fbpx

سوريا إلى أين: مستقبل محاصر بين الجمود والتحديات

0 155

مع تطورات الأزمة السورية وتدخل الأطراف الإقليمية والدولية، يظل السؤال الأبرز هو: سوريا إلى أين؟ يبدو أن القوى الدولية والإقليمية، فضلاً عن الأطراف المحلية من معارضة ونظام، قد فشلت في تحقيق أهدافها بشكل كامل.

منذ اندلاع الثورة السورية في مارس 2011، اتبع بشار الأسد سياسة قمعية صارمة للحفاظ على سلطته. حيث اختار النظام استمرار الحكم بالقوة بدلاً من التفاوض مع المعارضة أو تقديم تنازلات.

ومازال الأسد رافضاً قبول أي حالة تشاركية مع المعارضة لا تنفيذ القرار الدولي 2254، ففي الآونة الأخيرة، أجرى النظام السوري انتخابات برلمانية في تموز الجاري 2024، وأعلن بشار الأسد في تصريحاته أن موضوع الدستور أصبح خلفه وأن العملية الانتقالية قد اكتملت. هذا الإعلان يعكس تمسك النظام الثابت بالوضع الراهن دون استعداد لأي حل سياسي جذري.

دور الحلفاء الدوليين

روسيا

منذ تدخلها العسكري في سبتمبر 2015 لدعم النظام السوري، لعبت روسيا دوراً حاسماً في تأمين سيطرة الأسد على أراضٍ واسعة. وتلعب دوراً رئيسياً في دعم النظام السوري عسكرياً وسياسياً. رغم أنها تروج لمفاوضات السلام، إلا أن مصالحها الاستراتيجية في سوريا تمنعها من دفع عملية السلام بشكل جاد. روسيا تسعى إلى تعزيز نفوذها في الشرق الأوسط وضمان استمرار السيطرة على قواعدها العسكرية في سوريا وتأمين الممرات البحرية، وايضا مناكفة امريكا خاصة بعد الحرب البوتينية على أوكرانيا. مما قد يعيق أي تسوية شاملة.

إيران

تدعم إيران النظام السوري من خلال تقديم الدعم العسكري والمالي، وتعتبر سوريا جزءاً من استراتيجيتها الإقليمية للتوسع في الشرق الأوسط. ودعم إيران يعزز من قدرة النظام على مواجهة المعارضة ويعقد جهود البحث عن حل سياسي شامل. إن الحفاظ على الوضع الراهن في سوريا يعزز نفوذ إيران ويخدم مصالحها الاستراتيجية في المنطقة. فالنظام الإيراني لا يريد حلاً في سوريا لأن أي حل سياسي شامل سيؤدي بالضرورة إلى تقليص نفوذها في سوريا وفقدانها لأوراق التفاوض الدولية، وخاصة فيما يتعلق بالملف النووي.

تركيا

تلعب تركيا دوراً مركزياً في الأزمة السورية، خاصة في المناطق الشمالية من البلاد، حيث تتواجد القوات التركية في الشمال السوري منذ عملية “درع الفرات” في أغسطس 2016، وتستمر في دعم الفصائل المعارضة لنظام الأسد، حيث تواصل تركيا التركيز على منع توسع القوات الكردية على حدودها وتأمين مناطق نفوذها.

إن الشروط التي يفرضها الأسد للجلوس مع أردوغان، والتي تشمل انسحاب القوات التركية، ما هي إلا هروب من أي محاولات لتسوية سياسية شاملة، وهو عمليا غير قادر على تنفيذ استحقاقتها.

الولايات المتحدة الأمريكية

الولايات المتحدة لها وجود عسكري محدود في شمال شرق وجنوب سوريا، ولكنه يقف حجر عثرة امام المخطط التركي في الشمال الشرقي، حيث تدعم قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي تتألف بشكل رئيسي من الأكراد. ومنذ تدخلها لمحاربة تنظيم داعش في سبتمبر 2014، تبقى الولايات المتحدة معنية بالحفاظ على استقرار المناطق المحررة من داعش.

إن الموقف الأمريكي يتمثل في دعم العملية السياسية تحت رعاية الأمم المتحدة وانفيذ القرار 2254، ولكن دون فاعلية حقيقة لان المسألة السورية ليست من أولويتها.

الدور الخليجي

الدول الخليجية، وخاصة المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة، حيث لعبت دوراً كبيراً في دعم المعارضة السورية منذ بداية الثورة، وقدمت الدعم المالي والعسكري للعديد من الفصائل المعارضة بهدف إسقاط نظام الأسد. ومع تداعيات الازمة السورية، تغيرت استراتيجيات هذه الدول وتفاوتت مواقفها تجاه الأزمة السورية.

إن دول الخليجية تدعم حلاً سياسياً يضمن مصالحها الاستراتيجية في المنطقة ويعزز من استقرارها الداخلي. ورغم الدعوات العلنية لإقامة نظام ديمقراطي في سوريا، إلا أن الأولويات تختلف، فالسعودية والإمارات تسعيان إلى تقليص النفوذ الإيراني في سوريا، بينما تهتم قطر بدعم جماعات الإخوان المسلمين التي تتماشى مع سياستها الخارجية. وبشكل عام، يبدو أن دول الخليج تفضل حلاً سياسياً يحقق الاستقرار الإقليمي ويحد من تأثير القوى المعادية لمصالحها، أكثر من السعي إلى إقامة دولة ديمقراطية بشكل صريح.

السيناريوهات المحتملة

1- استمرار الوضع الراهن

إذا استمر الوضع الحالي، ستظل سوريا في حالة من الجمود السياسي والعسكري، فالمعاناة الإنسانية ستتفاقم، والاقتصاد السوري سينهار أكثر. ان استمرار القمع وعدم التغيير سيؤديان إلى تفاقم الأزمات الإنسانية والسياسية.

2- تصاعد النزاع

قد يؤدي التصعيد العسكري إلى تفاقم الأوضاع، وخاصةً إذا تدخلت أطراف دولية أخرى أو إذا استمرت النزاعات بين الفصائل المختلفة. هذا السيناريو قد يعزز من تعقيد الأزمة ويزيد من توتر الأوضاع في المنطقة.

3- تسوية جزئية

من الممكن أن تسفر الضغوط الدولية والتغيرات في الوضع العسكري عن تسوية جزئية تتضمن بعض الإصلاحات السياسية أو إعادة توزيع السلطة. ومع ذلك، فإن هذا السيناريو قد يظل محدوداً ويعالج بعض القضايا دون حلها بالكامل.

4- تقسيم سوريا

قد يؤدي الجمود السياسي إلى تقسيم فعلي لسوريا إلى مناطق نفوذ مختلفة، مما ينهي فكرة الدولة السورية الموحدة. هذا السيناريو سيزيد من النزاعات الحدودية ويعقد جهود إعادة الإعمار.

في النهاية، يظل مستقبل سوريا محاطاً بالعديد من التحديات والاحتمالات الغامضة. ومع استمرار سياسة التمسك بالسلطة والقمع، وتعقيدات الدور الذي تلعبه روسيا وإيران، يبدو أن الأفق السياسي لا يزال ضبابياً، للوصول إلى تسوية شاملة، حيث يتطلب الأمر تغييراً في موازين القوى لتصبح لصالح المعارضة، بالإضافة إلى تعديل المواقف من جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك النظام السوري وحلفاءه. وحتى يتم تحقيق ذلك، ستظل سوريا تواجه الأزمات الإنسانية والسياسية، وستبقى محط أنظار المجتمع الدولي الذي لا يسعى بفعالية لإيجاد حلول للأزمة المستمرة.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني