fbpx

بعض تداعيات الحرب في أوكرانيا على سورية

0 400

يقال إنه إذا اختلفت القوى العظمى مع بعضها فإن القوى الإقليمية تكسب (والعكس صحيح) وتجد هامشاً من المناورة وحرية الحركة وتحقيق بعض المكاسب التي كان لا يمكن تحقيقها في حال اتفاقهما.

وأكثر ما تتجلى تلك المقولة في سورية حيث توجد القوتان العظميان (الولايات المتحدة والاتحاد الروسي) وبعض القوى الإقليمية الكبرى في المنطقة (تركيا – إيران – إسرائيل، وإلى حد ما المملكة العربية السعودية بثقلها في المنطقة الذي يرى بوضوح في سورية).

ونذكر في أواخر العام الماضي كيف تفاهمت الولايات المتحدة وروسيا على منع تركيا من القيام بعمل عسكري لطالما هددت به وحشدت لأجله وكان ينتظر ساعة الصفر لينطلق من محاور عدة لمحاربة ما يسمى قوات سورية الديمقراطية التي يتحكم بقيادتها وأهدافها حزب العمال الكردستاني التركي.

وكان مطلوباً من أنقرة، أسوة بالعمليات الأربع التي نفذتها في سورية بدءاً من عام 2016، الحصول على ضوء أخضر (أو برتقالي على الأقل) من كلا القوتين العظميين أو إحداهما على الأقل.

أجهض الضوء الأحمر المرفوع بوجه أنقرة من واشنطن وموسكو إلى تأجيل تلك العملية، ويبدو الآن الوضع مختلفاً تماماً.

الموقف التركي من الحرب في أوكرانيا، وهل ستستفيد منه في سورية؟

لا شك أن الموقف التركي من الأحداث الأخيرة في غاية الحساسية، من عضو أصيل في حلف الناتو، الذي يخوض الصراع مع روسيا الآن عبر البوابة الأوكرانية، ولتركيا علاقات جيدة مع كييف، فقد زارها الرئيس التركي مؤخراً عارضاً وساطته لنزع فتيل الأزمة مع روسيا، وكانت قد زودتها في العام الماضي بصفقة مهمة من الطائرات المسيرة التركية وتلقت عتب ولوم موسكو على ذلك، ولها موقف ثابت وواضح من مسألة ضم القرم لروسيا.

وفي المقابل ترتبط مع روسيا بعلاقات اقتصادية مهمة وارتباط أو اشتباك بملفات إقليمية عديدة منها سورية.

كان الموقف التركي رزيناً ومبدئياً بحيث أدان الغزو الروسي لأوكرانيا دون انتقاد الرئيس الروسي شخصياً أو استفزازه بوصفه بالديكتاتور أو هتلر… إلخ ودعا إلى حل الخلافات بالطرق السلمية ورفض استفزاز الاتحاد الروسي بإغلاق المضائق البحرية أمام حركة السفن الروسية من البحر الاسود إلى البحر الأبيض المتوسط.

هذا الموقف لم يرضِ الروس والأمريكان ولم يغضبهما، وبالتالي، فإنهما الآن بحاجة إليه كدولة يحاول كل فريق استمالتها، ولن تقصر القيادة التركية في استثمار هذا الظرف كما يجب، فمعروف عنها براغماتيتها وعدم تسرعها.

توجد المناطق التي تحميها تركيا في سورية، بمحاذاة المناطق التي تحتلها روسيا، وتوجد فيها أمريكا، وفي ظل حتمية توافق روسي – أمريكي، أولاً سوف يعطل أي حل سوري في المرحلة الحالية أو القريبة بانتظار نتائج ما تسفر عنه علاقتهما نتيجة الاشتباك الحاصل الآن، الذي لم تعرفه العلاقات بينهما منذ أيام أزمة خليج الخنازير في ستينيات القرن الماضي، حيث لا يمكن التكلم عن أي اتصالات جدية بينهما تتناول ملفاً معقداً ومزمناً في ظل وجود ملف ساخن بل ساخن جداً في أوكرانيا الآن.

سيزيد الأمريكان في الشمال الشرقي من حرية حركة الطيران المسير التركي في استهداف قيادات موضوعة على اللوائح الحمراء التركية تنتمي لحزب العمال التركي، وممكن أن يشجع الأمريكان على فتح حوار أكثر جدية بين الهيئات الكردية التي تملك علاقات جيدة مع أنقرة وحزب الاتحاد الديمقراطي، وقد يتطور إلى حوار بين قسد والائتلاف الوطني المدعوم من أنقرة بحيث يكون بعد أن يتم إبعاد قيادات فاعلة تنتمي لجبال قنديل وتحقيق رغبة أمريكية تردد صداها مؤخراً بتشكيل جبهة معارضة شمالية تكون نداً للنظام السوري بأي مرحلة تفاوض مقبلة، وهذا بالطبع ما يزعج موسكو كثيراً.

أما في الشمال الغربي، فسيحرص الروس في ظل انشغالهم الكبير بالحرب الأوكرانية على تهدئة الجبهات مع قوات المعارضة المدعومة من أنقرة، والحفاظ على خطوط التماس الحالية، ويمكن أن يتم التوصل لوقف إطلاق نار شامل (تطلبه أنقرة) مقابل فتح المعابر الداخلية بين المناطق المحررة ومناطق سيطرة قوات النظام لإنعاش النظام اقتصادياً من السوق التركية (ومو مطلب روسي).

تداعيات الحرب الأوكرانية على النظام السوري

1- لا شك ان موقف النظام السوري من اعترافه بالقرار الروسي بالاعتراف باستقلال جمهوريتي الدونباس عن أوكرانيا (ولم يشاركه هذا الموقف الأرعن الا جماعة الحوثي في اليمن) وهو بمثابة تأكيد على أنه نظام مارق ولا يستحق مجرد التفكير بتغيير سلوكه (كما كان يحلو لبعضهم الترويج لذلك)، وإنما هو ذراع روسية إيرانية مختلطة يجب بترها.

2- سيعاني النظام السوري اقتصادياً من تبعات الحرب الأوكرانية، حيث لم تتأخر رئاسة وزارة النظام باتخاذ إجراءات تقشفية لمواجهة ضعف الإمدادات الروسية (الشحيحة أصلاً) بتقنين بعض المواد الغذائية والمحروقات، واتخاذ إجراءات للحفاظ على سعر صرف الدولار، فمن المؤكد سيعاني الاقتصاد الروسي من مفاعيل العقوبات والعزلة الدولية ويلتفت للداخل الروسي أكثر.

ومن المؤكد، ستخف الإمدادات العسكرية للنظام، ولقواعده في سورية، وسيتم استدعاء العسكريين الأكفاء إلى موسكو للاستفادة منهم في الحرب الحالية.

إن انشغال العدو الأكبر للشعب السوري بمعركة كبرى مع العالم، سيستنزفه سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، وإن كان عنده بقية من أخلاق سيستنزفها أيضاً، وهو سيصب في النهاية بمصلحة الشعب السوري.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني