fbpx

بعد طوفان الأقصى… توتر العلاقة الروسية – الإسرائيلية وأثر ذلك على نظام الأسد

0 3٬751

لا أحد يشك أن الدخول العسكري الروسي إلى سوريا بأيلول 2015 تم برضى وموافقة أمريكية بل بعضهم يذهب إلى أن ما تم هو توكيل أمريكي لروسيا لإدارة الملف السوري وفق شروط وضوابط محددة تُحقق أغراض واشنطن، وبالتأكيد يُحقق أهدافاً استراتيجية لروسيا.

وباعتبار أن روسيا وقفت مع نظام الأسد منذ اليوم الأول لاندلاع الثورة ضده. فقد كانت أيضاً شريكاً دولياً في إدارة الملف السوري مع الولايات المتحدة منذ بيان جنيف 1، إلى القرار 2118 والتوسط لتجريد نظام الأسد من ترسانته الكيماوية وصولاً للقرار الشهير 2254 والذي تم إقراره بعد التدخل الروسي العسكري في سوريا بثلاثة أشهر فقط.

تمكنت روسيا من لعب دور وسيط القوة في الحرب السورية ولأن تلك الحرب كانت لها أبعاداً إقليمية ودولية. فقد كانت فرصة للرئيس الروسي للعب دور الحكم أو ضابط الإيقاع بين مختلف الأفرقاء ولم يكن له عدو حقيقي إلا الثورة السورية بكل عناصرها وأشكالها. وأغمض الجميع عينيه على جرائمه بحق الشعب السوري كونه كان المدير المُفوض للأزمة ويُؤمن مصالح كل اللاعبين.

كانت علاقة روسيا جيدة مع كل القوى المتواجدة في سوريا أو التي ينعكس عليها ما يجري في سوريا.

وثق الرئيس الروسي علاقاته مع دولة الاحتلال الإسرائيلي ومع بنيامين نتنياهو شخصياً. وكذلك كانت طائراته تحرق الأرض والبشر قبل تقدم جنود قاسم سليماني لاحتلالها.

وبالطبع كان المستفيد أيضاً بشار الأسد حيث أيقنت كل القوى أنه لن يسقط عن عرشه قبل تغير تلك الظروف حيث إن من يريد إسقاطه عليه هزيمة روسيا أولاً.

وكان الأتراك أول من التقط تلك اللحظة وتخلوا عن كل سياساتهم السابقة وأيقنوا أنهم عليهم اللعب أو التلاعب مع اللاعب الروسي لتمرير تلك الفترة وعملياً كان على أنقرة إدارة التحول في المعارك العسكرية على الأرض والتقليل من آثار أي هزيمة لحلفائها في ظل التفويض الدولي للروس في سوريا وكان على أنقرة التخادم مع موسكو لتحصيل بعض المكاسب على الأرض بما يخص أمنها القومي وتمكنت من الاحتفاظ بالنهاية بشريط حدودي هو كان أقصى ما يمكن استخلاصه من أنياب الدب الروسي المفترس في ظل تخادم راعي البقر الأمريكي معه

وفرضت موسكو قواعد للاشتباك بين الخصمين اللدودين إيران وإسرائيل، إلى جانب ضم (المتنافسين التاريخيين) إيران وتركيا في محور بزعامتها تم التعارف على تسميته بمحور أستانة.

كان أستانة الآخر برعاية موسكو بين طهران وتل أبيب، يضمن تحقيق مصالح كلا الطرفين، حيث كانت موسكو تعلم وتُعلِم الإيرانيين عن أي ضربة قادمة قبل وقت معقول، ووافقت موسكو على السياسة الإسرائيلية المسماة جز العشب في سوريا وكانت غايتها تدمير المنشآت أو الأسلحة النوعية الإيرانية، واستثنى التفاهم الإسرائيلي الروسي نظام الأسد من تلك الضربات بما يعني تحييده عنها.

وضبطت موسكو رد الفعل الإيراني (فيما لو كانت تريد الرد) على الضربات الإسرائيلية من الأراضي السورية، وكانت العين الأمريكية تُراقب المشهد عن كثب وغير معترضة على الدور الروسي عموماً وفيما يخص ضبط الخصوم وتثبيت قواعد الاشتباك بين طهران وتل أبيب.

العرب راضين أيضاً عن الدور الروسي في سوريا على أمل إنقاذها من الهيمنة الإيرانية المطلقة.

وسارت الأحوال هكذا لسنوات عجاف على الشعب السوري وحذر وترقب للقوى المُتدخلة وكان تجميد الأزمة أو الصراع لا يعترضون عليه باعتبار أن كل واحد قد يكون أقتنع بحصته ويطلب المزيد لكن هذا المتوفر وفقا لتوازن القوى والتوافق الأمريكي الروسي على الخطوط العريضة لتجميد الصراع.

حصل الطلاق الأمريكي الروسي (البائن بينونة صغرى) في سوريا بعد محاولات بوتين الحثيثة للاستحواذ بمفرده على الصيدة السورية التي كان الجميع يتهاوش عليها. وحصلت ردود فعل أمريكية أجهضت الحلم البوتيني وإفشال حلمه.

لكن الطلاق الروسي الأمريكي (البائن بينونة كبرى) حصل بعد الغزو الروسي لأوكرانيا وهذا الطلاق في العالم اجمع وسوريا جزء منه.

وفي تلك الفترة (2019-2022) فترة تجميد الصراع السوري والخلاف الروسي – الأمريكي المحدود لم تتأثر التفاهمات الروسية – الإسرائيلية في سوريا فكانت استراتيجية قص العشب تعمل وتجنباً لإحراج روسيا كان القصف الإسرائيلي لنقاط التموضع الإيرانية يتم من خارج الأجواء السورية.

حتى إن رغبة إسرائيل في الحفاظ على تلك التفاهمات كان من الأسباب الرئيسية لأخذ تل أبيب موقفاً ضبابياً من الغزو الروسي لأوكرانيا ومقاومة الضغوط الأمريكية لانخراط إسرائيلي أوضح إلى جانب الحلفاء الغربيين. وكان أن امتنعت إسرائيل عن تزويد أوكرانيا بأي من أسلحتها الفتاكة وكانت فترات رئاسة وزراء الاحتلال اليمينيون (بينيت – نتنياهو) تحرص أشد الحرص على إبقاء التفاهمات مع موسكو قائمة في سوريا منعاً لأي عواقب وخيمة. فيما تميزت فترة لابيد في رئاسة الحكومة الإسرائيلية بتوتر مع موسكو بسبب موقفه الأوضح في دعم حكومته لأوكرانيا.

برزت إيران كحليف قوي لموسكو في حربها الأخيرة وكانت الطائرات المسيرة الإيرانية شاهد 136 من الأسلحة الفتاكة التكتيكية التي يعتمد عليها الجيش الروسي. ويجري كلام كثير عن إنشاء موسكو لمعمل لصناعة تلك الطائرات بخبرات إيرانية ورغبة موسكو كرد للجميل بتزويد إيران بأسلحة حديثة منها أسراب من طائرات السوخوي 35، وربما يقول البعض إكسابها خبرات نووية إمعاناً في مناكفتها للغرب وبعد 18 أكتوبر الحالي خرجت إيران من العقوبات الأممية المفروضة وفق القرار الدولي 2231 وينتظر الجميع وصول الصواريخ الإيرانية للجيش الروسي بمختلف أنواعها القصيرة والمتوسطة المدى والرخيصة الثمن والحفاظ على الصواريخ الروسية كاحتياطي بسبب إدراك الجميع ألا أفق قريب لإيقاف الحرب.

وبالطبع تنظر إسرائيل بعين القلق لهذا التنامي في التعاون بين خصمها اللدود وروسيا. وهو ما سيجعلها ترد عليه بتلبية الطلبات الأمريكية لمزيد من الأسلحة الإسرائيلية للجيش الأوكراني وأخذ مواقف سياسية واضحة من الحرب ستكون حتماً لا تُرضي موسكو ولها عواقب خطيرة على العلاقة الوطيدة بين البلدين.

بعد الانتخابات التركية الأخيرة وظهور توجهات للسياسة التركية الخارجية بإصلاح ما تخرب من العلاقات مع الغرب عموماً والولايات المتحدة خصوصاً. والموت السريري (أو الحقيقي) لمسار أستانة وعدم قدرة موسكو على ضبط شريكيها التركي والإيراني في سوريا وكان ضعف القبضة الروسية واضحاً حيث ليس عدم قدرتها على السير بمسارها الرباعي مع دمشق وطهران وأنقرة فحسب بل الفشل غير المعلن لذلك المسار، وبروز التناقضات التركية الإيرانية، ويبدو أن تخوف الإيرانيين والروس من عودة المياه لمجاريها بين أنقرة وواشنطن ينعكس على المسرح السوري من ناحية تلبية واشنطن لمعظم طلبات أنقرة فيما يتعلق باستهداف نوعي وغير مسبوق لأعدائها من حزب العمال الكردستاني. إضافةً إلى ما تم تسريبه من عدم ممانعة أنقرة لذهاب مقاتلين سوريين حلفاء لها للاشتراك مع جهد أمريكي لقطع الممر البري من نقطة البوكمال.

كل تلك المخاوف الروسية والإيرانية من جنوح أنقرة نحو الغرب يتم التعبير عنه بإحراج أنقرة والضغط عليها بتصعيد في إدلب ومحاولة ثني أنقرة عما تُفكر القيام به. ومعروف عن السياسة التركية البراغماتية أنها تجري وراء مصالحها فهي أولاً وأخيراً عضو رئيسي في حلف الناتو.

لا شك أن روسيا البوتينية هي العدو الأول للولايات المتحدة ونظامها الدولي الذي تقوده. وإن هدف هزيمة روسيا لا يُعلى عليه، وإن روسيا لا تتواجد خارج مجالها الجغرافي إلا في سوريا، لذا فإن إخراج روسيا من سوريا هدف إستراتيجي أمريكي وإن كان تكتيكياً قد يكون مقبولاً جعل هذا الوجود غير ذي جدوى إستراتيجية بل عبء على الروس أنفسهم.

وكان الهدف الأهم الأمريكي عدم خوض حربين بآن واحد حيث كانت تحرص على تركيز الأنظار والجهود إلى مسرح العمليات في أوكرانيا وعدم تفجير بؤرة صراع أخرى، ويرى بعضهم أن الولايات المتحدة كانت تتوجس من مساع إيرانية روسية لتفجير ما في الشرق الأوسط يخدم طهران وموسكو ويُزعج واشنطن وحليفاتها، وقدمت لإيران (6-10) مليار دولار رشوةً لتحفيزها على التهدئة تحت عنوان الإفراج عن رهائن أمريكيين. إلا أن إيران أبت ذلك وقامت بما قامت به عن طريق عملية حماس في 7 أكتوبر في غزة.

 يعتبر البعض أن روسيا من أكبر المستفيدين من حرب غزة الآن حيث ذهبت الأضواء والذخائر والحشد والاهتمام الأطلسي إلى بقعة متفجرة في غاية الخطورة. حيث أربكت عملية غزة كل السياسات الأمريكية في المنطقة.

وبالطبع ليس غريباً تقديم موسكو لمشروعي قرار في مجلس الأمن لا يُدينان حركة حماس ويدعوان لوقف فوري لإطلاق النار، واستخدام حق الفيتو ضد مشروع أمريكي يدعو لإدانة حماس وتصنيفها منظمة إرهابية، مع أن الموقف الروسي من اليوم الاول لعملية طوفان الأقصى الذي يُحمل الولايات المتحدة أسباب العملية لعدم سعيها الجدي لحل القضية الفلسطينية.

انها فرصة بوتين التي هبطت عليه من غزة (وليس من السماء) للخروج من عزلته الدولية وإظهار دعم قوي لحماس ورفض تسميتها بالإرهابية وتبرير ما قامت به وتأليب الشارع العربي والدول العربية على إسرائيل والغرب عموماً، كل ذلك تُراقبه وترصده إسرائيل عن قرب ولن تتسامح معه لأنها ترى نفسها في حرب وجودية وخذلها الصديق الروسي في محنتها ووقف الى جانب عدوها الايراني.

ويجري اشتباك دبلوماسي الآن بين موسكو وتل أبيب. حيث يتواجد وفد رسمي لحركة حماس برئاسة شخصية مهمة من الحركة موسى أبو مرزوق أجرى عدة لقاءات مع مسؤولين روس منهم بوغدانوف معاون وزير الخارجية وقد انتقدت إسرائيل الخطوة الروسية واعتبرتها (بالخطوة الفاحشة) حيث تعتب جداً على الجانب الروسي لاستقبال حركة إرهابية وفق التصنيف الإسرائيلي. ويُقدم الرئيس بوتين روسيا كوسيط بين حماس وإسرائيل لامتلاكها علاقات طيبة بين الفريقين.

وإذا ما كان الاشتباك الآن بين موسكو وتل أبيب دبلوماسي وسياسي. فإنه في ظل تزايد احتمالات اندلاع صراع إقليمي بين أذرع إيرانية وإسرائيل ستقف فيه الحشود الأطلسية التي تقاطرت للمنطقة مع إسرائيل بالطبع، وتكون موسكو مع الجانب الآخر وقد يتم توريطها او إقحامها من قبل الحرس الثوري الإيراني في ظل أي خطأ غير مقصود أو مقصود للاستفادة منها لردع الخصوم. وعموماً في ظل هذا البرميل من البارود والتي يلف دول الجوار لغزة فإنه لا يمكن لأحد ان ينأى بنفسه عن الصراع. وقد تنفلت قواعد الاشتباك المعمول بها حالياً.

بالطبع كل ضعف يعتري داعمي الأسد الرئيسيين (روسيا وإيران) سيصب حتماً في ضعف نظام الأسد أكثر. وإن الوقيعة الكبرى ببن موسكو وتل أبيب المرتقبة (حتى لو كانت باردة) ستُلقي بظلالها إمعاناً في إضعاف الأسد.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني