fbpx

علاقة الجيوش العربية بالثورات والتحولات الديمقراطية

0 322

مقارنة ثلاث حالات في مصر وسورية وتونس

لا يوجد عامل واحد يحول دون نجاح الثورات وعمليات التحول الديمقراطي. ما يهمنا هنا أن نلقي الضوء على دور الجيوش بذلك.
ولكن يبقى موقف الجيوش هو العامل الأهم في نجاح الثورات أو فشلها. ونجاح أو فشل عمليات التحول الديمقراطي.
إن تدخل الجيش في السياسة في الدول النامية أمر يكاد يكون طبيعياً. حيث إن هناك جيوش أسست دولاً.
إن أي ثورة أو عملية تحول ديمقراطي لا يمكن أن تنجح دون دعم القوات المسلحة أو جزء منها على الأقل.
في تونس سعى الرئيس بورقيبة لإبعاد الجيش عن السياسة لكن الانقلاب الأبيض الذي قاده الرئيس زين العابدين بن علي وهو على رأس المؤسسة الأمنية (وهو أصلاً جنرال من المؤسسة العسكرية) حال دون إبعاد الجيش عن السياسة.
عند حدوث الثورة كان عدد أفراد الجيش التونسي لا يزيد عن 44000 بينما تشير بعض التقديرات إلى أن عدد قوات الأمن تجاوز 100000.
أما في الحالة المصرية فهناك من يقول إن مصر هي دولة الجيش وليس الجيش هو جيش الدولة.
حصل الجيش المصري على امتيازات كبيرة في عهد الرئيس أنور السادات لقاء عدم تدخله بشؤون الدولة، وشغل الفريق عبد الحليم أبو غزالة منصب وزارة الدفاع لفترات طويلة في عهدي السادات ومبارك، وحافظ على هذه المكتسبات.
إلا أن الجيش المصري في عهد مبارك أخذ امتيازات أكثر وأصبح ما يعرف باسم جمهورية الضباط أمراً واقعاً، وأنشأ الشركات والمشاريع الاستثمارية الخاصة به. (التي يقال إنها وصلت في عهد الرئيس السيسي إلى ما قيمته 60% من حجم الاقتصاد المصري). وكان يوجد تقليد أصبح عرفاً معمولاً به أنه عند تقاعد بعض الضباط من جهازي الجيش والشرطة غالباً ما يعينون بمناصب مدنية رفيعة، كمحافظين ومدراء شركات أو سفراء.. الخ.
ولكن السؤال المطروح هو لماذا انقلب الجيش المصري على مبارك؟
أنا أرى أنه يوجد عدة أسباب أهمها:
1- عدم موافقة الجيش على عملية التوريث، حيث كان جمال مبارك محاطاً بمجموعة من رجال الأعمال هم من سيستأثرون بالاقتصاد المصري وبالتالي أخذ هذه الحصة من مكتسبات الجيش.
2- الرغبة في إفراغ الميادين من الثوار بأسرع وقت وتحويل مطالب الجمهور المصري بالحرية والديمقراطية إلى صراع انتخابي (سيحتاج كل طرف الى الجيش ليكون إلى جانبه) عبر صناديق الاقتراع وبالتالي تحول المطالب إلى من يحكم بدلاً من مطالب كيف نحكم. وهذه كانت من الأسباب الكبرى لفشل عملية التحول الديمقراطي.
3- أثناء وقوف الجيش المصري على الحياد بين المتظاهرين والنظام وتعهده بحماية ميدان التحرير، كان يراقب المواقف الدولية وعندما سمح بمعركة الجمل الشهيرة التي استعمل فيها النظام المصري أقسى درجات العنف التي يملكها، كان الجيش ينتظر لمن ستكون الغلبة وكان قراره الضمني، الوقوف إلى جانب المنتصر.
عندما انتصر شباب ميدان التحرير في المعركة أدرك الجيش أن تحولات هامة حدثت في الشارع المصري ولا يمكنه الرجوع إلى الوراء فحسم موقفه نهائيا ضد مبارك.
يمكننا القول إنه لا يوجد دولة في مصر، يوجد دولة عسكر وجهاز دولة بيروقراطي الذي يقوم بالوظائف الخدمية، حتى تلك الدولة البيروقراطية تغول عليها العسكر
لماذا نجحت عملية التحول الديمقراطي في تونس وفشلت في مصر؟
ما يهمنا الآن الإشارة إلى دور الجيش، حيث تميز الجيشان المصري والتونسي بنقطة جوهرية كانت حاسمة، وهي أن الجيش التونسي لم يكن راغباً بالحكم ولو بشكل غير مباشر وكان دوره حماية عملية التغير الديمقراطي، وقد تفادت القوى السياسية في تونس مطباً مهماً كاد يكرر تجربة الانقلاب على مرسي في مصر عندما تخلى حزب النهضة عن الحكم وأشرك كل القوى السياسية في قيادة المرحلة بما فيهم التيار البورقيبي (بقيادة السبسي وغيره) الذي تم اقصاؤه أثناء حكم الرئيس زين العابدين بن علي.
أما الجيش المصري فقد كان راغباً بالحكم بشكل مباشر ودون مشاركة من المدنيين، وما ميز انقلاب المشير السيسي على الرئيس المنتخب محمد مرسي أنه كان انقلاباً لكامل الجيش عبر المجلس الأعلى للقوات المسلحة وليس أفراداً من الجيش.
انقلاب الجيش على عملية التحول الديمقراطي تميز بالاستقرار والهدوء، حيث كانت التراتبية العسكرية موجودة ولم تحصل تصفيات أو تمردات أو انشقاقات، وهو الأمر الذي فعله إلى حد ما الجيشان السوداني والجزائري في الموجة الثانية لربيع الشعوب العربية.
أما عن سورية، فإن الجيش السوري لم يكن سليل الحركة الوطنية السورية أو جيشاً عتيقاً راسخ التقاليد كالجيش المصري الذي يعود تأسيسه لمحمد علي باشا عام 1805.
الجيش السوري بأغلب تكويناته هو بقايا جيش المشرق الذي أسسته فرنسا وبنته بشكل يراعي بالأساس الجانب الأقلوي الذي كانت مهمته قمع حالات التمرد في المستعمرات الفرنسية، وقد حاول اللواء أديب الشيشكلي جاهداً بعد انقلابه أن يعمل على تعريب وتسنين الجيش والتغلب على مشكلة الأقليات، إلا أن الانقلابات العسكرية لم تسعفه بتحقيق ذلك، وأدى انقلاب عام 1963 إلى وصول نخبة أقلوية تمكنت ليس من السيطرة على الجيش فقط بل على الدولة كلها.
تمكن صلاح جديد أثناء صراعاته في الجيش ضد كتلة الضباط الشوام والحموية وضد التيار الناصري والقومي السوري والشيوعي من استبعاد الضباط السنة (إذا افترضنا أنه لم يكن يتحرك ببعد طائفي). واكتشف صلاح جديد بعد هزيمة 1967 أن الجيش السوري يعاني نقصاً هائلاً بعدد الضباط، فقد أفرغ الجيش من ضباطه ما اضطره إلى الاستعانة بصغار الضباط من الطائفة العلوية وترقيتهم بسرعة، وجلب معلمي المدارس والموظفين وعمل دورة عسكرية سريعة بحيث يصبحون ضباطاً، وبهذا عمل على ترييف وتطييف الجيش، بل علونته.
باستلام حافظ أسد وتفرده بالسلطة، عمل على إنشاء قوات عسكرية طائفية مسلحة مدربة جيداً، وهي الحرس الجمهوري وسرايا الدفاع والصراع والقوات الخاصة إضافة إلى فتح باب التطوع في شعبتي المخابرات الجوية والعسكرية لأبناء الطائفة العلوية، وطبعاً لم يغفل حافظ أسد وضع ضباط كبار يضمن ولاؤهم من مختلف المكونات السورية ولكن تبقى قوة القرار للعسكر من أبناء الطائفة.
يمكن أن نعتبر الجيش السوري قد مر بثلاث مراحل بالنصف الثاني من القرن الماضي:
1- من عام 1946 لغاية عام 1963، كان جيشاً وطنياً.
2- من عام 1973 لغاية عام 1983، كان جيشاً طائفياً.
3- من عام 1983 لغاية عام 2011 كان جيشاً عائلياً طائفياً.
وكان الجيش السوري في بداية الثورة يقاد من قبل جنرالات من أقرباء أو عشيرة الرئيس، لذلك عند حدوث الثورة لم يتعرض لانشقاق عمودي وإنما انشقاقات أفقية محدودة لم تؤثر في بنيته، ويقال إن نسبة الضباط غير العلويين في الجيش كانت لا تتجاوز 13% من إجمالي عدد الضباط إضافة إلى شغلهم لمواقع ليست مهمة.
لذلك الآن يعاني الجيش السوري باستنزاف بعدد المجندين ولا مشكلة لديه بعدد الضباط.
في الأسبوع الثالث من الثورة أجرت صفحة الثورة استفتاءً حول إمكانية وقوف الجيش السوري نفس الموقف الذي وقفه الجيشان المصري والتونسي (وكان الجيش لم يتدخل بعد ضد المتظاهرين). أجاب 70% من بأنهم يرون الجيش السوري جيش النظام وليس جيش الدولة أو الشعب السوري، وهذا يعكس إدراك الناس لطبيعة الجيش وبنيته.
لذلك يجب أن ندرك أن النظام السوري بكتلته الصماء غير قابل أو قادر على أي انفتاح على أية مطالب إصلاحية لأنه سيعاني من التفكك السريع، وهذا يفسر لنا مراوغة النظام وعدم انخراطه بأي محاولة جدية لتقديم أي تنازل أو استجابة لمطالب المعارضة والمطالب الدولية لأنه سينهار عند تقديم أول تنازل.
حقيقة لم يضع المجتمع الدولي أية قيود أو حدود لكمية العنف التي استخدمها الجيش السوري تجاه القوى الثائرة عليه، هذا العنف الذي وصل لاستعمال الأسلحة الكيميائية، وأظن أن هذا من أهم أسباب تعثر الثورة السورية.
بالنتيجة يمكن القول إن أي ثورة أو عملية تحول ديمقراطي لن يكتب لها النجاح إذا لم تكن محمية من الجيش.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني