أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان يوم السبت 14 آب 2021، مقال رأي للسيد فضل عبد الغني بعنوان: “وحشية بلا حدود – خمسة عشر ألف شخص تقريباً قتلوا تحت التعذيب في سوريا”، وذكرت الشبكة أن المقالة الأصلية نشرت على موقع مدونة Voelkerrechtsblog باللغة الإنكليزية، كما نشرت الترجمة إلى اللغة العربية على موقع مركز حرمون للدراسات.
تحدث المقال عن عشرات آلاف السوريين الذين تعرضوا لعمليات اعتقال تعسفي من قبل أجهزة الأمن السوري بشكل أساسي، على خلفية الحراك الشعبي الذي بدأ في آذار 2011، مشيراً إلة أنهم خضعوا للتعذيب بأشكاله المختلفة.
وبحسب المقال فإن ما لا يقل عن 14506 شخصاً قتلوا بسبب التعذيب على يد أطراف النزاع الرئيسة الفاعلة في سوريا منذ آذار 2011، من بينهم 180 طفلاً و92 سيدة.
كما ذكر المقال أن القانون الدولي يحظر التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية وغير الإنسانية أو المذلة بصورة تامة، وهو بمثابة قاعدة عرفية من غير المسموح للدول المسُّ به أو موازنته مع الحقوق أو القيم الأخرى، ولا حتى في حالة الطوارئ، وأضاف أن عمليات التعذيب الواسعة والمنهجية تُشكِّل جرائم ضد الإنسانية، وخرقاً فاضحاً للقانون الدولي الإنساني، وترقى إلى جرائم حرب.
وتحدث المقال بالتفصيل عن خمسة محاور رئيسة تميز قضية التعذيب في سوريا طوال السنوات العشر الماضية.
المحور الأول: النظام السوري مسؤول عن الغالبية العظمى من الوفيات بسبب التعذيب
أوضح المقال أن جريمة التعذيب مورست بشكل أو بآخر من قبل جميع أطراف النزاع إلا أنَّ النظام السوري المسيطر على أجهزة الجيش والأمن والقضاء قد مارست قواته التعذيب في مراكز الاحتجاز بشكل منهجي وواسع النطاق؛ مما شكل جرائم ضد الإنسانية بحسب تقارير لجنة التحقيق الدولية المستقلة، ومن أبرزها التقرير الخاص عن عمليات التعذيب في مراكز احتجاز النظام السوري.
وأشار المقال أن النظام السوري يهدف من وراء ذلك إلى نشر حالة من الرعب في صفوف المعتقلين وأهلهم والمجتمع المعارض له من أجل تحطيم إرادتهم، وجعلهم عبرة لكل من يتجرأ على معارضته بأي شكل من الأشكال.
واعتبر المقال أن النظام السوري مسؤولاً عن قرابة 98% من إجمالي حصيلة حالات الوفيات بسبب التعذيب في سوريا منذ آذار 2011 حتى الآن، مشيراً أنه يسيطر بشكل تام على مراكز الاحتجاز التابعة له، ولذا فإنه من المستبعد أن يجري تعذيب ووفيات بسبب التعذيب دون علمه.
وأضاف المقال أنه على الرغم من جميع التقارير الأممية، والانتشار الواسع لصور قيصر، وآلاف الأخبار عن التعذيب والوفيات في مراكز الاحتجاز التابعة للنظام السوري، لم يجرِ تحقيقاً واحداً خلال السنوات العشر الماضية يثبت فيه أن الشخص الذي توفي لم يكن بسبب التعذيب، مما يؤكد اشتراك النظام السوري بمؤسساته المتعددة وليس فقط الأجهزة الأمنية في جريمة التعذيب وفي التستر عليها، لأن هذا يحتاج إلى هيئات أخرى، مثل: وزارة الداخلية، المشافي العسكرية، المؤسسة القضائية، وزارة الأوقاف، مكتب دفن الموتى، وهذا يؤكد أن التعذيب في سوريا هو سياسة دولة.
ووفق المقال فإن هناك نصوص شرعها النظام السوري تخالف القانون الدولي لحقوق الإنسان، وتشرعن بشكل محلي عملية التعذيب، وهذا يعني أن النظام السوري لم يكتفِ بممارسة التعذيب بطريقة وحشية، بل إنه وضع نصوصاً “أمنية” تكفل حصانة له ولأفراد الأمن من أية ملاحقة قضائية وفقاً للقانون المحلي، ووصفها بأنها جريمة مضاعفة.
كما أكد المقال أن بقية أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا تقوم باستراتيجيات وممارسات مشابهة لما يقوم به النظام السوري وإن كان بوتيرة ومنهجية أقل، موضحاً أن أساليب التعذيب التي مارستها تتشابه مع أساليب التعذيب التي مارسها النظام السوري في مراكز الاحتجاز التابعة له.
المحور الثاني: الغالبية العظمى من الوفيات نتيجة التعذيب ناجمة عن انتشار الأمراض بين المحتجزين، نتيجة للاكتظاظ وانعدام الرعاية الصحية والرعاية الطبية
أوضح المقال أن الاعتقال في مراكز الاحتجاز التابعة للنظام السوري يتزامن مع الإهمال الصحي المتعمَّد والتجويع، كما أن ظروف الاحتجاز غير صحية من انعدام لشروط النظافة والتهوية، وتكديس المعتقلين المقصود في زنزانات ضيقة لا تستوعب أعدادهم الكبيرة والمتزايدة، وتفتقر لأدنى شروط السلامة الصحية، حيث يحتجز المعتقلون ضمن زنزانات بمساحات مختلفة يبلغ متوسط مساحة الزنزانة الواحدة منها(4 × 6)م2، وقد تضمُّ قرابة 50 معتقل، أي بالكاد يحصل المعتقل على مساحة 70 سم2 من أجل الجلوس والنوم، وعادة ما يتناوب المعتقلون على استخدام هذه المساحة عندما تفوق أعدادهم القدرة الاستيعابية للزنزانة.
وأكد المقال بأن تلك الممارسات هي تكتيك متبَّع من قبل النظام السوري على نحوٍ مقصود وواسع، بهدف تعذيب المعتقلين وجعلهم يصابون بشتى أنواع الأمراض، ثم يُهمل علاجهم بعدها على نحو مقصود أيضاً، وبالتالي يتألم المعتقل ويتعذب إلى أن يموت.
وذكر المقال أن قوات النظام السوري استخدمت 72 أسلوباً للتعذيب الجسدي والنفسي والجنسي في مراكز الاحتجاز والمشافي العسكرية التابعة لها، مشيراً إلى أن وفاة المعتقل بسبب إهمال الرعاية الصحية تبقى هي أسلوب التعذيب الأكثر تسبباً في وفاة المعتقلين، إضافة إلى كونه أسلوباً متوحشاً لا تقتصر معاناته على المعتقل وحده بل على جميع زملائه في غرفة الاحتجاز، الذين يشاهدونه يتألم وهم عاجزون عن تقديم أي شيء لإنقاذ حياته.
المحور الثالث: النظام السوري يستخدم التعذيب كوسيلة لانتزاع اعترافات مطلوبة لإدانة المحتجزين
وفق المقال فإن قسم كبير جداً من المعتقلين يجبر على الاعتراف بأفعال لم يرتكبوها بسبب تعرضهم للتعذيب الشديد، وأن الأفرع الأمنية تقوم بتحويل هذه الملفات إلى النيابة العامة التي ترتكز عليها في توجيه تهم إلى المعتقلين، وهذا يؤكد على مدى هيمنة النظام السوري على السلطة القضائية وتحكمه بها.
وبحسب المقال فإن النائب العام لا يجرؤ على رفض الملفات التي أحيلت إليه من الأفرع الأمنية، مضيفاً أن الإحالة تتم إلى محاكم استثنائية أنشأها النظام السوري للقضاء على خصومه السياسيين، وهي محكمة الإرهاب، ومحكمة الميدان العسكرية، فمنذ عام 2012، لم يعد هناك أية إحالة إلى المحاكم العادية.
المحور الرابع: النظام السوري لا يبلغ عائلات المحتجزين “بمصير أحبائهم”، حتى بعد الموت، ولا يسلّم جثثهم
بحسب المقال فإن النظام السوري لا يبلغ أهل المعتقل بعد وفاته بسبب التعذيب، وهذا أمر مقصود لزيادة إذلال الأهالي وقهر المجتمع، ومن جانب آخر فهو يستفيد مادياً عبر شبكات الاحتيال التي أسسها بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية، حيث تقوم بابتزاز الأهالي مادياً مقابل تزويدهم ببعض المعلومات عن ذويهم، وقد تبيَّن أن هذه المعلومات غالباً ما تكون غير صحيحة.
ذكر المقال أن النظام السوري في مطلع عام 2018 أعلن عن مقتل المئات من المختفين قسرياً لديه، وذلك عبر دوائر السجل المدني، وبحسب تقارير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإن النظام السوري كشفَ عن مصير ما لا يقل عن 968 حالة، ماتوا جميعاً ولم يسلم الأهالي جثثهم بينهم تسعة أطفال وسيدين.
وبحسب وثائق السجل المدني فإن غالبيتهم قد توفي قبل بضع سنوات، وقد كتب أنهم ماتوا بسبب أزمة قلبية، علماً أن جميع الأهالي أكدوا أن أبناءهم كانوا قد اعتقلوا بحالة صحية جيدة، مما يؤكد وفاتهم بسبب التعذيب، ومع ذلك لم يفتح النظام السوري تحقيقاً واحداً.
المحور الخامس: عشرات الآلاف الذين لا يزالون محتجزين عند النظام السوري ينتظرون مصيرًا مماثلًا لمصير الضحايا التي ظهرت صورها بين صور قيصر
أوضح المقال أن العالم أجمع صدم بصور المعتقلين السوريين التي سربها المصور الذي كان يعمل لدى النظام السوري على تصوير المعتقلين بعد وفاتهم، وأظهرت الصور مدى بشاعة ووحشية أساليب التعذيب التي يتبعها النظام السوري.
وبحسب المقال فإن ما لا يقل عن 131 ألف معتقل ما زال معتقلاً أو مختفياً قسرياً لدى النظام السوري، ولا يوجد سبب واحد يدعو للاعتقاد بأن النظام السوري قد توقف عن استخدام ماكينة التعذيب.
وأكد المقال على أن القانون الدولي واضح في تحميل القادة مسؤولية جرائم الحرب التي يرتكبها مرؤوسوهم بناءً على أوامرهم، أو إذا علموا، أو كان بوسعهم معرفة أن مرؤوسيهم على وشك أن يرتكبوا، أو كانوا يقومون بارتكاب مثل هذه الجرائم ولم يتخذوا كل التدابير اللازمة والمعقولة التي تخولها لهم سلطتهم لمنع ارتكابها أو لمعاقبة الأشخاص المسؤولين عنها إذا ارتكبت مثل هذه الجرائم.
وأوضح أن النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية يوسِّع عناصر هذه المسؤولية لتشمل القادة المدنيين، والجرائم ضدَّ الإنسانية، التي ترتكب وقت السلم أو الحرب.
كما أكد أن التعذيب في سوريا وبشكل خاص من قبل النظام السوري لا يكاد يماثل أية دولة في العالم، وإن المبادرة الهولندية في أيلول الماضي لمحاسبة سوريا على جريمة التعذيب أمام محكمة العدل الدولية وفقاً لاتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب هي خطوة أولى، وتبعتها كندا في الاتجاه ذاته.
وأشار إلى أن هذا الجهد يمثل خطوة في الاتجاه الصحيح نحو محاسبة النظام السوري وفضحه أمام محكمة الأمم المتحدة، وهذه إحدى أدوات المحاسبة.
وختم المقال بالتأكيد على أن النظام السوري لن يتوقف عن تعذيب المعتقلين لديه، لأنه متورط بجميع أركانه في هذه الجريمة، وسوف يستمر في ممارستها حتى الوصول إلى تسوية سياسية معه، موضحاً أن المعتقلين هم رهينة وورقة تفاوضية في يده وعلى المجتمع الدولي تسريع عملية الانتقال السياسي قبل مقتل المزيد من السوريين تحت التعذيب.
بوركتم