fbpx

دمشق دكتها مدافع النظام وأنهكتها تبعات الحصار، خنقها السارين وذبحها الفقر

0 320

تجرأنا على الحلم ولن نندم على الكرامة هكذا كان شعار السوريين في عامهم العاشر على انطلاق ثورتهم المجيدة، التي كانت الولادة الجديدة للسوريين بمختلف انتماءاتهم الدينية والقومية، فاشتعلت المظاهرات على كامل التراب السوري من شماله إلى جنوبه مطالبة بالإصلاحات السياسية ورفع قانون الطوارئ والسماح بحرية التعبير والرأي، التي جابهها النظام بعنف شديد ومبالغ به من قتل وتنكيل واعتقالات طالت الكبار والأطفال والشيوخ والنساء وفي دمشق كان الريف المبادر بالثورة بعد قمع النظام للمظاهرة السلمية التي خرجت بقرب المسجد الأموي مطالبة بإصلاح سياسي وقد اعتقل معظم من كان فيها، فثارت دوما وتبعتها كل مدن وقرى الغوطة الشرقية لكن دوما كان من نصيبها سقوط أول الشهداء في المظاهرة الشهيرة التي خرجت أمام مسجد دوما الكبير وقد أخبرنا أحد ذوي الشهداء أنهم ذهبوا لمقابلة بشار الأسد آنذاك وقد أخبرهم أن ما حصل كان خطأ غير مقصود وأنه لن يتكرر مرة أخرى وسمح لهم بدفن ضحاياهم لكن الغريب أنه عند تشيع الشهداء قام الأمن بإطلاق النار على المشيعين فقتل منهم أكثر من 20 شخص ما أشعل الغوطة الشرقية بكاملها ضد الأسد ونظامه وتبعتها باقي المناطق وصولاً إلى العاصمة دمشق التي ثارت بجميع أحيائها وهنا تصدى لها الجيش بمنتهى الوحشية والإجرام ودمر جزءاً كبيراً منها متذرعاً بأنها مناطق عشوائية لا أهمية لها.
وضع دمشق وريفها قبل الثورة كان مزدهراً بفضل نشاط الأهالي والحركة العمرانية:
تتميز العاصمة دمشق بكونها في الأصل عبارة عن بساتين خضراء نمت على ضفاف بردى محولة دمشق إلى جنة أو غوطة كما عرفت عبر التاريخ لكن مع الإهمال والتصحر قلت نسبة المساحات الخضراء كثيراً ولم يبق منها سوى الغوطة الشرقية التي بدأت تتأثر أيضاً بكل تلك العوامل، وفي الأعوام الأخيرة شهدت المنطقة نهضة عمرانية كبيرة قام بها الأهالي، فنظراً لارتفاع أسعار العقارات في دمشق، ظهرت أحياء جديدة مخدمة بشكل كامل لكن للأسف لم تكن مسجلة بأوراق رسمية لأنها لا تملك رخص بناء نظامية ونظراً لاضطرار المواطنين وإقبالهم عليها، انتشرت بشكل كبير في أحياء العاصمة وكانت مخدمة بالماء والكهرباء، أما بالنسبة لمستوى المعيشة فقد كان معقولاً، كان كل شيء متوفراً ورخيص السعر نظراً للاكتفاء الذاتي الذي كانت تعيشه سوريا قبل الحرب، أما على صعيد التجارة فقد كانت دمشق تمتلك أسواقاً كبيرة في شرق العاصمة وجنوبها، كانت تضاهي بل وتطغى على أسواقها المعروفة كالحمرا والصالحية وكان على رأسها جوبر وشارع لوبيا في مخيم اليرموك الذي كان مقصد الأهالي من دمشق بل ومن المحافظات نظراً لرخص أسعاره، مقارنة بباقي الأسواق في دمشق، بالإضافة لكون دمشق أقدم عاصمة مأهولة فقد كانت تجتذب سياحاً من جميع أنحاء العالم وكان قطاع السياحة مزدهراً نظراً لوجود مكاتب سياحية كثيرة، وبسبب طيبة وحسن ضيافة الشعب السوري الذي كان يشجع السياح على المجيء، فسوريا ذات المساحة الصغيرة مقارنة ببعض الدول استقبلت أكثر من نصف مليون لاجئ فلسطيني وعادت واستقبلت أكثر من مليوني لاجئ عراقي دون أن تضيق بهم الأرض أو يشتكي منهم المواطنون.
دمشق من عاصمة الياسمين إلى مدينة منكوبة بعد الثورة:
ومع بداية الثورة وخروج الغوطة الشرقية والأحياء الملاصقة لها جوبر وبرزة والقابون بالإضافة إلى جنوب دمشق مخيم اليرموك والحجر الأسود ويلدا وببيلا عن سيطرة النظام عمد النظام بداية إلى اتباع سياسة الأرض المحروقة فأشعل الأرض ناراً تحت أقدام المواطنين الأبرياء وعند فشله في إضعاف صمودهم قام بالجريمة الشنعاء واستخدام أسلحة كيميائية محظورة أدت إلى وفاة المئات ورغم ذلك فشل أيضاً فعمد أخيراً إلى ضرب حصار كامل على الأحياء المعارضة واتبع سياسة التجويع الجماعي بدءاً من مضايا في القلمون وصولاً إلى مخيم اليرموك وراح ضحية ذلك مئات الأشخاص ما اضطر سكان تلك المناطق إلى أكل أوراق الشجر والحيوانات كالقطط والكلاب لإسكات جوعهم وجوع أطفالهم بالإضافة إلى منع الأدوية والمعدات الطبية من الدخول إلى تلك المناطق أيضاً أملاً في إخضاعهم، واستمر في تلك السياسة الإجرامية حتى أجبر الأهالي والمسلحين في تلك المناطق على توقيع اتفاقات مع النظام برعاية روسية أفضت إلى خروجهم إلى الشمال السوري، والآن وبعد عشر سنوات، بدأ العالم بالتحرك لمعاقبة النظام على أفعاله الإجرامية وفرض قانون قيصر، أصبح وضع أهالي دمشق أسوأ من قبل، فرغم خسارتهم لمأواهم وبيوتهم لأن النظام قام بتدمير معظم المناطق الثائرة ضده تدميراً كاملاً أو جزئياً إذ تصل نسبة الدمار في العاصمة إلى حوالي 40%، فالآن هم مهددون بمجاعة حقيقة تضرب سورية إذ تصل نسبة الفقر في دمشق إلى 90% فبعد أن كان متوسط دخل الموظف الحكومي 600 دولار شهرياً تحول اليوم إلى 10 دولارات، وبعد أن كانت الجامعات السورية في مقدمة الجامعات العربية أصبحت الآن بلا ترتيب بين الجامعات بسبب الفساد والمحسوبية وبيع الشهادات بالإضافة إلى سوء المناهج وتخلفها، أما المدارس، فحدث ولا حرج، تسيب وانعدام نظام وغياب معلمين ومناهج تتغير سنوياً بلا أي هدف وضياع لمستقبل الأطفال دون أي رقابة أو حس بالمسؤولية.
الثورة كانت النتاج الطبيعي لتجاهل النظام للمواطنين ومطالبهم بل وتعامله بتعال وفوقية مع أي دعوة للإصلاح والتغيير على أنه نظام مقاوم ممانع يصارع أكبر الدول الاستعمارية التي تتآمر عليه وتريد إخضاعه، والثوار هم مجموعة خونة تقودهم أمريكا وإسرائيل، لكن الحقيقة أن الخائن الحقيقي من استدعى الإيراني والروسي ليقتل ويشرد ويذبح ويستبيح، زوال هذا النظام أصبح ضرورة فمن باع التراب السوري وسفك دم السوريين لا يستحق بأي شكل من الأشكال أن يبقى في سلطة أو حتى في أي منصب ولو كان شكلياً فقط.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني