fbpx

عقارب نيسان

0 58

لا يفتأ ليل دمشق يزداد ظلاماً، همست لنفسها وهي تفتح كشاف هاتفها المحمول، شاشته لا تزال مضيئة مفتوحة على صفحة السيرة الذاتية التي عدلتها مرات ومرات وهي تضيف لها معلومات جديدة وشهادات تدريب واجتياز دورات واكتساب مهارات.

هذه مقابلة العمل العاشرة التي تتقدم لها وتخرج منها بلا أمل.

من كان يصدق أنها ستكون في هذا المكان الآن.

تطوي صفحة مذكراتها وتستجيب لنداء العميل وهو يجمع أوراقه ويقدمها لها هذا تكون أوراق المناقصة كاملة.

– “نعم سأضمها لباقي الملفات..”

قبل شهور قلائل لم تكن تلك المناقصات لتمرر دون موافقات (الجهات المختصة) ودون عمولات ترش هنا وهناك…

فتحت مذكرتها وباشرت سطراً جديداً

(تحتاج نورا لثياب جديدة وحقيبة ودواء) ما تبقى من مال أرسله لها أخوها مصطفى نهاية الشهر الماضي لن يكفي، مصطفى يحب نورا كثيراً منذ هجر والدها بعد إصابتها بالمرض تكفل بمصاريفها وعلاجها، كتبت في سطر جديد.

(الخال والد)

وابتسمت لمرور وجه مصطفى الجميل وابتسامته الهادئة، كم يشبه نورا وكم يحن عليها ويعوضها حنان الأب الذي أدار ظهره ولم يسأل.

تمر هذه الأشهر ببطء، الراتب متوقف بعد التحرير، لذعتها حلاوة الكلمة.

وطوت الصفحة مرة أخرى، جمعت ملفات المناقصات وتهيأت لإدخالها على مدير المؤسسة الجديد، وجهه سمح متزين بلحية طويلة، لكن عينيه تبدوان تائهتين… لن يعرف أسرار العمل هنا همست لنفسها وهمهمت سأكون يقظة وأنبهه لكل شيء.

شيء ما في قلبها استكان وهدأ، قرصة برد تسللت من النافذة المفتوحة، هواء نيسان بارد يعرفه أهل الشام في وقته.

تلبي نداء مدير الشؤون القانونية في المؤسسة يسألها بنبرة هادئة:

– هل اكتملت كل العروض؟!

– نعم وسلمتها للسيد المدير

– الجديد؟!

قال بمكر لا يخفى عليها، هزت رأسها، وخرجت تلاحقها نظراته الحادة.

فتحت دفتر مذكراتها، وكتبت (نورا تحتاج أشياء أخرى غير الثياب والدواء).

خرجت في وقت متأخر، الشوارع والساحات مضيئة، كل شيء يبدو جميلاً وغريباً، الضوء والظلال، الرايات الخضراء التي ترفرف في كل مكان، والسيارات تصدح بأناشيد الثورة التي كانت محرمة ويرددها الناس في الخفاء.

مشت إلى بيتها بتؤدة، وهي تنوي ان تكتب في مذكرتها (نورا تحتاج إلى دفء، نيسان يقرصها ببرده الآن).

ذكرت نفسها أن سيرتها الذاتية تحتاج لأن تضيف إليها خبراتها وتعدها لتقدمها إلى جهة عمل جديدة.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني