راية التوحيد
لماذا كل هذا النقد والضجيج والذي تعددت غاياته ومراميه، بدأ من الغيرية وصولا الى الاتهامات والتخوين.
كل يفسرها على هواه، ويعكس ذهنيته وكيف يفكر وماهي الآلية المعرفية التي يستخدمها في إنتاج معارفه وتراكم وعيه.
ولماذا التركيز على الراية التي لا تتجاوز الشكل، وإهمال أو التغاضي عن الجوهر المتمثل بالشعارات المرفوعة والهتافات المطروحة والتي تدور في كليتها وتعبر عن التمسك بوحدة الأراضي السورية ووحدة الشعب السوري واحد، الشعب السوري واحد، والدين لله والوطن للجميع.
شعاران أساسيان، شعارا الثورتين، الثورة السورية الكبرى التي قادها المغفور له المرحوم سلطان باشا الاطرش. بطلب وموافقة كل الوطنيين السوريين وقادة الثورات التي سبق وتصدت للقوات الفرنسية أثناء دخولها إلى الوطن بدأ من الشمال السوري. وشعار ما أطلق عليها ثورة الحرية والكرامة.
هذا هو المضمون الحقيقي لحراك السويداء وأهلها الذي تجاوز التطييف بانخراط الأطياف الأخرى.
أبناء هذه المحافظة اللذين لم يتوقفوا يوماً عن العمل من أجل وطن معافى حر، وشعب حر، والذين يشكلون عقدة صعبة الحل لهذه السلطة الفاسدة التي مارست وما زالت تمارس التخريب في عقول الضعفاء من أبناء الدعوى، وخلق الفتن مع الإخوة في داخل المحافظة وخارجها، التي فشلت جميعها وبقوا متمسكين بثوابتهم الوطنية والإنسانية.
إن المعنى الحقيقي لهذه الراية التي كان من الأفضل أن يعطي دلالتها الكاملة شيخ من مشايخ العقل، بالإضافة لما قاله الشيخ الحناوي في دارته لزواره من كلام جميل بوصفه لجمالية هذه الألوان، أضيف عليه بأن هذه الراية تجمع خمسة ألوان أساسية مختلفة ولكنها تشكل أساس لكل الألوان المستمدة منها إلى ما لا نهاية، جمعت كلها في راية واحدة لتعكس حقيقة التوحيد الذي نادت به الدعوة ورفعه وتمسك به أبناؤها حماة الثغور على مر التاريخ، لأنه جزء رئيسي وأساسي من معتقدهم، هذا هو التوحيد الجامع لكل الألوان الدينية والفكرية… إلخ تحت راية الإنسانية وسلاح العقل والتعقل والعقلانية على صنوفها وألوانها لخدمة حامليها، والعاملين على هداها ومنتجيها والمنتجين فيها.
هذا بالإضافة إلى أن هناك تقليد ضمن هذه المحافظة، وهو لكل مدينة وقرية رايتها، ترفعها في الملمات، عند أي خطر يحدق بها، أو عدو يهدد وجودها، ترفع هذه الرايات ويحملها رجال معروفين بشجاعتهم لحمايتها من السقوط ويحيطونها بآخرين لتحقيق نفس الغاية، وينضوون جميعهم كل تحت رايته ويتنافسون في البطولات للدفاع عن وجودهم الحر وكرامتهم. وهذا مورس في الثورتين. العربية ضد الأتراك والسورية ضد الفرنسيين. وسقط تحتها آلاف الشهداء. وحققوا العديد من الانتصارات على أكثر من صعيد.
وللتذكير فقط. حملت هذه الرايات عندما أرسل الشيشكلي الجيش السوري إلى السويداء. رفضوا أبناء السويداء وبأوامر من العقلاء وخاصة المرحوم سلطان الأطرش توجيه السلاح عليه وفضلوا مغادرة المحافظة وهكذا تم.
لا أستطيع أن استفيض أكثر من ذلك لشرح قضايا هامة جداً، حول حقيقة الدعوى وما تحمله من معاني ودلالات مسكوت عنها وغالباً غير مفهومة حتى من أبنائها وخاصة من أغلبية لابسي الزي، الذين يدعون بأنهم أهل الدين.
وربما أبرز الأسس التوحيدية بأن العقل هو نور من نور جمع بين الله والإنسان، وعقل به البشرية جمعاء، كما عقل به كل شيء وهو معيل له ويمثل الخير الذي لا يخلو منه أي إنسان طبيعي، بالإضافة إلى العديد من الأمور الأخرى.
وأخيراً لابد من القول إنه ليس هناك ما هو إيجابي أو سلبي بالمطلق.
كنت وما زلت أتمنى على هذا الحراك أن يترفع عن الإسفاف ويتمسك بالأدب في الهتافات ولغة التخاطب حتى مع الأعداء، لأن هذا يدلل على رقي الذات وتميزها عن الآخرين الذين يحركهم الحقد وردات الفعل وهذا يجافي العقل والتعقل ولا يجني إلا التباغض والتحارب الضار بالجميع وبوحدتهم.