fbpx

ترميم الانسان السوري ومفهوم إعادة الإعمار نينار برس

0 460

ثمة أسئلة تطرح نفسها علينا، فنقول: كيف نستطيع أن نجعل الانسان السوري ينتصر على خلافاته واختلافاته في مرحلة ما بعد الحرب،، هذه الحرب الطاحنة بكل المقاييس. وكيف يمكننا أن نجعله فعّالاً في معالجة أسبابها، وفي التصدي لعملية إعادة البناء والإعمار؟.
كيف نستطيع أن نجعل هذا الانسان مستعداً للعب دور نحلة نشيطة في خليته الاجتماعية؟ ولا ينبغي أن يغيب عن بالنا، أنه يحمل أضراراً شتّى في جسده وروحه من آثار الحرب وتشوهاتها.
ولكن، يمكننا القول، أن البشر المرضى بداء الحرب، يحتاجون إلى طريقة مثلى لعلاجهم، إذ أن السلاح الأشد فتكاً في الحروب هو ” تدمير النفس البشرية”، والذي يقضي على التوازن النفسي للمواطنين، وخاصةً الأطفال منهم، إذ أنه سيظهر بشكل ملموس وواضح للعيان في جيل كامل من الأطفال سيكبر، ومن ينجو منهم سيعاني حتماً من آثار الصدمات والتأثير النفسي الشديد، وهو الضغط الذي تجاوز قدرة الانسان على التحمل والعودة إلى حالة التوازن.
إن فقدان الأهل، وحالات التشرذم، والإرغام على ارتكاب أعمال العنف، قد زاد من شدّة الضغوط النفسية على الأطفال. وهنا لا بدّ لنا من ذكر آثار الحرب، التي تمظهرت بمظاهر عدة أهمها: الموت وجرحى الحرب ودمار الممتلكات، الأضرار البيئية وتلك التي أصابت البنى التحتية، المجاعات والأمراض المرافقة لها، التأخر العلمي والثقافي، استنزاف الموارد الاقتصادية والأولية والبشرية، تشريد الشعب في بلدان الجوار والعالم بسبب الصراع.
من هذه المقدمة، يمكن أن نعرف، كيف نشأ مصطلح الترميم كمفهوم، فالحديث عن أضرار أصابت المباني العامة أو الخاصة، أو أضرّت بالمواقع الأثرية التاريخية، ينبغي أن ينطلق من أهمية هذه المباني كقيمة تراثية في هوية الشعوب، هذه القيمة تمّ إلحاقها هي الأخرى بمنظومةٍ دوليةٍ، تهتمّ بتلك القيم التراثية والتاريخية لشعوب العالم. وبناءً على ذلك، يتمّ تصنيف الأمكنة كتراث عالمي أولا لا. ويمكن ذكر أن الدول تتصارع من أجل تصنيف أمكنتها التاريخية كتراث عالمي، لما للأمر من أهمية سياحية واقتصادية، تعود على هذه الدول بمنافع.
إن مفهوم ترميم له وقع سحري ومفتاحي بعد كل حرب، حيث يمكن تحويل هذا المفهوم إلى مصطلح علمي وعملي، يخدم إزالة الأذى، الذي لحق بالأبنية عموماً، وبتلك التاريخية منها خصوصاً. ولهذا اكتسب مفهوم الترميم والحماية بعداً أممياً، وصار تراثاً عالمياً خاضعاً للحماية الأممية.
لكن هذا الإجراء يتناول الأبنية التاريخية، ويتغافل عن البناء النفسي الانساني، الذي لحق به التشوه الداخلي والأذى، بسبب العنف، في وقت تعتبر القيم الانسانية هي الأهم والأسمى، والتي تحتاج إلى الترميم.
إن إعلان الأسف على تأذي الكتل المعمارية، في وقت يتم فيه تجاهل ما حصل للبشر من تحطيم وتدمير نفسي، لا يخدم جدياً عملية ترميم الانسان وبيئته. فكيف لإنسان تعرضت نفسيته للتدمير، أن يقوم بفعل إنسان سوي؟!.
إذا اردنا نقل الأمر خطوة أخرى، سنقول أن مفردة الترميم تملأ حياة السوريين، كما يملأ الدخان سماءهم بسبب القصف، وهذا ما جعل التراث الانساني يخضع إلى صراعات هواة تصنيف الأمكنة كتراثٍ عالمي. وهنا تنهار كتلة الروح، والتي هي الأصل.
إن روح بني البشر هي الأهم، وأن الإنسان أعلى سلّم قيم الحضارة، وليس الأبنية والمعابد والأسواق التاريخية، فالمعابد كانت في الأصل أماكن لتقديم الأضحيات، من أجل أن يهطل المطر، أو من أجل أن يفوز الجيش بالنصر في الحرب.
إن الحرب منتج أساسي لحالات الإدمان والقلق، والاكتئاب، والخلافات الزوجية، والطلاق، إضافة إلى زيادة عدد من يحملون السلاح، وزيادة الخائفين من المستقبل، بسبب الإرهاق والضغوط النفسية، والكثير من حالات الانهيار الجسدية، وتنامي عدد مصابي الحرب، وممن تصيبهم هلوسات سمعية وبصرية، واضطراب النوم والكلام.
هذه الحلات النفسية تزداد تصاعداً مع ازدياد حجم الدمار والقتل والتعنيف والاختفاء.
إذاً يمكننا القول إن إعادة الإعمار يتمّ على قسمين، الأول هي إعادة بناء ما دمرته الحرب من مبان ومؤسسات وبنى تحتية، مثلما حدث في إعمار أوربا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، أو في إعمار جنوب لبنان بعد حرب عام 2006.
وفي الحالة السورية، سيكون للعامل الخارجي الدولي دور حاسم في مسألة إعادة الإعمار، وتحديد الجهات المسؤولة عن ذلك.
أما القسم الثاني من إعادة الإعمار، فإنه يختص بالإنسان السوري ذاته، وهو علاجي حتماً، ويتضمن النضوج والمهارة في تكوين علاقات اجتماعية، وتوفر الفاعلية في الدور المهني، وأن يتوافق المواطن السوري مع ذاته، ويوظف امكاناته في تحقيق الإشباع المعنوي وغيره، وأن يبني الفرد فلسفته العامة التي تؤهله، أن يتصرف بنجاح.
بقي ان نقول: أن الترميم يبدأ من ترميم النفس الانسانية التي دمرتها الحرب، وهذا الترميم أولوية لاستعادة الحياة الطبيعية والنشاط الانساني.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني