fbpx

حرب أوكرانيا.. وضعت الاتفاق النووي في خبر كان

1 481

لم يكن خافياً على أحد، أن من أولويات سياسات الإدارة الديمقراطية الأمريكية (كما أعلن الرئيس بايدن ذلك بحملته الانتخابية) في الشرق الأوسط هي الوصول إلى اتفاق نووي جديد مع إيران. أو بمعنى آخر العودة إلى الاتفاق القديم الذي انسحب منه الرئيس ترامب بشروط جديدة. وبدأت الإشارات الأمريكية تصل لطهران (التي كانت أكثر المبتهجين بفوز الحزب الديمقراطي في الانتخابات) فقد عين الرئيس بايدن معظم صانعي اتفاق 2015 في عهد الرئيس أوباما في مناصب رفيعة ومنها الفريق المسؤول عن القديم.

والحجة الأمريكية المعلنة، هي تغيير أولويات الاستراتيجية الأمريكية في العالم والتخفف من أعباء الشرق الأوسط، وللوصول لذلك لابد من الوصول لاتفاق نووي يقيد أنشطة إيران في امتلاك قنبلة نووية، وعدم خوض حرب معها أو حصول سباق نووي في المنطقة.

التمهيد للانسحاب الأمريكي من البر الشرق أوسطي وعدم الانخراط بحروب ونزاعات لا تنتهي، ظهر جلياً في التوجه إلى المحيط الهادي وبحر الصين الجنوبي لمواجه التمدد الصيني، والتفرغ لأوربة وإصلاح الضرر الذي أحدثته سياسات الرئيس ترامب تجاه الحلفاء الأوربيين.

وبدأت المؤشرات الأمريكية لمغازلة النظام الإيراني تظهر، فبعد أقل من 20 يوماً من وصول الرئيس بايدن للبيت الأبيض، أزال جماعة الحوثي من لوائح الإرهاب الأمريكية، وأعقب ذلك بانسحاب دراماتيكي من أفغانستان، أتبعة بانسحاب القوات القتالية من العراق نهاية العام المنصرم.

فيما كان الموقف الأمريكي ليناً تجاه استهداف الميليشيات المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني في سورية والعراق، واكتفى بأحيان كثيرة بالاحتفاظ بحق الرد، فيما اكتفى بموقف المتفرج من الاعتداءات على المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة من قبل أذرع الحرس الثوري الإيراني في اليمن والعراق.

فيما كانت المفاوضات مع الوفد الإيراني جارية على قدم وساق في فيينا اعتباراً من شهر آذار من العام الماضي، توقفت لعدة أشهر أثناء تغيير السلطة التنفيذية في إيران بوصول رئيس جديد من أقصى اليمين الإيراني.

وصل الاتفاق لربع الساعة الأخير، بحيث تم الاتفاق خلال شهر شباط الماضي على معظم الجزئيات وتم إعداد مسودة الاتفاق وبدأت المؤشرات تشير إلى إعلان الاتفاق الجديد في الثلث المتوسط من شهر آذار الحالي باحتفال ضخم في فيبنا، مع رضوخ الإدارة الأمريكية لشروط إيران بالتفاوض على اتفاق نووي فقط دون ربطه بملفات أخرى طالبت بها دول المنطقة، كملف التمدد الإقليمي وملف الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة.

الغزو الروسي لأوكرانيا غير كل المعطيات

لا شك أن المفاوض الإيراني بفيينا استفاد من جو التصعيد أو الصراع الذي بدأت ملامحه ترتسم بالأفق بين روسيا والغرب بالحشودات الروسية الهائلة على الحدود الأوكرانية من حيث تليين الموقف الأمريكي في المفاوضات الراغب بالتوقيع لإنهاء انشغاله بالشرق الأوسط والتفرغ لمواجهة التنمر الروسي في أوربة.

كان يوم 24 شباط مفصلياً بالنسبة لإيران، وسعيها للوصول لاتفاق يخرجها من العقوبات الدولية القاسية ويعيد دمجها مع المجتمع الدولي مع الاحتفاظ بالعواصم الأربعة + غزة وميليشياتها ومسيراتها ومخدراتها.

وهنا لابد من الإشارة أن الجانب الفني من المفاوضات النووية أعطت لروسيا وحدها (باعتبارها الطرف المؤهل للعب هذا الدور) القيام بكل الأعمال المطلوبة من تسلم اليورانيوم الإيراني المخصب فوق النسبة 3.67، واستلام أجهزة الطرد المركزية الحديثة بالإضافة إلى مختلف التفصيلات الفنية الأخرى باعتبار أن المفاعلات النووية الإيرانية روسية الصنع أيضاً، وقد تعمدت روسيا (كما تبين لاحقاً) الإمساك بمعظم التفاصيل الفنية.

وعلى زعم أحد أعضاء مجلس الشورى الإيراني حديثاً، حيث قال: لقد تعرض الإيرانيون لخديعة روسية بالتريث بالتوقيع مطلع العام الجاري وذلك بغية الاستفادة من جو الصراع الدولي للحصول على أقصى ما يمكن من تنازلات أمريكية وفي الوقت نفسه كانوا يبيتون قرار الحرب على أوكرانيا، وقد شنوا الحرب قبل تحرر إيران من العقوبات الدولية بحيث لو وقعت طهران الاتفاق قبل اندلاع الحرب لأصبحت محجاً أو بازاراً عالمياً لتعويض النفط والغاز الروسيين الذي تهدد أوربة بتخفيف الاعتماد عليه والبحث عن بدائل له.

وقد أبدى رئيس النظام الإيراني رغبته تلك أثناء زيارته الأخيرة لقطر حيث أعرب عن استعداد بلاده لضخ نفطها وطاقتها للسوق العالمية لخفض الأسعار وهو ينعكس بالضرورة على الداخل الأمريكي لمساعدة الرئيس بايدن بالانتخابات النصفية للكونغرس في خريف العام الحالي.

تصريحات لافروف تعد بمثابة فيتو على الاتفاق النووي

لاشك أن العقوبات الدولية القاسية غير المتوقعة التي فرضت على روسيا إضافة للموقف الدولي الموحد اتجاهها من جناحي الاطلسي ومن الحزبين في أمريكا (وهي نادراً ما تحصل) إضافة إلى التعثر الروسي الواضح بالغزو وتوقع دخول الجيش الروسي بحرب استنزاف طويلة وبدء ظهور آثار العقوبات الدولية على الاقتصاد الروسي، وتلكؤ الاتحاد الأوربي بفرض أي عقوبات على مستوردات الطاقة الروسية، لأن تأمين البدائل يتطلب وقتاً.

وبما أن الارتفاع الصاروخي لسعر برميل النفط الذي قد يصل إلى 300 دولار يشكل أولاً مصدر التمويل الرئيسي لآلة الحرب الروسية (بعد تجميد كل الأصول الروسية في الخارج وإخراجها من نظام سويفت والعقوبات على البنك المركزي الروسي).

أيضاً هي ورقة ضاغطة على الولايات المتحدة، حيث تخلت الأخيرة عن خطوطها الحمراء، واتصلت بفنزويلا وإيران لتعويض النقص أو خفض الأسعار في ظل عدم استجابة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة للطلبات الأمريكية بزيادة الضخ اليومي لبترولها وإعراب الدولتين عن التمسك باتفاقات الحصص المعمول بها في أوبك بلس مع روسيا.

كل ذلك يجعل دخول أي منتج آخر للسوق هو إضرار بالورقة الروسية القوية التي يتمسك بها بوتين لإنزاله من قمة الشجرة التي صعد إليها، والتي تحاول أمريكا قطعها ليقع على الأرض وينكسر سياسياً وعسكرياً واقتصادياً بفعل العزلة الدولية ومسارات الحرب المتعثرة.

في هذه الأجواء أتى تصريح الوزير لافروف يوم السبت 5 آذار “أن بلاده طلبت من واشنطن ضمانات بأن العقوبات التي تستهدفها على خلفية عملياتها العسكرية في أوكرانيا لن تطال تعاونها مع إيران قبل إعادة العمل بالاتفاق النووي” كما أضاف خلال مؤتمر صحفي “هناك مشكلات لدى الجانب الروسي، وطلبنا من زملائنا الأمريكيين تقديم ضمانات مكتوبة، بأن العقوبات لن تؤثر على حقنا في التعاون الحر والكامل التجاري والاقتصادي والاستثماري والتقني العسكري مع طهران”.

رداً على تصريحات لافروف، اعتبر مسؤول إيراني كبير أن المطالبة الروسية بضمانات مكتوبة من واشنطن، أن العقوبات على موسكو لن تضر بتعاونها مع إيران غير بناءة للمحادثات الجارية في فيينا التي تهدف لإحياء الاتفاق النووي 2015.

كما أضاف المسؤول في طهران بحسب ما نقلت رويترز “طرح الروس هذا الطلب على الطاولة قبل يومين غير مفيد للمفاوضات النووية”

إلى ذلك اعتبر أن موسكو تريد بطلبها هذا تأمين مصالحها في أماكن أخرى في إشارة إلى الملف الأوكراني والعقوبات المفروضة عليه.

وكان قد أعرب وزير الخارجية الأمريكي أن الطلب الروسي غير قابل للمناقشة أو التنفيذ، ما يعني أن الاتفاق النووي أصبح في موت سريري (مرحلياً على الأقل).

ويرى خبراء أن الفيتو الروسي يتطلب إعادة التباحث على النقاط الفنية بالاتفاق وهو أمر يتطلب شهوراً طويلة إضافة إلى التغير الذي طرأ على العلاقات الدولية حديثاً، إضافة إلى ضرورة تصديق أي اتفاق نووي من مجلس الأمن كما ذهب الرئيس السابق أوباما بالاتفاق القديم لإعطائه الصفة الدولية ولتعذر تمريره في الكونغرس الأمريكي.

لن توافق روسيا وفقاً لمصالحها على الاتفاق الذي يطلق الطاقة الإيرانية المنافسة للطاقة الروسية في الأسواق، ولن تقبل أن يستفيد الغرب والصين من تدفق الأموال الإيرانية المجمدة واستثناءها من ذلك، ولن تقبل بنزع ورقة الطاقة من يدها خاصة مما كان يحسب حليفاً.

لذلك وفق المعطيات السابقة أرى أن الاتفاق النووي بحكم الميت سريرياً الآن وفي المدى القريب أيضاً.

1 تعليق
  1. Md khaleefa says

    موضوع توصيفي تحليلي ومحايد . يستحق القراءة والتمعن .

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني