fbpx

انكفاء روسي/إيراني سيفتح نافذة الحل السوري

0 1٬161

توفرت اللحظة التي حاز بها التدخل الروسي العسكري المباشر في سورية على شبه رضى دولي وقبول من الجميع (باستثناء الثورة وتركيا).

الدول العربية رأت فيه قوة منافسة للوجود الإيراني الكثيف الذي يلف المشهد السوري.

أيضاً الفاعل الإسرائيلي رأى فيه ما يراه العرب، وعلى الأقل إبعاد الميليشيات الإيرانية عن حدودها، ولا يعنيها التواجد في المناطق السورية الأخرى.

قسم من إدارة الرئيس الامريكي السابق أوباما رأى أن احتواء القوة الفائضة الروسية، التي ضمت أجزاء من جورجيا 2008، ثم أتبعتها بالقرم 2014 دون أن تأبه للعقوبات الغربية أو لقواعد النظام الدولي الذي يحفظ حدود الدول، في مكان بعيد عن أوربة، ومداعبة مخيلة الإمبراطورية الروسية البوتينية بالوصول للمياه الدافئة، ولعب دور مهم في ملفات المنطقة، يتيح عدم قيامها بمغامرات في القارة العجوز غير القادرة على وقفها.

لاشك أن النظام السوري والحرس الثوري الإيراني كانوا المستفيدين المباشرين من ذلك التدخل، حيث كانت قدراتهما العسكرية قد استهلكت، وخططهما الشيطانية لحماية النظام من السقوط أو بشكل أدق حماية دمشق، التي كانت قوات من الثورة السورية تحيط بها وتبعد عن القصر الجمهوري بضع كيلومترات مع فقدان 80% من الجغرافيا السورية وكل مقومات الاقتصاد الذي يمد النظام بأوكسجين البقاء.

فقد أعلن وزير الخارجية الروسي صراحة، أنه لولا التدخل الروسي المباشر لسقطت العاصمة في غضون أيام.

كان هناك خوف دولي وإقليمي من فقدان النظام السوري لمعظم الجغرافيا، ودق أبواب دمشق من قوى عسكرية مختلفة، كانت لتنظيم داعش وجبهة النصرة حصة كبيرة في السيطرة فيها، إضافة للفصائل الجهادية السلفية.

وكانت قوات الثورة المعروفة بالجيش السوري الحر تسيطر على مساحات واسعة ومهمة، إلا أنها كان تشكو من خلل واضح تمثل في:

  1. كانت الفصائل الثورية متفرقة لا تجمعها قيادة واحدة ولا هيئة أركان موحدة، وكانت غير متعاونة مع بعضها بالشكل الكافي، ومنها فصائل متنافسة أو اقتتلت فيما بينها.
  2. لا توجد للفصائل الثورية قيادة سياسية تأتمر بأوامرها، وقيادة المعارضة السورية السياسية الموجودة لا تملك أي قرار بشأنها.

لذلك كان الخوف الدولي من سقوط النظام في دمشق، وتحولها إلى كابل ثانية يقتتل فيها الجميع ويحاول كل طرف السيطرة عليها.

دمشق التي تبعد عن الجولان المحتل 50 كم، وسورية قلب العالم والإقليم المليء بالاضطرابات والفوضى.

كان الخيار هو الشيطان الذي تعرفه أفضل من الذي ستتعرف عليه، ولتنفيذ هذا الخيار لم يكن متوفراً غير القوة الروسية الهمجية والطامحة.

تم التكليف الضمني لها وغض الطرف عن مجازرها مقابل إعادة رسم الخارطة العسكرية وتعديل موازين القوى على الأرض لصالح إنتاج حل سياسي مرجعيته مسار جنيف (الذي كان الروس أحد صانعيه ورعاته)، فيما تكفلت الولايات المتحدة بإنشاء تحالفها الدولي لمحاربة الإرهاب في سورية والعراق، وبدأت بالحرب على داعش قبل سنة من التدخل الروسي بتقاسم أدوار على الأرض لا تخفى على أحد.

كانت الغاية الدولية هي قيام الروس بنفس الدور الذي قام به الأتراك فيما بعد (الذي اصطدم بالوجود الروس أيضاً) في ليبيا وأذربيجان، وهو تعديل موازين القوى على الأرض للوصول لتوازن يؤدي فيما بعد إلى التسوية السياسية.

لم يفعل الروس ذلك في سورية بل حاولوا خرق التفاهمات (والتي من المرجح أنها غير مكتوبة)، إذ حاولوا السيطرة على كامل الأراضي السورية وتمكين النظام فيها وفرض حل أمر واقع سيكون وفق الرؤية الروسية.

تموضع الأمريكان شرق الفرات (منطقة الثروات السورية) – والتي لا يمكن لأي نظام الاستمرار في الحكم دون الروافد الاقتصادية من هذه المنطقة – بحجة الاستمرار بمحاربة تنظيم داعش، وتموضع الأتراك والقوى المدعومة منهم في الشمال الغربي، فتم تشكيل حائط عسكري صلب أمام أي طموح روسي بابتلاع كامل الجغرافيا السورية.

أخرج الأمريكان قانون قيصر من الأدراج وأشهروه سيفا بوجه موسكو لإجهاض أي منافع اقتصادية تم التخطيط لها، ووضعت لاءات إعادة الإعمار المعروفة.

ما يهمنا هو فشل الروس في الحل العسكري وفشلهم بإنتاج آلية للحل تجمع السوريين تحت الرعاية الروسية..

برع الروس في القتل وفشلوا في السياسة

حاول الروس قتل العملية السياسية الدولية الخاصة بسورية، وشجعوا النظام السوري على تعطيل وإفشال كل جولات التفاوض التي جرت برعاية دولية في جنيف، وحاولوا استحداث مسارات تفاوض بديلة عن المسار الأممي، فكان مسار أستانة بجولاته الثمانية عشر، الذي لم يسفر إلا عن إعادة قوات النظام إلى أراض كان قد فقدها سابقاً.

تمكن الروس من عقد مهرجان في سوتشي تم بموجبه الخروج بتوصية لتشكيل لجنة دستورية تم فرضها بالقوة على الأمم المتحدة والدول الراعية، وعقدت جولاتها العقيمة المتعددة.

أي حاول الروس إفراغ مسار جنيف من محتواه وتم اختزاله بلجنة دستورية عقيمة، وهذا كان المشهد لحين الغزو الروسي لأوكرانيا.

كما يقال، فإن الحقبة الدولية بعد الغزو ليست كما كانت قبلها لأن:

  1. الغزو الروسي لأوكرانيا سيستنزف روسيا بالتأكيد من كل النواحي وسيجعل كل اهتمامها وتركيزها منصباً على أبواب جهنم التي فتحتها عليها.
  2. سقوط كل التفاهمات والتوافقات القائمة مع الغرب عموماً والولايات المتحدة بشكل خاص.
  3. إن الحرب الدولية القائمة الآن على السيادة الدولية تتطلب من الغرب إضعاف النفوذ الروسي في كل أماكن انتشاره خارج الأراضي الروسية ومنها سورية.
  4. لابد للغرب من المحافظة على منطقة الشرق الأوسط خالية من عوامل عدم الاستقرار، كونها المنبع الرئيسي للطاقة العالمية وخطوط نقلها، وبالتالي لابد من إبعاد الخطر الروسي والإيراني عنها، وقد بدأت ملامح التوجه الجديد بتجمع دول المنطقة بتكتل أو منصة أمنية اقتصادية واحدة، يلزمها وقت لتنضج وتتضح معالمها، وهي كما هو معلن الآن ستكون ناتو في وجه إيران، ما سيجعل منه بالضرورة ناتو أمام حلفاء إيران وموسكو أولاً، وتكون بالتالي روسيا محاطة بناتو غربها وناتو جنوبها.

يشكل الروس والايرانيون اهم داعمي النظام

وقد اختار النظام السوري الوقوف إلى جانب الرئيس بوتين في حربه وبالغ بذلك وربط مصيره به.

كما أن موت الاتفاق النووي سريرياً، والخلاص من فترة التخادم الإيراني – الأمريكي واندماج الإيراني بالمجتمع الدولي وازدهار اقتصادها عبر رفع العقوبات عنها، أضحت خلف ظهورنا.

ولابد للضعف الذي يعتري حلفاء النظام أن ينعكس عليه مباشرة، وسينتج عن ذلك بالتأكيد انزياحاً في خطوط وقف إطلاق النار المعمول بها وفق تفاهمات دولية أساسها التوافقات الأمريكية – الروسية التي أصبحت في مهب الريح.

والدماثة الروسية – الإيرانية تجاه تركيا بتفهم ضروراتها الأمنية ما كانت لتحصل لولا تغير موازين القوى على الأرض.

وبعد العملية (أو العمليات) التركية المقبلة ونهاية هذا العام ستتضح الصورة أكثر، إذ سيكون الاستنزاف الروسي أخذ مبلغه وبدأت آثار العقوبات الغربية الصارمة بالظهور، وآثار العزلة الدولية والوهن العسكري والمتاعب الاجتماعية في الداخل الروسي، ستشكل ضغطاً على الكرملين، وعدم الالتفات للخارج والاهتمام بالتداعيات الكارثية على الداخل الروسي.

نفس الشيء سيحدث مع نظام الملالي بتشكيل الحلف أو التحالف المضاد له إقليمياً، وتوسع الانتفاضة الشعبية أكثر بفعل العقوبات الأمريكية القصوى، وتآكل الوزن النوعي لحلفائه في الإقليم.

كل ذلك سيلقي بظلاله على النظام السوري ويضعفه أكثر من ضعفه الحالي، وبالتالي اصطفاف النجوم الدولية على طائف سوري او دايتون ترغم الجميع على حل سيكون بالتأكيد على حساب النظام، بما يفتح أملاً بوضع سورية على سكة السلام والهدوء لاستعادة عافيتها.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني