة!!

في خلاصة القول:

قبل الإعلان الرسمي عن نهاية الحرب الباردة، وفي الوقت الذي كانت فيه الإمبريالية الستالينية، السوفياتية تلفظ أنفاسها الأخيرة، في مطلع ثمانينيات القرن الماضي، حدث تغيير خطير، في نهج، وأدوات، السيطرة الإمبريالية للولايات المتحدة، يحمل عواقب كارثية، على الصعيد الإقليمي، والنظام الرأسمالي العالمي الإمبريالي ذاته، يمكن رصد أهم، وأخطر سماتها:

على صعيد سياساتها العالمية:

في حين باتت تجد في الأنظمة الديكتاتورية الاستبدادية، الروسي والصيني والكوري الشمالي، شركاء محتملين، مفضلين؛ بالمقارنة مع شركاء الأمس الديمقراطيون؛ لإحكام سياسات هيمنتها العالمية، اصبحت، على الصعيد الإقليمي، تجد في انظمة الاستبداد الميليشياوية الطائفية، انجع خيارتها الإقليمية، كبديل للأنظمة الديكتاتورية، لتعزيز شباك وآليات سيطرتها، وتأكيد موقعها المهيمن؛ وهو ما يفسر احتلال سلطة النظام الايراني مقدمة قائمة شركائها، وافضل مَنْ تتقاطع اهداف مشروعة الخاص، مع مصالحها وسياساتها، وكيف جعل هذا السياق، على الصعيد المحلي، من سلطة النظام السوري، المُعَندة، المستعصية على التغيير، أفضل خيارات لولايات المتحدة السياسية؛ لما يتمتع به من مزايا، تجعله الحامل السوري، الإقليمي، الأنسب للمشروع الايراني؛ في ظل بيئة سياسية واجتماعية سورية هشة، يعززها، إقليمياً استمرار وتعميق حالة صراعات طائفية، بين قطبي الإسلام السياسي الرئيسيين، يشكل وجود النظام الإيراني الشرط اللازم والضروري لتأجيج حروبها واستمرارها، تحت هيمنة ميليشيات طائفية مسلحة، وعلى حساب جميع مقومات الدولة المدنية، الديمقراطية!!

تشكل هذه الحقائق أهم وأخطر سمات سياسيات السيطرة الخارجية لسلطات النظام الديمقراطي الأمريكي، في مرحلة النظام العالمي الجديد، الساعية لتأكيد وتأبيد عوامل هيمنة الإمبريالية الأمريكية على العالم، بشكل عام، ومنطقة الشرق الأوسط، على وجه الخصوص، وهي، حقيقة سياسيات الولايات المتحدة، التي يغيبها الوعي السياسي النخبوي المعارض، ويجد فيها وفي مجتمعها الدولي، (مجلس الأمن)، نخب المعارضة، الديمقراطيين والليبراليين، الجدد، ورثة اليسار الخائب حليفهم الطبيعي، ومناصر أهدافهم وجهودهم لقيام انتقال سياسي وتحول ديمقراطي في سوريا، رغم كل ما تبينه الأحداث من انحياز أمريكي أوروبي روسي وصيني (المجتمع الدولي)، لقوى الاستبداد، وسلطات أنظمتة الطائفية؟!

أية مأساة كبرى هذه! كم سيدفع السوريون من أثمان نتيجة عجز بقايا قوى وأحزاب اليسار هذه، التي تدعي تمثيل مصالحه، وتركب موجات معارضاته الديمقراطية، عن رؤية حقائق الواقع، وإصرارها على اجترار أوهامها الوردية، الديمقراطية؟!.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني