تسعون شتيمة
لا يمكن أن نصدّق عقلياً وواقعياً روايات المؤرخين الإسلاميين حول قيام الإمبراطورية العربية الواسعة وضمّ بلاد فارس والأندلس إليها. لا يمكن واقعياً وعقلياً تصديق سذاجة من يقول إن مجموعة من عرب الجزيرة هجموا على الشام والعراق ومصر وهزموا إمبراطوريتين كبيرتين: بيزنطة وفارس، لابد أن يكون الهازم متفوقاً بالأصل عسكرياً على الأقل على جيشي فارس وبيزنطة.
لا يمكن عقلياً وواقعياً أن نصدّق أن القادة الكبار وخططهم العسكرية الاحترافية: خالد بن الوليد، أبو عبيدة بن الجراح، عمرو بن العاص، سعد بن أبي وقاص، شُرحبيل بن حسنة، معاوية بن أبي سفيان، والحجاج بن يوسف الثقفي، مجرد رجال عاديين، بل لا بد أن يكونوا قادة جيش دولة متقدمة.
لا يمكن عقلياً وواقعياً أن نصدّق القصص البسيطة عن عمر بن الخطاب ودخوله للقدس راكباً حماراً. لا بد أن يكون عمر بن الخطاب إمبراطوراً لدولة قوية.
لا يمكن أن نصدق عقلياً وواقعياً أن المقوقس ملك مصر، وما أدراك ما مصر، قد أرسل هدية إلى شخص لا يعرفه ويدعوه إلى دين جديد، لا بد أن يكون محمد رجلاً ذا أهمية عالمية بوصفه رجل دولة قائمة ذات شأن.
لا يمكن أن نصدّق عقلياً وواقعياً أن دمشق عاصمة الدولة العربية لم تكن عربية وصارت عربية.
لا يمكن أن نصدق أن قصر هشام بن عبد الملك في أريحا بكل ما ينطوي عليه من فن عمارة وزخرفة واتساع حادث مقطوع الجذور عن تاريخ عمراني لدولة ذات منعة وقوة.
لا يمكن أن نصدق واقعياً وعقلياً أن الارتقاء الأدبي والمعرفي والثقافي في العصرين الأموي والعباسي مجرد طفرة بلا تاريخ.
وبالمناسبة فإن أحد معاني كلمة خليفة في العربية هو: السلطان الأعظم، وبالتالي الخلفاء ليسوا هم الذين خلفوا الرسول، بل هم السلاطين العظماء الذي حكموا الإمبراطورية العربية. ولهذا السبب (أي في معنى خليفة) ظل هذا اللقب مستمراً لردح طويل من الزمن، من الخلفاء الأمويين إلى العباسيين إلى الفاطميين الخ. وما زالت العرب تسمّي أبناءها باسم خليفة، الخليفة بمعنى السلطان.
لا يمكن أن نصدّق عقلياً وواقعياً أن اللغة العربية، التسعة والعشرين حرفاً (لأن الهمزة حرف) التي سادت وكُتب بها هذا الإبداع الكبير هي مجرد لغة مجموعة سكانية تسكن صحراء الجزيرة العربية. يجب أن تكون في الأصل لغة مدن وحضارة واسعة ومتقدمة. وثمرة تمازج لغات ولهجات الأقوام في جزيرة العرب، وجزيرة العرب هي كل بلاد الشام والعراق وجميع المناطق الواقعة على الخليج العربي بما فيها اليمن. وهي منطقة شهدت ممالك كثيرة بحسب الوثائق المكتوبة، من ممالك اليمن إلى مملكة كندة ومملكة تنوخ، إلى مملكة تدمر ومملكة الأنباط إلى ممالك الغساسنة والمناذرة، إلى آخره.
عقلياً ومنطقياً وواقعياً فإن غياب هذه الممالك المتعددة واندثارها لقاء توحّدها في مملكة واحدة هي المملكة العربية التي أسسها محمد ووصلت ذروة مجدها مع معاوية لا بد أن يكون قد سبقتها حروب محلية، وتوحيد بالقوة.
أنا لا أملك أجوبة على أسئلة تتعلق بكيف تم ذلك، لكني أطرح ما يمكن أن يكون عقلياً وواقعياً، للتحرر من السردية الساذجة للمؤرخين الإسلاميين.
بعض المنتمين إلى الأقوام المغلوبة المتعصبين ضد العرب، الأقوام التي خضعت لملك العرب، تتحدث عن بداوة هجمت على مناطقهم فهذا نمط من الغباء التعصبي ليس إلا.
ليس كل عقل قادر على استيعاب ما يحصل، إذا كنت لم تفهم السلام للآن وعلاقته بكل الفعاليات الإنسانية فكيف لك أن تفهم التاريخ وقدرة السلام على تفعيل كل هذه القدرات لصنع المستحيل؟