fbpx

انهيار الدولة

0 710

طبيب العيون كما تصفه السلطة السورية، إلى جانب كونه رئيساً لسوريا، بين عن ميول اقتصادية في 7 أيار 2020، حينما تحدث ناصحاً وزير التموين حول ضرورة التركيز والفهم الجيد للاقتصاد الجزئي (Microeconomic) والاقتصاد الكلي (Macroeconomic)، واستغلال هذا الفهم لهدف البدء بمعركة الحفاظ على الليرة السورية.

كانت تلك الكلمات كافية لأي مراقب اقتصادي أن يدرك أن الأسد يرغب بالترويج لنفسه كمصلح للاقتصاد السوري، وبالفعل بادر لإصدار المرسوم رقم 122 للعام 2020 القاضي بإنهاء تسمية الدكتور عاطف النداف وزيراً للتجارة الداخلية وحماية المستهلك، والمرسوم رقم 123 القاضي بتسمية السيد طلال البرازي وزيراً للتجارة الداخلية وحماية المستهلك.

ولكن سعر الليرة السورية ارتفع بشكل جنوني، ولم تصلح تلك التعينات في تحسين سعر الليرة السورية، لذا قرر الأسد أن يلصق فشله بعقاب حاكم المصرف المركزي السوري حازم قرفول، فأصدر يوم 13/4/2021 القرار رقم 124 القاضي بإنهاء عمل قرفول حاكماً لمصرف سوريا المركزي، ولم يعين بديلاً له.

وبعد الإقالة بادر الأسد لضخ كمية كبيرة من الأموال بغية تهدئة الأسواق، كما بادر لسياسات إدارية تعرقل من عملية تحويل الأموال بين المحافظات، رغبةً منه لتخفيض سعر الدولار بشكل كبير قبل موعد الانتخابات، ونجح في منتصف شهر أيار بأن يجعل سعر الصرف مقارباً 2950 ليرة سورية عن كل دولار أميركي، ولكن السعر وبعد إعلان نتائج الانتخابات وصل إلى 3200 ليرة سورية مقابل الدولار، ولوحظ ارتفاع شديد بأسعار السلع الرئيسية، ما عزز حالة التضخم (Inflation) في الأسواق، هذا الواقع أشعر المواطنين باستحالة وجود أي أفق، فمتوسط سعر راتب الموظف السوري بات $15، في حين متوسط دخل الأسرة يجب أن يكون بالحد الأدنى $70، وهذا الأمر مستحيل، ما دفع بالعديد من الأسر لإلغاء الكثير من المواد الغذائية مثل اللحم والجبن، وبات اعتماد الأسر الوحيد هو على الخبز.

وكي نفهم سبب فشل الأسد في حل مشكلة الليرة السورية علينا التمعن بآليات الحل المستحيلة المقترحة له من قبل مستشاري الأسد الاقتصادين:

– مشروع طباعة العملة: وهو مشروع اقترحه نائب حاكم المصرف المركزي السوري، ويقترح هذا المشروع، أن يطبع البنك المركزي أوراقاً مالية من قيمة خمسة آلاف ليرة سورية على أن تضخ في الأسواق السورية من أجل عملية إنعاش السوق، وتوفير أموال في خزينة الدولة الفارغة.

فعلياً هذا الاقتراح من حيث المنطق التجاري سيء لأنه سيزيد من التضخم، ولكنه قد يكون الحل الوحيد، ففي الواقع السلع في الأسواق السورية وصلت لحد مرتفع الأعلى، لذا يرى اقتصادي السلطة ضرورة ممارسة رقابة على التموين بالتزامن مع عملية الطبع، بغية خفض الأسعار من أجل تقليص حالة التضخم.

طبعاً الطرح النظري لهذا الخيار غير قابل للتطبيق، لأن سعر طباعة ألف ورقة نقدية سورية تكلف الحكومة السورية في المطابع الروسية مبلغ $100، أي أن طباعة ألف ورقة من فئة (مئة ليرة سورية) ستعني (مئة ألف ليرة سورية في خزينة الدولة، أي ما يساوي $31.25)) وبالمقابل ستكون كلفة طباعتها $100 أي أن خزينة الدولة ستخسر $68.75 عن كل ألف ورقة نقدية تتم طباعتها من هذه الفئة، وهذا سيعني خروج هذه الفئة من الخدمة المالية في سوق الأوراق المالية.

وإذا قررت الحكومة طباعة فئة ألف ليرة سورية، فستكون قيمتها في سلة العملات $312 وإذا خصمنا كلفة طباعتها نرى أن البنك المركزي يحصل على فائدة مقدارها $212 عن كل ألف ورقة يتم طباعتها، وهذه القيمة غير مجدية لنهضة الليرة السورية، لأنها ستفرض على الحكومة زيادة في رواتب الموظفين تتواكب مع حجم تضخم الأسعار(Inflation). لذا القرار الأفضل برأي نائب حاكم المصرف المركزي السوري، هو طباعة فئة خمسة آلاف ليرة سورية بحيث يحصل البنك المركزي على سيولة تقارب قيمتها ألف دولار، عن كل ألف ورقة من قيمة خمسة آلاف ليرة سورية.

وبحال تمت طباعة هذا الفئة، فهذا الأمر قد يشعر السوريين بشكل لا لبس فيه بانعدام قيمة عملتهم، وهذا الأمر لا يرغب به بشار الأسد في عامه الأول من الحكم بعد انتخابه في مايو/أيار 2021، ولكنه قد يقدم عليه في العام 2022 إن لم تساعد إيران حكومة الأسد مالياً، كما هو متوقع بعد إزالة العقوبات الاقتصادية عنها، عند إبرامها للاتفاق النووي مع الولايات المتحدة.

– مشروع ضبط الأسواق: وهذا المشروع جرى تنفيذه عبر وزارة التموين وحماية المستهلك منذ بداية عام 2021 ، وجرى التشديد عليه قبيل الانتخابات السورية، ولكنه أثبت عدم جدواه، لأنه يعتمد على آليات أمنية، لا تتماشى مع حجم الضرائب والأتاوات المالية التي يدفعها المصنعين والتجار للدولة، وللحواجز الأمنية، وللجمارك، وللرشاوى الإدارية.

فرسوم الاستيراد عالية جداً، لمواد التصنيع، ما حول عدد كبير من المصنعين السوريين من حالة التصنيع إلى العمل بصيغة تجار مستوردين للبضائع التي كانوا يصنعونها سابقاً، وهذا الأمر زاد من حجم البطالة Increase unemployment.

أيضا هؤلاء التجار غير مخولين أن يحصلوا بسهولة على النقد الأجنبي (من البنك المركزي بسعر 2500 ليرة سورية) لشراء المنتجات التي يستوردونها من خارج سوريا، لذا هم مضطرون لشراء الدولار من السوق الحرة بمبلغ 3200 ليرة سورية، أي أنهم يخسرون قبل البدء بتجارتهم ما يقارب 700 ليرة سورية عن كل دولار، ما يعني ضريبة غير معلنة مقدارها $0.21 عن كل دولار، فبحال كان سعر حاوية البضائع $30,000، فهذا يعني أن التاجر سيخسر $6,562 قبل البدء بتجارته، لذا أي تاجر مضطر أن يزيد من أسعار منتجاته لتتماشى مع هذه الخسارة، والمشكلة أن هذا الأمر غير مبرر قانونياً أمام وزارة التموين وحماية المستهلك، يضاف لهذا الهدر المالي، مجموع الرشاوى المفروضة عند كل الحواجز الأمنية التي تمر من خلالها حمولة بضائع التاجر، وهذا الهدر المالي غير موثق مالياً، ما يعني فوضى عارمة في الأسواق.

الحكومة السورية بقيادة بشار الأسد عاجزة تماماً عن ردم العجز المالي، فهي خاضعة للعقوبات الاقتصادية الغربية، كما أن اقتصاد الحرب الذي تعيشه يفرض عليها دوام الانفاق المالي على التسلح ودعم رواتب المقاتلين المتعاقدين مع الحكومة، وبالإضافة لكل ذلك خرجت من يد الحكومة السورية كل موارد الثروات الباطنية السورية، فالنفط بيد قوات سوريا الديموقراطية، والفوسفات والغاز بيد الروس.

لذا، فإن موارد الدولة الوحيدة قائمة على الضرائب، وبدل أن يقدم بشار الأسد على تخفيض الضرائب من أجل تحريك الاقتصاد كما هو متعارف عليه بعموم الأزمات الاقتصادية في دول العالم، بادر لزيادة الضرائب، ودعم تلك الضرائب بفرض أتاوات مالية على التجار الذين ينازعون للبقاء في سوريا، وبحال تخلف أحدهم عن ذلك، سيتعرض للسجن بتهمه شراء الدولار من السوق السوداء.

هذا الواقع دفع عدداً من التجار السوريين لمغادرة سوريا، ما سمح بظهور طبقة تجارية جيدة مدعومة من الأمن السوري، والإيرانيين، وحزب الله، وفعلياً شريحة هؤلاء التجار الجدد لن تدعم الاقتصاد السوري، بل على العكس ستؤدي لدماره لأنها لن تلتزم بدفع الضرائب، وهذا سيعني انهياراً مالياً لآخر مورد لدولة الأسد، ما سيؤدي لتزايد حجم الضرائب على المواطن المقهور أصلاً.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني