دمشق من عاصمة الياسمين إلى عاصمة الطوابير وطابور البنزين يطرق بوابة غينيس
بدأت الثورة النفطية في العالم في أواسط القرن التاسع
العشر حيث بدأ العالم باكتشاف أهمية وضرورة النفط خاصة مع اندلاع الثورة الصناعية
والتقدم الصناعي الكبير، وكان الرابح الأكبر منطقة الشرق الأوسط كونها تعوم على
بحر من النفط وقد ساهم النفط بشكل كبير في النهضة العمرانية والحضارية في دول
الخليج، ولم تكن سوريا في منأى عن هذه الثروة إذ اكتشف فيها العديد من الحقول
والتي يبلغ عددها 15 حقلاً تتوزع بين الرقة والحسكة ودير الزور التي تمتلك العدد الأكبر
منها.
واقع الثروة النفطية قبل
الثورة السورية
ذكرت منظمة أوبك في عام 2008 أن سوريا قد تتحول من دولة
متوسطة الإنتاج إلى دولة عالية الإنتاج وخاصة أنها مازالت تكتشف العديد من حقول
النفط والجدير ذكره أنه منذ عام 2000 حتى عام 2011 كان الإنتاج السنوي يزداد بمعدل
30% عن العام الذي سبقه وقد وصل إنتاج سوريا من النفط إلى 400 ألف برميل يومياً
كانت تصدر منه حوالي 150 ألف برميل، لكن للأسف كان قطاع النفط خاصة يحاط بسرية
تامة إذ لا يدخل ضمن الميزانية العامة للدولة ويدعم الاقتصاد السوري بنسبة لا
تتجاوز 7% ويشرف عليه القصر الجمهوري مباشرة.
الحرب السورية أنهت احتكار
النظام للثروة النفطية ووضعته تحت رحمة قسد
مع بداية الحرب في سوريا بدأت المناطق في الخروج عن
سيطرة النظام بما في ذلك حقول النفط إذ وقعت في البداية في أيدي داعش ثم تحولت بعد
ذلك إلى قوات قسد، فهي تسيطر قسد على 75% من مصادر الطاقة في سوريا بالإضافة إلى
وجود العديد من الشركات الأمريكية التي تقوم بالاستثمار مع قوات قسد، وقد أبرم النظام
اتفاقاً مع قسد ينص على إعطائه النفط الخام من قسد ومبادلته بمادة المازوت المكرر
ومع بدأ سريان قانون قيصر بدأت قسد بالتخلي عن هذا الاتفاق وعدم الالتزام به.
تجدد انقطاع مادة البنزين وتعطل الحياة في دمشق
مع بدء الحرب في سوريا ارتفع سعر ليتر البنزين من 40 ليرة سورية ليصل الآن البنزين المدعوم إلى 250 والحر الي 450 ليرة سورية ومع فرض التقنين على السيارات، فالسيارات الحديثة لا يحق لها بنزين مدعوم والذي يملك أكثر من سيارة كذلك ولا يحق للشخص الواحد سوى 100 لتر من المدعوم، ومع بدأ سريان قانون قيصر انقطعت معظم مصادر تمويل النظام بسبب منع الولايات المتحدة لوصول أي مشتقات نفطية للنظام، مع تقاعس أو تملل حليفي النظام عن تقديم أي مساعدة له لأنهم يبدون كمن يحاول بث الحياة في جثة تحللت وتآكلت وبدأت بالذوبان، وكل تلك الأسباب أدت إلى شح شديد في مادة البنزين، وقد أعلنت حكومة النظام أن النقص في مادة البنزين يعود إلى تنظيف وتأهيل مصفاة حمص الذي استمر لمدة شهر ولم ينته بعد، وقد كان منظر الطوابير مرعباً فقد بلغ طول أحدها حوالي الـ 4 كم وقد امتد من مشروع دمر في ريف العاصمة الغربي إلى منتصف طريق دمشق والمفارقة، أنه لو استمر قليلاً لوصل إلى القصر الجمهوري في دمشق.
وقد قمنا بزيارة عدة محطات بنزين في دمشق وريفها وأقل طابور فيها يمتد لأكثر من 1كم ولتحصل على مخصصاتك من البنزين التي تبلغ 30 ليتراً والتي قامت الدولة بتخفيضها منذ بداية الشهر الحالي بعد أن كانت 40 ليرتاً كل 5 أيام أصبحت 30 ليتراً كل 7 أيام وقد تحتاج للوقوف لمدة 7 ساعات للحصول على هذه الكمية، وقد أخبرنا الشاب مصطفى أنه اضطر لأخذ إجازة من عمله لمدة يومين ليستطيع تعبئة سيارته فبعد إن انتظر 4 ساعات البارحة لم يحصل على بنزين بسبب نفاذ الكمية فعاد اليوم ليجرب حظه في محطة أخرى، أما أبو سعيد الذي افترش الأرض مع مجموعه من السائقين فقال إن التاكسي هي مصدر الرزق الوحيد له ولعائلته وقد مضى على وجوده في المحطة 4 ساعات وإنه مضطر للانتظار حتى لو قضى الليل هنا، وأثناء وقوفنا لاحظنا دخول وخروج بعض السيارات من بوابات أخرى للمحطة فسألنا أحد السائقين الخارجين مستفسرين إذا كان بإمكاننا تعبئة بنزين بسرعة فأخبرنا أن قريبه عنصر في الفرقة الرابعة وهذه المحطة تابعة لهم ولا يحتاج أبداً للوقوف والانتظار وأنه يستطيع أن يبيع بالسوق السوداء لكن ليس بـ 450 ليرة كما هو سعر البنزين الحر بل بـ 1000 ليرة سورية لليتر الواحد، وقد قمنا بالاستفسار عن هذا الموضوع وعلمنا أن كل محطة وقود تابعة لفرع أمني فبعضها للسياسي والآخر للشرطة العسكرية أما في الأرياف فتتوزع بين الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري.
وهنا يقع الشعب من جديد تحت سطوة أجهزة الأمن والمخابرات بالإضافة إلى قسوة الحصار والشح الكبير في المحروقات، ويكون النظام قد نجح في تحويل دمشق من أقدم عاصمة في التاريخ إلى عاصمة الطوابير وأدخل المواطن في دوامة لا تنتهي من الأزمات المتجددة، مع انعدام أي أفق لأي انفراجات قريبة.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”