fbpx

الموقف التركي من الحرب ضد النظام

0 68

إن الحرب التي تدور الآن في الشمال المحرر هي جزء بسيط من المسألة والقضية السورية بمجملها، ولا يمكن تجزيء القضية ولا يمكن فصل الجزء عن الكل.

لذلك فإن الحديث عن موقف تركيا من هذه الحرب لا يمكن فصله أبداً عن موقف تركيا من كامل وسائر المسألة وعن الثورة السورية المجيدة بأكمها.

من الخطأ السؤال عن مجرد رأي تركيا أو موقفها الأخلاقي من الحرب وكأنها طرف حيادي أو مجرّد جارٍ بتابع الأخبار، لأن تركيا متداخلة في القضية ومشتبكة ومترابطة أي أنها في الواقع في منتصف الحدث وهي ليست في منتصف المسألة السورية ولكن هذه المسألة في منتصف المسألة التركية ونعني الاهتمام المصالح الاستراتيجية والأمن القومي التركي.

تركيا دولة لاعبة وناشطة وحيوية وقد قرأت مؤخراً وبشكل جيد أن هناك رغبة أو خطط غربية – من الناتو – تهدف لإشعال حرب في هذه المنطقة بين تركيا وروسيا على خلفية متطلبات المسألة السورية وقد نوهنا إلى ذلك منذ أسابيع.

تركيا قد لا يناسبها عقلانياً وماديّاً خوض هذه الحرب وقد تستطيع تركيا المناورة والتهرب منها، ولكن تركيا قد حسبت حساب أنها قد تضطر لتنفيذ خطة الامريكان والغرب!! لأن الأمريكان قد يلوّحون ويلمّحون بل قد يصرّحون بأن الثمن لإلغاء الأمريكان لمشروع كوردستان الكبرى بخطره المستطير هو التأكد من ثبات تركيا على ضفة قطب الناتو مع مغادرتها القاطعة والباتّة للضفة الروسية والقطب الآخر وإن هذا لن يتضح ويتم التأكد منه والبناء عليه إلا بنشوب نزاع عسكري بين تركيا وروسيا.

إن روسيا أيضاً ليس لمصلحتها نهائياً القيام بحرب ضد تركيا وخاصة مع تورطها في حرب أوكرانيا، ولكن الجميع وتركيا يشككون في عقلانية روسيا وقدرتها على تلافي الحرب وإن تركيا وضعت بحسبانها احتمال اندفاع روسيا وقيامها بهذه الحرب ربما للخروج من هزيمتها في أوكرانيا والخروج من مأزقها وخانتها الضيقة وكذلك التغطية على الهزيمة وذلك بتشعيب الصراع وفتح أكثر من جبهة ومواجهة الناتو في أماكن مختلفة.

والآن ومع تطورات الأحداث والصراعات قد يتجه الأمريكان وكثير من الأطراف المستفيدة إلى السعي لدفع الروس والأتراك إلى التصادم، ولكن لقد سبقت تركيا ونهجت ما يقرب من ذلك النهج، وهو اختبار حقيقة الموقف الروسي بشكل مبكر وقبل أن تباشر الإدارة الأمريكية الجديدة عملها، وبشكل أوضح: لقد دفعت تركيا وشجعت الفصائل الثورية ولم تمانع اندفاعهم وحماسهم لشن حرب على محاور هامة وحاسمة ضد النظام وحلفائه، وهنا فإن تركيا تقوم بفحص دقيق وجس نبض لموقف روسيا وسقف مساعدتها للنظام السوري وكذلك اختبار مدى تمسكها بالجغرافيا السورية كموقع استراتيجي.

وتقوم تركيا أيضاً بفحص جهوزية واستطلاع قدرات إيران وميليشياتها ومدى تمسكهم بسورية وبنظام الحكم.

تركيا منذ شهور تستعد للحرب وتخطط وتعدّ الفصائل الثورية ضمن هيكل مؤسساتي وتراتيب تنظيمية.

من الواضح أن تركيا قدمت سلاحاً وتدريباً وتنظيماً والتزاماً بالانضباط وإن كل ذلك قد بدت وظهرت آثاره ودلائل وجوده وقد لاحظنا استخدام الطائرات المسيرة وهي من أفضل وأنجح الأسلحة.

إننا نكرر أن تركيا في وسط الحرب وفي ميدان المعارك والدليل القاطع أن تركيا لها على الأرض وبشكل متاخم وملاصق لميدان المعارك ومحاورها لها عدد كبير من الثكنات والقواعد والنقاط المزودة بأحدث الأسلحة الثقيلة، كما أن لها أعداداً كبيرة من ضباط وعناصر الجيش التركي وقد واصلت تركيا خلال الفترات الأخيرة جلب الأرتال والتعزيزات الثقيلة.

وبسبب ما ذكرناه فإن تركيا قد وضعت حدّاً وسقفاً آمناً لأي ردة فعل من قبل النظام وحلفائه ومساعديه كائنين من كانوا، حيث يدرك العدو هذه المرة أن لكل إجراءٍ إجراء سيكون موازياً وهناك رعبٌ موازٍ.

تركيا قامت وسوف تواصل قيامها بالتغطية السياسية لهذا العمل العسكري وسوف تحاول بشكل دبلوماسي وقانوني إكساب هذا العمل العسكري الدفاعي والمشروع، العدالة والأحقية ودعم مشروعيته، وسوف تقوم بتركيا بالاتصالات الدولية اللازمة لدعم الثوار ولمواجهة وإفشال أعدائهم

ولا شك أننا سنصطدم بمن ينطلق من أسبقيات جاهزة أو لديه قناعات خشبية أو بمن يتحدث متفيقهاً عن المصالح وأن تركيا لها مصالحها ويقول وكأنه اكتشف جديداً: إن تركيا تهمها مصالحها ولا يهمها الشأن السوري!.

وبعد أن نصفق تصفيقاً حاراً نقول لهؤلاء:

نعم إن تركيا مثلها مثل جميع البشرية وجميع الدول تهتم بمصالحها أولاً وقبل أي أحد أو أي شيء.

ولكن هناك مصالح مشتركة وبحكم علاقتنا التاريخية وبحكم جوارنا نحن والأتراك فقد التقينا على المصالح وقد اشتركنا فيها.

تركيا لها مصلحة مثلنا أو أكثر بنسف مشروع كوردستان الانفصالي وإنهائه، هل نحن لنا أي مصلحة به؟ هل رغبة تركيا بإنهاء مشروع كوردستان التوسعي والقضاء عليه تضرنا؟.

تركيا تعادي روسيا وبين تركيا وروسيا عداء تاريخي ومستحكم وترغب تركيا بخروج روسيا نهائياً من سورية، هل هذا يضرنا؟.

تركيا مختلفة ومتعادية مع إيران الصفوية وأتباعها وتركيا ترغب وتسعى لإخراج إيران وانقسامها نهائيا عن سورية، فهل هذا يخالف رغباتنا ومصالحنا؟

تركيا عدا عن رغبتها ومصلحتها الكليّة بنجاح وانتصار الثورة السورية وزوال النظام الحالي الطائفي فاشل وغير القادر على تقديم أي خدمة ويعجز عن تأمين الحدود وتأمين طرق الترانزيت وغير ذلك.

عدا عن ذلك وبالمدى المنظور فإن تركيا لها مصلحة أساسية بتوسيع رقعة الشمال الغربي المحرر ولها مصلحة كبيرة بتحرير مدينة حلب ولها مصلحة ولا شك بعودة اللاجئين السوريين أو جزء كبير منهم عودتهم من تركيا إلى مناطقهم بعد تحريرها واستعادتها، فهل هذه المصالح التركية تضيرنا وتخالف مصالحنا وتتناقض معها؟.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني