fbpx

توتر في العلاقات العربية التركية سيلقي بظلاله السلبية على الملف السوري

0 1٬681

كان فوز الرئيس الأمريكي جو بايدن في الانتخابات الرئاسية، جرس الإنذار الذي تعاملت معه دول المنطقة أحسن تعامل.

لم يخف الرئيس الأمريكي سياسته الشرق أوسطية، وبدأ بتعدادها منذ حملته الانتخابية، فكانت العودة للاتفاق النووي مع إيران، الذي انسحب منه الرئيس ترامب هي حجر الأساس لتلك السياسة.

ويعلم قادة دول المنطقة ماذا يعني ذلك، حيث سيعقب شهر العسل الأمريكي – الإيراني طوال فترة السنوات الأربع التي سيقضيها الرئيس الديمقراطي في البيت الأبيض، آثار كارثية على الإقليم.

قد تكون أشد من الآثار التي أعقبت توقيع إدارة الرئيس أوباما على اتفاق 2015، الذي بموجبه توطدت سلطة إيران، بل امتلكت للقرار السياسي في أربع عواصم عربية مع غزة.

وكانت انتقادات الرئيس الأمريكي في حملته الانتخابية واضحة ومباشرة، ولا تحتمل التأويل بشأن موقف إدارته من المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية والجمهورية التركية.

كان النقد لاذعاً بل يصل لمرتبة التدخل بالشؤون الداخلية للدول، التي من المفترض أنها من الحلفاء الدائمين للولايات المتحدة.

سارعت دول الإقليم لترتيب أوضاعها، حتى قبل مباشرة الرئيس الأمريكي لمهامه في البيت الأبيض، فجرت المصالحة الخليجية مع قطر بقمة العلا في الخامس من كانون الثاني 2021، أعقبها مصالحة قطرية – مصرية كانت لافتة بسرعتها ودفئها.

أعقبها انفتاح خليجي قوي على تركيا وخاصة من الدولتين المحوريتين في مجلس التعاون (السعودية والإمارات) تمثل بتذويب الجليد في خطوط القنوات بين البلدين، الذي تم بسرعة قياسية، وتبادل زيات على أعلى المستويات بين تركيا والمملكة والإمارات.

وكانت علامات وئام تركي – مصري تبدو في الأفق عبر التصريحات السياسية والاجتماعات الأمنية، التي تشير لاندفاع تركي وتحفظ مصري باتباع نفس المسار التركي مع المملكة والإمارات.

كان الرغبة التركية واضحة للوصول لسياستها الشهيرة صفر مشاكل، أو إعادة تفعيلها، وحدث تبريد للأجواء التركية مع كل الدول التي توترت علاقاتها معها في السنوات القليلة الماضية كالدولة الأرمينية والعبرية واليونان (قبل أن تتأزم مجدداً)، وأخذت السياسة التركية زخماً كبيراً خاصة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا وتوقع أن تلعب تركيا دوراً رئيسياً في الصراع الدائر نظراً لموقعها الجيوسياسي وعضويتها في الناتو وتمتعها بعلاقة جيدة مع موسكو.

يبدو أن حصاد جولة الرئيس الأمريكي الشهيرة في منتصف تموز الماضي وعلى وقع انخفاض شعبيته داخل الولايات المتحدة وارتفاع مؤشرات التضخم وارتفاع أسعار البنزين والغذاء، وسعيه إلى تأمين مصادر بديلة للطاقة الروسية للقارة الأوربية، وسحب هذا السلاح من يد الرئيس الروسي الذي يعتبره السلاح الرئيسي في معركته مع الغرب الجمعي، جاء مخيّباً للآمال.

عقد الرئيس بايدن اجتماع قمة مع قادة تسع دول عربية لم ينتج عنها نتائج مباشرة أو ملموسة، فمازال الارتياب العربي من سعي الولايات المتحدة لإنجاز اتفاقها النووي مع إيران قائماً دون مراعاة للملفات الأخرى التي تؤرق الدول العربية.

كما أننا لم نلمس نتائج تقارب أنقرة مع الرياض وأبو ظبي بتفعيل الكم الكبير من الاتفاقات الاقتصادية والوعود باستثمارات في تركيا، حيث مازال الاقتصادي التركي يعاني، وأزمة الليرة مستمرة ومعدلات التضخم والغلاء قياسية.

ولم تتجاوب القاهرة مع الرسائل الودية التركية، ولم يجر أي اجتماع سياسي بينهما ولم تخرج الاتصالات عن دائرة المستويات المخابراتية رغم تلبية أنقرة لمعظم المطالب المصرية، بل إن انتكاسة كبرى في العلاقات حصلت عبر الوكلاء، حيث أقدم القيادي الليبي باشاغا (المتحالف مع اللواء حفتر) والذي يرأس حكومة تنافس حكومة الدبيبة الشرعية في طرابلس، التي تحظى بدعم أنقرة، على محاولة انقلابية لإسقاط الحكومة الموالية لتركيا وباءت تلك المحاولة بالفشل في تطور لافت سلبي بين تركيا من جهة وكل من القاهرة أولاً، ويمكن الرياض وأبو ظبي ثانياً.

قد يغضب التوجه التركي الولايات المتحدة وأوربا لتقوية علاقاتها السياسية والاقتصادية مع موسكو وعدم انضمام تركيا للعقوبات الغربية المفروضة على موسكو بل محاولة الحد من تأثيرها بفتح البوابة التركية أمام روسيا المعزولة.

لكن ما يغضب العرب عامة وبعض دول الخليج العربي الرئيسية الموقف التركي من إيران والرافض للعقوبات الأمريكية والمتحفز لرفع العقوبات عنها ووضع خطة تبادل تجاري طموحة تصل إلى أرقام كبيرة بحيث تكون شريكاً اقتصادياً رئيسياً لها رغم وجود الكثير من نقاط الخلاف في السياسية بين البلدين، ودائماً ما كانت تثير حفيظة الدول الخليجية المواقف التركية من عدم شرعية العقوبات الأمريكية وضرورة رفعها مع عدم الرضى على التصنيف الإرهابي للحرس الثوري.

نقطة خلاف ظهرت مؤخراً، أثبتت اختلافاً بين التوجهات التركية والعربية، تمثلت بالانفتاح التركي المعلن حديثاً تجاه النظام السوري وتصحيح مسار العلاقات.

وبين الرفض العربي لأي تعويم للنظام السوري أو أي تطبيع معه وتجلى ذلك بمنع عودة النظام لشغل مقعد سورية في الجامعة العربية وحضور مؤتمر القمة القادم في تشرين الثاني القادم في الجزائر.

التموضع التركي الجديد شي بخيار أنقرة السير في التنسيق أكثر مع طرفي محور أستانة روسيا وإيران مع ما ينعكس ذلك في الملف السوري تحديداً من المطالبة بالانسحاب الكامل للقوات الأمريكية من سورية والانفتاح على نظام الأسد والسير بخطط أستانة للحل السوري والذي عارضته الدول العربية عبر اجتماعها مع الولايات المتحدة وبعض الدول الأوربية في جنيف مؤخراً والتمسك بالمسار الأممي للحل.

قد يكون انتفاض الجامعة العربية في بيانها الصادر عن اجتماعاتها ضمن الدورة 158 والمنعقد بالقاهرة رئاسة فلسطين والذي تحفظت عليه أربع دول فقط هي قطر وجيبوتي والصومال وليبيا.

حيث طالبت الجامعة العربية في بيانها كلاً من إيران وتركيا بوقف تدخلاتها في شؤون الدول العربية التي تزعزع استقرار المنطقة.

وكان لافتاً تصريح وزير الخارجية المصري سامح شكري حيال الأزمة السورية حيث قال نصاً: “إن التدخلات الخارجية مازالت تلعب دوراً هاماً بهدف الإضرار بالأمن القومي العربي وإن التدخلات التركية السافرة التي يمكن وصفها بحالة الاحتلال مستمرة في سورية”.

ويوم الأربعاء 8 أيلول الماضي أدان الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط التدخلات التركية والإيرانية في شؤون دول المنطقة، ثم وصل للقول إلى أن تركيا “استمرت في احتلال أجزاء من سورية وباشرت اعتداءاتها على العراق، وانغمست في الأزمة الليبية بالتدخل العسكري المباشر.

ورحب مجلس الجامعة العربية بتشكيل اللجنة العربية الوزارية بشأن التدخلات التركية في الشؤون الداخلية للدول العربية والتي تتكون من مصر رئيساً وعضوية كل من المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين والعراق، والأمين العام للجامعة وذلك لمتابعة التدخلات التركية في الشؤون العربية ورفع توصياتها للمجلس الوزاري.

ووافق المجلس على إدراج بند التدخلات التركية في الشؤون الداخلية للدول العربية كبند دائم على جدول أعمال مجلس الجامعة الوزاري.

فيما أدانت الخارجية التركية عبر بيان لها نقلته وكالة الأناضول حيث قالت “شهد الاجتماع 158 لمجلس وزراء خارجية جامعة الدول العربية المنعقد بتاريخ 6 أيلول 2022 مرة أخرى قرارات وتصريحات تتضمن مزاعم لا أساس لها من الصحة ضد بلدنا ونرفض تماماً هذه التصريحات والقرارات”.

وتابعت: “إن هذه القرارات اتخذت تحت تأثير بعض المصالح الفردية ضيقة الأفق وقصيرة الأمد، وإن هذه القرارات تحرم جامعة الدول العربية من فرصة تقديم مساهمة ملموسة وبناءة ومستدامة في حل المشاكل الإقليمية.

وأكدت أن تركيا ستواصل مكافحة التهديدات الإرهابية ضد أمنها القومي ومصالحها في إطار مبادئ وقواعد القانون الدولي رغم النهج المتحامل عليها، كما أن مكافحة تركيا للإرهاب الانفصالي يحمل أيضاً أهمية كبيرة من حيث الحفاظ على سيادة بلدان المنطقة ووحدة أراضيها ووحدتها السياسية”.

وتابع بيان الخارجية: “وفي هذه المناسبة تجدد تركيا استعدادها للعمل مع جميع الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية، التي تولي أهمية لإرساء الاستقرار والازدهار في المنطقة كهدف مشترك”.

مما لاشك فيه أن هذا التوتر في العلاقات العربية – التركية بعد محاولة الجانبين تجاوزه في الفترة الماضية، نتيجة اختلاف الرؤى والسياسات في التموضع في الصراع الدائر في المنطقة، سيترك آثاره السلبية على القضية السورية، ومن بديهيات إنهاء المعاناة السورية بحل عادل يضمن تنفيذ الحد الأدنى لمطالب الثورة السورية والشعب السوري عموماً، بوابة هذا الحل توافق عربي – تركي أراه متعذراً في المرحلة القريبة.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني