fbpx

صدأ

0 91

ورث عن والده شغفه بالمال، والحيوانات، ومزرعة مترامية الأطراف، استدعى المهندسين الزراعيين والمربين المعروفين، طلب منهم تحديث المزرعة، وتطوير طرق التربية، يريد قطعاناً منها، أطلق أيديهم، وأعطاهم صلاحيات واسعة، ووظّف عمالاً، همّه تكاثرها، ومردودها، وإشباع المعدة، تفاخر أمام الزملاء والأصدقاء بمشروعه الكبير، استخدم أجهزة الإعلام، غطّت الدعاية شاشات التلفاز، وبرامج الإذاعة، والصحف، والمجلات، وزوايا الإعلانات في الشوارع. تناولتها الكتب المدرسية، وأشاد كتاب بنجاحها المميز.

بدا أن الخير يعمّ، اللحوم المتنوعة غنية بالفيتامينات، والمعادن، والبروتينات، أشرق وجهه، المزرعة تحقق حلمه. ظهرت آثار النعمة على المهندسين والمربين، كبرت ربطات أعناقهم، تخلّوا عن الحمير؛ وركبوا الأحصنة المطهّمة، تضخّمت كروشهم، وازدادت أرصدتهم، عيّن مَن يراقبهم، ظنّوا أنه لا يعلم ما يفعلون، شاركوه في لبنها وعسلها، أقال بعضهم، تقدّم آخرون بخطط جديدة لتصحيح الأخطاء، وتطوير العمل ثانية.

كبر أولاده، وكثرت الأيدي الهابشة، وازداد النزف، وقلّ الغذاء، وهزلت الحيوانات؛ فتراجع الإنتاج. عقد اجتماعاً لإيجاد حلّ، حمّلوا العمال المسؤولية، خصم نسبة من مكافآتهم، وزاد ساعات العمل اليومي. أُنْهٍكَ العمالُ، وتراجع المردود، وكثرت العقوبات؛ ففتر الحماس، وقلّ النشاط، واستمرت الخسارة.

استشار الخبراء، سرّح بعض العمال، وباع جزءاً من المزرعة، ورفع وتيرة التقشف؛ فتفاقم التذمّر، وغادر عمال بلا رجعة، وتدهورت الأوضاع؛ فتخلّى عن أجزاء جديدة.

لم تتوقّف الأيدي عن استنزاف الخيرات؛ فتفشّت الأمراض، وساط العمال بسيف العقوبات، وبلقمة عيشهم وبأولادهم؛ فلم يعد للصبر متسع، ضجوا، علا صوتهم.. هددهم.. أخيراً، انقطع حبل التحمّل، ونفد صبرهم، أنذروه بالتوقف عن العمل، استعان بزبانيته لإسكاتهم، تململوا، قمعوهم.

اشتعلت النار في الصدور، وتفجّر نهر غضبهم، ومع تسلل خيوط الصبح، وطلة الشمس من خدرها تجمّعوا عند البوابات، وقف مع زمرته يزمّجر ضبعاً جريحاً، كشّر عن أنياب حادة، شرّع السلاح، وجّهه للنحور، كسّروا الأقفال الصدئة، فتحوا البوابات، هبّت نسائم منداة، عبّت رئاتهم روائحها، اندفعوا عاصفة تجتاح كلّ ما أمامها، حاولوا إيقافهم، جرفهم سيل عرم، تساقطوا تباعاً، لم تحمِ أيديهم الرؤوس، داستهم الأقدام، صرخوا هلعاً، لا مجيب، صمّت آذانهم أهازيج: «خبطة قدمكن ع الأرض هدّارة»!.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني