fbpx

انضمام إيران لمسار المصالحة التركية مع نظام الأسد: منصة رباعية 1+3

1 314

من المعروف العلاقة الوثيقة التي ربطت بين دول محور أستانة الثلاث وخاصة العلاقة التي نشأت بين الرئيسين التركي والروسي والتي تعمقت كثيراً لدرجة أن لقاءات متعددة كانت على مستوى القمة بين الزعيمين وأهمها اللقاءات المنفردة والمغلقة بينهما التي يتمخض عنها تفاهمات شفهية، تحل أزمة طارئة (وما أكثر تلك الأزمات)، أو تكون خطة عمل مشتركة بينهما بحيث يتم إعطاء المساعدين من الطرفين خطة عمل أسبوعية أو شهرية لتنفيذها وفي حال استعصاء أي أمر طارئ يتم اللجوء للرئيسين لحله.

وكان الملف السوري (على الرغم من أهميته) إلا أنه لم يكن الملف الشائك الوحيد بين القيادة التركية والروسية، ولكن بسبب قواعد الاشتباك بين البلدين كان الامتعاض أو الاعتراض الروسي على فعل تركي بمكان آخر يواجه برسائل دموية على مناطق الحماية التركية في الشمال السوري، حيث كان تعارض السياسات التركية الروسية واضحاً بل ساخنا كما في ليبيا وأذربيجان وبارداً بملفات أخرى.

يرى بعضهم أن للرئيس الروسي أهدافاً في توطيد العلاقة مع تركيا أبعاداً إستراتيجية حيث كانت الأحلام الروسية هي إنزال الولايات المتحدة عن عرش الانفراد بالسياسة الدولية والقرار الدولي ولك بجعل النظام الدولي ثنائي القطبية أو ثلاثي القطبية بالتشارك مع الصين، فبالإضافة لسياسة الرئيس الروسي تجاه القارة الأوربية وزعزعة الاستقرار في منظومة الاتحاد الأوربي، كان يرمي إلى إحداث صدع جيوسياسي عميق بحلف الناتو عبر إخراج تركيا منه نظراً لموقع تركيا الفريد في قلب العالم.

تجاوز الرئيسان التركي والروسي كل الإرث التاريخي من العداء بينهما في سبيل تحقيق مصالحهما، فأنجزا تعاوناً مثمراً في كثير من الملفات، وتغيرت العلاقة بين البلدين من العداء والصراع إلى التنافس والتساوم وقد تصل إلى درجة التعاون أحياناً، وتمكنا من فصل معقول بين الملفات بمعنى أن الخلاف بملف لا ينسحب بالضرورة على غيره من الملفات.

وبإنشاء مسار أستانة خيب اللاعبون الثلاثة الرئيسيون بالملف السوري (تركيا، روسيا، إيران) الأماني الأمريكية بحدوث صراع بينهم بل حولوه إلى تنافس وتساوم، وتمكنوا من إنجاز ما حقق مصالح الدول الثلاث في سورية وشمل التعاون بينهم قضايا أكبر تخص الإقليم بل وتم التنسيق في قضايا خارجه.

لا يخفى على أحد أن اتفاق الخصوم الثلاثة فيما بينهم كان الخاسر الأكبر فيه على الأرض الثورة السورية وحاضنتها الشعبية التي خسرت الكثير معنوياً ومادياً منذ سقوط حلب (وهو التجسيد العملي للتفاهمات التي أدت لانبعاث مسار أستانة) وحازت تلك التفاهمات أحياناً على رضى أمريكي أو عدم اعتراض على الأقل.

كانت القيادة التركية تزداد قرباً من روسيا وإيران والتنسيق معهما كلما رأت في السياسة الأمريكية في سورية خطراً داهماً على أمنها القومي، وازدادت الريبة وعدم الثقة بين البلدين بل يمكن تسميته بالشرخ الإستراتيجي لدولتين حليفتين.

بدأت نتائج تفاهمات أستانة على الارض مجزية للدول الثلاث وبدأت تطمح لبناء مسار سياسي منافس لمسار جنيف بشكل يصبح الحل السوري برعاية روسية والحفاظ على حصة الشريكين التركي والإيراني الأمر الذي يعني إبعاد الولايات المتحدة والإتحاد الاوربي والدول العربية عن التأثير بذلك الحل والذي سيكون أمراً واقعاً وما على الجميع الاعتراف به بل ودعمه.

مسار جديد 3+1 (دول أستانة مع النظام السوري)

كان قرار الانفتاح التركي على نظام الأسد قراراً مركزياً من الدول الثلاث تم اتخاذه في قمة أستانة بطهران في تموز من العام الماضي وذلك لثني أنقرة عن عملية عسكرية في الشمال السوري وذلك بتحقيق أهداف العملية دون خوضها، وبعضهم رأى في القمة تلك رد روسي – إيراني على قمة الرئيس الأمريكي جو بايدن في المملكة العربية السعودية والتي جمعته مع رؤساء تسع دول عربية، بشكل يظهر بداية جنينية لتشكل محورين متنافسين بل متصارعين في المنطقة، وبالطبع ستكون سورية ساحة الاشتباك المفضلة لأسباب عديدة منها وجود كل اللاعبين فيها إن كان عسكرياً أو سياسياً أو مصلحياً.

ظن بعضهم أن الاستدارة التركية تكتيكية أو آنية وتتعلق بضرورات المعركة الانتخابية الداخلية الوشيكة في تركيا، ولو كانت كذلك لكان انتهى المسار أو تم تجميده وقد حقق الجانب التركي معظم أهدافه منه حيث تمكن حزب العدالة والتنمية الحاكم من انتزاع تلك الورقة من يد المعارضة بشهادة جميع المراقبين للمشهد الداخلي في تركيا،والتذرع بشروط الأسد التعجيزية التي أعلنها بحضور المبعوث الخاص للرئيس الروسي الى سورية الكسندر لافرنتيف وهما انسحاب كامل للقوات التركية من الأراضي السورية ووقف أنقرة دعمها لقوى المعارضة السورية، مع تأكيد أنقرة قبل تلك التصريحات وبعدها أن شروط انسحاب القوات التركية هو تحقيق الاستقرار والسلام والحل السياسي بموجب القرار الدولي 2254.

لكن ذلك لم يحصل حيث لم ينظر لشرطي رأس النظام كشروط للبدء بالمفاوضات بل كسقف عالي للبدء بها بدليل حصول اللقاء الثلاثي في 28 كانون أول من العام الماضي في موسكو بين وزراء دفاع تركيا وروسيا والنظام وبرفقة رؤساء الأجهزة الأمنية، ولم يكن ذلك اللقاء أمنياً وعسكرياً فحسب بل كان لقاءاً سياسياً بين وزيرين في حكومتين وهو يحمل أبعاداً سياسية ولو كانا وزيرين يشغلان حقيبتا الدفاع.

لا أظن أن تأجيل لقاء السيد وزير الخارجية التركي مع وزير خارجية النظام المزمع عقده في منتصف الشهر الماضي كان لتوقف في عجلة المسار الجديد بل لرغبة الجانب التركي في تأجيل عقده لما بعد زيارة الوزير التركي لواشنطن أملاً أن يذهب ومعه ورقة العدول عن ذلك المسار والذي ترفضه واشنطن علناً وبشدة وتحذر من عقوبات ستطال كل من يطبع مع الأسد، وانتهت زيارة الوزير التركي إلى واشنطن دون حدوث أي اختراق حقيقي (كما كان متوقعاً) في موضوع الخلاف التركي – الأمريكي حول دعم قوات قسد، وانتهت الزيارة دون تحقيق أي تقدم في الملف السوري (وربما في غبره من الملفات الخلافية بين البلدين).

بعد عودة الوزير التركي من واشنطن بأيام أعرب سيرغي لافروف عن رغبة بلاده بضم إيران لملف المصالحة بين الحكومة التركية وحكومة النظام، ولم يتأخر الترحيب التركي بذلك على لسان الناطق باسم الرئاسة التركية السيد إبراهيم كالن الذي أبدى ارتياحه للاقتراح الروسي بأن حضور ودعم إيران ضروري لنجاح المصالحة وتحقيق السلام والاستقرار في سورية.

ثم خرج سفير النظام السابق في تركيا نضال قبلان في تصريح لقناة الميادين بقوله بأن انضمام إيران لمسار المصالحة التركية مع نظام الأسد كانت نتيجة ضغوط هائلة مارسها الأسد نفسه لتحقيق ذلك الاختراق.

إن الأمر الثابت لدى الجميع هو أن الهيمنة الإيرانية على قرار النظام السوري ليست محل نقاش بل قد يتم الخلاف على مدى المساحة التي تملكها كلاً من موسكو وطهران من قرار دمشق.

ولا يمكن تجاهل الدعم الإيراني للنظام بكل الأصعدة هو من يبقيه في غرفة الإنعاش المشددة وإن سحب خرطوم يغذي النظام سوف يؤدي به إلى الهلاك.

وفي منتصف أيار الماضي أعلن وزير الخارجية الإيراني من دمشق عن سعي بلاده لإتمام المصالحة وزار بعدها تركيا مرتين. ولا أظن أن إيران مستبعدة من الخطوط العريضة والرئيسية لذلك المسار ولكن تم استبعادها من المشهد الإعلامي الأخير في موسكو لأسباب مقصودة وإن غياب وزير الدفاع الإيراني عن ذلك اللقاء لا يعني بالضرورة غياباً إيرانياً عن المسار بل دعماً له لأن الحضور الإيراني كان سيستفز الجميع، وكان الأمل معقود بدعم عربي لتلك الخطوة غاية بحد ذاتها تجلى ذلك بزيارة وزير الخارجية الإماراتي لدمشق ولقائه رئيس النظام بل ترددت أقاويل عن سعي أبو ظبي لأن تكون المكان المرجح لعقد اللقاء المرتقب بين وزراء خارجية تركيا وروسيا وإيران والنظام.

وبالتأكيد بعد صدور قانون كبتاغون الأسد من الولايات المتحدة الأمريكية، والتحذيرات الأمريكية القوية من مغبة التطبيع مع نظام الأسد والتذكير الأمريكي الدائم أن العقوبات المفروضة بقانون قيصر ستكون حاضرة لم يحاول خرقها بل جرى تحذير دولة الإمارات العربية وسلطنة عمان من فعل ذلك علناً وبشكل صريح.

لم يعد منتظراً انضمام دولة عربية أو أكثر لهذا المسار، فلم يعد من المجدي عدم ظهور اللاعب الإيراني الأساسي في الملعب.

إن انضمام إيران إلى المسار الجديد سيعطي المسار جدية أكبر وذلك لعدم تجاهله لقوة حقيقية مؤثرة على الارض وبأن تلك المنصة الجديدة مستمرة وليس إنشاؤها تم لأغراض آنية.

و ليس من المستبعد ابدا في خضم الصراع الغربي مع روسيا أولا وإيران ثانيا من تبلور منصة منافسة له تضم دول أستانة الثلاثة مع النظام السوري، يكون لتركيا مصلحة في إخراج القوات الأمريكية من سورية بخلق المتاعب لها، لأن وجود قسد مرتبط بوجود الجيش الأمريكي ويكون ذلك تطبيقاً لما ورد في بيان قمة أستانة الاخيرة حول اتفاق الدول الثلاث على ضرورة إخراج قوات الاحتلال الأمريكي من سورية واعتبارها الجهة التي تعيق عودة الاستقرار والهدوء لهذا البلد وسقوط كل مشاريع تقسيم سورية التي ترعاها واشنطن وغيرها من العواصم الغربية في إشارة واضحة لدعم قوي أمريكي لتحويل الواقع الآن على الأرض إلى دويلة كردية أو دسترة وضع كردي حالي ضمن سورية موحدة ولكن بصلاحيات مركزية رمزية تؤمن هامشاً مريحا للأطراف.

1 تعليق
  1. Md khalifa says

    المقال شامل وواقعي .
    علينا ان لانغفل عن أن مسار أستانا حقّق مصالح الثلاثي الروسي-الإيراني-التركي على حساب الرقعة السورية والملف السوري .
    إن مشاركة إيران حالياً في التقارب التركي – السوري لن يكون في مصلحة سوريا ولا السوريين كل السوريين .

    المكتوب يقرأ من عنوانه .
    فكيف إذا قرأ السوريون عنوانه وتفاصيله خلال مايزيد عن عقد من الزمن من التدخل الإيراني وتبعاته البشعة على الأرض والهوية السورية .

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني