سياسة عدم الاكتراث لإسقاط نظام أسد.. تدفع ثمنها إسرائيل الآن
لم يكن نظام بشار الأسد يستطيع الحفاظ على بقائه في السلطة لولا الدعم الإيراني – الروسي وعدم وجود الظروف الملائمة التي تساعد في تشكل النية الحقيقية لإسقاطه، إضافه لوجود عدم اكتراث أو اهتمام إسرائيلي لذلك، حيث عمل بشار أسد مع حلفائه وتحت نصيحة من نظام بوتين على صبغ ثورة السوريين من أجل حريتهم بطابع الإرهاب الإسلامي المتشدد ونجح بذلك مخيراً المجتمع الدولي بين إبقائه أو التعامل مع الإرهاب في حال إسقاطه من سدة الحكم، وبهذا استطاع نظام بشار أسد أن يكبح شهيه الغرب والدول الإقليمية لاستبداله، ومن هذه الدول كانت إسرائيل، فإسرائيل كان يهمها الحفاظ على أمنها على طول الحدود مع نظام أسد، وتولد اتفاق جنتلمان بينه وبين الطرف الإسرائيلي يتمثل بمنع سقوط النظام مقابل لعب دور الحارس لحدود إسرائيل، من خلال منع أية عمليات عسكرية عبر الحدود، وتحديداً بعد حرب أكتوبر عام 1973.
بشار الأسد الذي ورث الحكم عن أبيه نتيجة تغيير في الدستور، كان يعرف أن نظامه معني بالحفاظ على الاتفاقات التي أبرمها والده من قبل مع إسرائيل، وهذا ظهر جليّاً للعيان من خلال تصريحات ابن خال بشار المدعو “رامي مخلوف” في بداية انطلاقة الثورة السورية عام 2011، حيث قال: “إن أمن إسرائيل يرتبط بأمن النظام الأسدي وبقائه”.
إسرائيل أرادت منذ بداية الثورة السورية منع تغيير نظام الحكم في سورية، وهذا الدور ظهر في تصريحات علنية ضد هذا التغيير، حيث ترى إسرائيل أن نظام الأسد مجرّب في حماية وحراسة حدودها الشمالية مع سورية، ولهذا لا يمكنها التخلي عن هذا النظام، لأن أي نظام بديل عنه لا يمكن أن يؤدي لها خدمات حراسة الحدود والاستقرار.
لكنّ إسرائيل، لم تقرأ لوحة الصراع في سورية وعليها بصورة استراتيجية، فهي لم تتوقع أن نظام أسد سيعجز عن مواجهة هذه الثورة، وهي لم تتوقع كذلك أن حلفاء النظام الإيرانيين سيعملون على زيادة نفوذهم العسكري والاقتصادي في هذا البلد، مما يهدّد وجود دولتهم في المستقبل، فمشروع إيران المتمثل بإقامة (إيران الكبرى)، سيكون منافساً لمشروع إسرائيل الذي تحدث عنه رئيس وزرائها الراحل شمعون بيريس، أي مشروع الشرق الأوسط الكبير، الذي تقوده إسرائيل.
إسرائيل أرادت الاستفادة قدر المستطاع من الصراع في سورية وتدميرها من الداخل، فهي تريد أن تكون سورية جارة ضعيفة ممزقة الأوصال، وهو ما دفعها إلى تبني سياسة منع سقوط نظام أسد، لأن سقوطه يعني إعادة بناء سورية كدولة جديدة قوية بزمن قصير، ولهذا مارست القيادة الإسرائيلية الضغوط على الغرب لمنعها من تبني برنامج تغيير نظام الحكم في سورية، فهي لا تريد أن يأتي إلى الحكم نظام ديمقراطي، قادر مع الأيام بفسح المجال لقوى تتناقض رؤيتها مع ما تطمح إليه الدولة العبرية من قيادة سياسية واقتصادية، إلا إذا طبعاً كانت ضامنة لسلام وولاء له مع سوريه ما بعد الأسد.
هذه السياسة الإسرائيلية لم تقرأ جيداً الأهداف الإيرانية في السيطرة على دول الشرق العربي، حيث صار من الواضح، أن عواصم بلدان عربية (اليمن والعراق وسورية ولبنان) باتت تدور في فلك السياسة الإيرانية، وهذا يدفع باتجاه تطور ملموس في تلك الأهداف التي تتناقض جوهرياً مع مشروع إسرائيل في قيادة ما تُطلق عليه مشروع منطقة الشرق الأوسط الكبير.
السياسة الإسرائيلية لم تقرأ بصورة معمّقة العلاقة الوثقى بين النظام الإيراني الطائفي، الذي يهدف لتصدير الإسلام الشيعي بطائفيته البغيضة، وحماس والجهاد الإسلامي (اللتان تمثلان الحركات الإسلامية المحسوبة على السنّة)، ولم تدرك بعد أن سياسة ما يسمى (محور المقاومة والممانعة)، الذي يضمّ كلاً من إيران والعراق وسورية واليمن وحزب الله اللبناني وحركتي حماس والجهاد، إنما هي سياسة ضدها بالمعنى المرحلي والاستراتيجي.
إسرائيل أخطأت التقدير منذ زمن بعيد، فهي اعتمدت على مبدأ حيازة كامل الجغرافية الفلسطينية، دون الأخذ بالمبادرة العربية عام 2002، فلو عملت بهذه المبادرة ما كان لها أن ترعى نشوء حركتين إسلاميتين فلسطينيتين هما “حماس والجهاد الإسلامي”، بغية إضعاف منظمة التحرير الفلسطينية التي كان يقودها الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.
إغماض عيني إسرائيل على نشوء حركتي حماس والجهاد الإسلامي (إسلام سياسي)، قاد لاحقاً إلى تسلل إيران إلى قرار هاتين الحركتين، ما يسمح لها بدفعهما بما يخدم شكلياً المشروع التحرري الفلسطيني من جهة، واستراتيجية قيام دولتها “إيران الكبرى” من جهة أخرى.
إسرائيل وقعت بتناقض صريح في سياستها حيال منع سقوط نظام أسد من قبل قوى الثورة والمعارضة السورية، لأنها ببساطة أبقت جسراً جغرافياً تعبر عليه إيران، لتنفيذ استراتيجيتها المتناقضة مع مشروع إسرائيل الاستراتيجي.
فكيف تعارض إسرائيل المشروع النووي الإيراني، وفي الوقت ذاته تمدّ بأسباب البقاء لنظام أسد الذي يلعب دوراً حاسماً في تنفيذ المشروع الإيراني.
سياسة إغماض العينين الإسرائيلية عن بنية وتركيبة نظام أسد الموالية والمنخرطة في المشروع الإيراني، هي من دفع إيران وحلفها إلى توريط حركتي حماس والجهاد الإسلامي لخوض تجربة خاسرة بالمعنى العسكري، فإيران حوّلت هاتين الحركتين إلى ذراعين لسياستها، بحيث تضغط عبرهما على إسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة بشأن نفوذها في الشرق الأوسط، وبشأن برنامجيها النووي والبالستي.
إن عملية “طوفان الأقصى” هي نتاج طبيعي لسياسة إسرائيل بالحفاظ على نظام أسد، وهي سياسة انتهجها اليمين الإسرائيلي المتطرف بقيادة بنيامين نتنياهو وحليفه يوآف غالانت، هذه السياسة لم تقرأ استراتيجياً عملية طوفان الأقصى التي لا تزال مستمرة، ولا أحد يستطيع التكهن بنهاية قريبة لها.
إسرائيل وقواها السياسية معنية بتغيير موقفها من نظام أسد، فهذا النظام، يلعب دور قاعدة متقدمة للمشروع الإيراني، الذي يستهدف بناء إيران الكبرى على حساب جميع دول المنطقة بما فيها إسرائيل.
فهل ستفهم إسرائيل أن وجودها كدولة مرتبط بالمواءمة بين مصالحها وبين نزع فتيل قنبلة متدحرجة باستمرار تهدّد المنطقة باسرها هي قضية حل الدولتين بموجب القرارات الدولية؟
وهل ستعي إسرائيل أنها بهذا الحل ستلتقي بجذور المبادرة العربية في قمة بيروت عام 2002، مما يعني انحسار المدّ الإيراني المعادي لها وللشعوب العربية؟.
هذا الوعي إذا حدث أن تبنته إسرائيل فستكون أولى خطواته العمل على الإطاحة بنظام أسد الغارق حتى أذنيه بمشروع إيران المعادي لوجودها. فهل ستفعل إسرائيل ذلك؟.