fbpx

تفكيك ثنائية السيادة والعولمة: نحو إطار مرجعي لتحديد أولويات السياسة الخارجية في عصر التبعية المتبادلة

0 73

في خضم التشابك المُعقد بين المُتغيرات الوجودية الهايدغرية (الجيوسياسية) والتفاعلات الناعمة للقوة في النظام الدولي ما بعد الحداثوي، الذي نعاصره اليوم، تبرز إشكالية تحديد الهوية السياسية للدولة القومية ككيان سيادي في مواجهة الإملاءات البنيوية للنظام الليبرالي العالمي وما تمليه العقائد الاجتماعية للدولة. فمن جهة، تُجبر الديناميكيات العابرة للحدود – من الأزمات المناخية إلى التدفقات الرأسمالية اللامادية – الدول على تبنّي نماذج حوكمة تفقد معها تدريجيًّا احتكارها لمفاهيم مجتمعية تقليدية مثل “السيادة المطلقة” و”عدم التدخل”. ومن جهة أخرى، تدفع الموجة الشعبوية الرافضة للنخبوية العالمية نحو إحياء خطابات سيادية متشددة تستند إلى سرديات هوياتية تتصادم مع المبادئ الكونية لحقوق الإنسان وحق المواطن في المشاركة برسم سياسة الدولة (هنا يكمن الشعور بكذبة الديمقراطية).

هذا التناقض الجدلي يطرح تساؤلًا وجوديًّا: هل يمكن للدولة أن تحافظ على العقد الاجتماعي الداخلي القائم على الشرعية التمثيلية، بينما هي منغمسة في شبكة معقدة من الالتزامات الخارجية التي تُعيد تشكيل سياساتها الداخلية وفق معايير تكنوقراطية عابرة للتمييز تحت أي بند؟ الواقع يشير إلى أن مفهوم “السيادة المرنة”، الذي تبنّته دول مثل سنغافورة وسويسرا (والذي يجمع بين الاندماج الاستراتيجي في المنظومات العالمية وحماية المصالح الحيوية الداخلية عبر آليات ذكية)، قد يمثل نموذجًا انتقاليًّا. لكن تطبيقه يتطلب شروطًا بنيوية، كوجود مؤسسات قادرة على التكيف مع الانزياحات المفاجئة في النظام الدولي، وهو أمر تعجز عنه العديد من الدول الهشة، وخصوصًا تلك التي خرجت لتوّها من حروب داخلية دامية.

في هذا السياق، تكتسب نظرية “الواقعية المؤسساتية” زخْمًا تجريبيًّا كمحاولة لتجاوز الثنائية الكلاسيكية بين المدرسة الواقعية والمثالية في العلاقات الدولية. فالدول التي تستطيع توظيف المنصات متعددة الأطراف – مثل مجموعة العشرين أو تحالفات الأمن السيبراني – لتعظيم نفوذها دون التخلي عن جوهر سيادتها وتماسكها الداخلي، تبدو أكثر قدرة على تحقيق “الاستقلالية عبر الاعتماد المتبادل”. لكن هذا النموذج يظل رهْنًا بتوازن القوى الإقليمية وطبيعة التحالفات المرنة في عصر تتسارع فيه وتيرة التحولات التكنولوجية، التي تعيد تعريف مفاهيم الحدود والأمن القومي. وبذلك، تكون وظيفة القيادة السورية الجديدة في غاية الصعوبة بين التوفيق بين تماسك الداخل والمناورة خارجيًّا.

لكن، كرأي شخصي، فإن العمل على تماسك الداخل والتقارب مع الشعب السوري يُعتبر نقطة انطلاق لكسب احترام الخارج، الذي لا يحترم إلا الأقوياء. فالشعوب هي مصدر القوة للدولة عبر التاريخ.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني